كاهن دي دجي يطرب شباب أوروبا بموسيقى تكنو

هل يفقد الراهب وقاره حين ينزع بدلة الكنيسة ويرقص ملوّحا من وراء الأجهزة الإلكترونية التي ينسق بها ألحانه؟ يقول الأب البرتغالي الذي يشتغل دي دجي ويجعل الشباب يرقصون على موسيقاه، إن الفرح قاسم مشترك بين الموسيقى والكنيسة.
كويمبرا (البرتغال) - بات الكاهن الكاثوليكي غييرمي بيشوتو نجم الموسيقى الإلكترونية في البرتغال، فبياقته الرومانية البيضاء والسماعات المثبتة على رأسه، ينسّق الألحان في الحفلات فيجعل الحشود الشبابية ترقص ببهجة، سعيا منه إلى التعبير عن رسالة الأمل التي تحملها الكنيسة. ويقول رجل الدين الذي ذاعت شهرته كمنسق أسطوانات “أشعر أكثر فأكثر بأنّني كاهن بفضل الموسيقى الإلكترونية”، موضحا أن الموسيقى تتيح له التواصل مع جمهور لا يرتاد الكنائس عادة.
ويضيف “يمكّنني ذلك من أن أخوض التحدي الذي تطلبه منّا الكنيسة، وهو عدم الانغلاق على أنفسنا، بل التواصل مع الآخرين”.
ويتميز هذا الكاهن البالغ 50 عاما وذو الوجه المستدير والنظارة الداكنة عن الصورة التقليدية للكاهن.
ففي صباح يوم الأحد، يلتقي أبناء رعيته في لوندوس، شمال البرتغال. وأمام الكنيسة المزدحمة، يحيي القداس منتعلا حذاء رياضيا، ويرتدي فوق الجينز رداء كهنوتيا أخضر اللون.
لكنّ لحياة هذا الكاهن وجها آخر، هو ذلك الذي يكون فيه فنانا فعليا في مجال موسيقى الإلكترونية.
وبدلا من الوقوف وراء المذبح لترؤس الصلاة، يتمايل وراء طاولة الميكساج حيث يضع تجهيزات مزج الألحان. وتشمل حفلاته الموسيقية كل أنحاء بلده وتمتد إلى خارجه، كإسبانيا وسويسرا وإيطاليا، حيث أطلّ هذه السنة على مسارح مهرجانات وفي ملاهٍ.
ومع أن شغفه بالموسيقى بدأ في مرحلة مبكرة جدا، لكنّ فكرة أن يصبح منسق موسيقى خطرت له خلال رحلة مع جنود برتغاليين إلى أفغانستان، حيث رافقهم كمرشد روحي عسكري.
وعندما عاد إلى البرتغال، أراد تطوير مهاراته، فالتحق بمدرسة لمنسقي الموسيقى في مدينة بورتو الشمالية.

ومكّنته تجربته من أن يدرك قدرة الموسيقى على إيصال رسالة المسيح، إذ “يعبّر عنها جمال تناغمات الموسيقى الإلكترونية”.
ويرى رجل الدين الذي يحظى بتقدير كبير من أبناء رعيته أن هذه الموسيقى تتيح تسليط الضوء على “الفرح ، في رسالة رجاء وإيمان وتسامح ووئام وسلام”.
لكنّ المحطة التي أكسبته فعليا شهرته الواسعة كانت قبل عام، عندما تولى تنسيق الموسيقى في لشبونة أمام نحو مليون ونصف مليون حاج من مختلف أنحاء العالم، خلال القداس الذي أحياه البابا فرنسيس في ختام الأيام العالمية للشبيبة.
وقال الكاهن بيشوتو “من خلال الموسيقى الإلكترونية، يمكنني أن أحمل بعض الرسائل، ويمكنني أن أكون حيث يتواجد الشباب”.
وأضاف “يمكنهم أن يفكروا: إذا كان من الممكن للكاهن أن يكون دي جي، فمن الممكن بالنسبة إليّ أن أحب الموسيقى والمهرجانات، وأن أكون مسيحيًا”.
ويحظى الكاهن الذي يبلغ عدد متابعيه على إنستغرام أكثر من 900 ألف، بترحيب مشابه لذلك الذي يلقاه عادة نجوم الروك.
وفي مطلع يوليو الماضي في كويمبرا، المدينة الجامعية الكبيرة في وسط البرتغال، حيث جعل مئات الشباب يرقصون بمزجه مقطوعات التكنو مع مقتطفات من خطابات البابا الراحل يوحنا بولس الثاني والحالي فرنسيس.

وقال الكاهن عن مناسبات مثل مهرجان الهالوين الذي يحضره نحو 30 ألف شخص “أقوم بتوصيل هذه الرسائل إلى أماكن لا توجد بها الكنيسة”.
وهناك، أعاد مزج إيقاعات الرقص الإلكترونية مع كلمات من رسالة البابا فرانسيس حول حماية البيئة.
وقال بيشوتو “من المهم جدًا بالنسبة إليّ ألا أكون كاهنًا ودي دجي فحسب، بل أن أكون راعيًا للمجتمع”.
وفي البرتغال، يقول حوالي نصف الشباب إنه ليس لديهم أي دين، ويشارك معظمهم بشكل أقل في الخدمات ولديهم ثقة أقل في الكنيسة، ويصلّون أقل من الأجيال الأكبر سنا، وفقا لدراسة أجراها إدواردو دوكي، الأستاذ في الجامعة البرتغالية الكاثوليكية في براغا.
وقالت سيلفانا بونتيس، “يقول الأب غييرمي: إذا لم نتمكن من إحضارهم إلى الكنيسة، فسنحضر الكنيسة إليهم”. وأضافت أنه في حين أن معظم الذين يرعون آر دي روك لا يذهبون إلى القداس، فإن البعض يصبحون فضوليين بما يكفي للسؤال عن أوقات العبادة.
وتقول الشابة أندريا بورجس البالغة 26 عاما التي طلبت من الأب غييرمي الوقوف لالتقاط صورة شخصية معه “هذا الكاهن رائع حقا”.
أما فيليبي باروسو، وهو عاشق للموسيقى الإلكترونية يبلغ 32 عاما، فيلاحظ أن الأب غييرمي “نجح في الجمع بين عالمين يبدوان متعارضين في كل شيء”، معتبرا أنه “بارع جدا في ما يفعله”.