لاجئة سودانية تترك دراسة الصيدلة لتصليح السيارات في ليبيا

حاجز مطلي باللون الأزرق يفصل قسم الرجال عن النساء في الورشات.
السبت 2024/08/17
أريحية في التعامل معها

إذا زرعت الحرب الرعب في قلوب الناس وشردتهم بعيدا عن ديارهم واستقرارهم فإنها قد تبعث في بعضهم الشجاعة في مواجهة مصيرهم كما فعلت شابة سودانية أجبرتها ظروف اللجوء على ترك مقاعد دراسة الصيدلة وتتحول إلى عاملة في صيانة السيارات بإحدى الورشات في ليبيا.

مصراتة (ليبيا) ـ تتفقّد أساور مصطفى زيت سيارة قبل تفريغه في ورشة تصليح سيارات في مدينة مصراتة الليبية يقدّم خدمات فريدة من نوعها في البلاد خاصة بالنساء وتقوم بها امرأة.

وتحدّت المرأة السودانية البالغة من العمر 22 عاما، وهي لاجئة في ليبيا بعد فرارها من الحرب في بلدها، المجتمع المحافظ الذي ينظر إلى العمل في هذا القطاع على أنه حكر على الرجال، ودعّمها في ذلك شقيقها ومديرها الليبي.

وتقول مصطفى من داخل الكاراج  “في البداية، كانت التجربة صعبة بعض الشيء”، إذ كانت تخشى “ارتكاب خطأ والإضرار بسيارات الزبائن . لكن عندما رأيت النتيجة، ارتحت، وأنا الآن متحمّسة لها”.

وغادرت مصطفى السودان مع شقيقاتها الأربع وشقيقها ووالدتها في أكتوبر 2023، عبرت الصحراء لدخول ليبيا بعد رحلة استغرقت عشرة أيام، “وهي الأسوأ على الإطلاق”.

وتغرق ليبيا في الفوضى منذ 2011. وبات يعدّ اليوم بين 1.7 إلى 2 مليون أجنبي “دخلوا بشكل غير قانوني” إلى ليبيا، وفق وزارة الداخلية الليبية. وغالبا ما يعيش هؤلاء المهاجرون في ظروف يرثى لها.

اختارت الشابة أساور ألا تستمع إلى تعليقات الأشخاص المثيرة للضحك لأنهم لا يعرفون وضعها وظروف عائلتها اللاجئة

من الكفرة في أقصى الجنوب، جاءت عائلة مصطفى إلى الساحل للبحث عن عمل قبل أن تستقرّ في مصراتة، الميناء كبير والمدينة التجارية الواقعة على بعد 200 كيلومتر شرق طرابلس.

في الكاراج، هناك حاجز مطلي باللون الأزرق يفصل قسم الرجال عن القسم المخصّص للنساء حيث ترحّب أساور، التي ترتدي وشاحا أبيض على رأسها وسروالا أسود وبلوزة، بالسائقات.

وتوجد في ليبيا ورش تصليح سيارات فيها قسم نسائي، لكنها المرة الأولى التي تقدّم فيها امرأة الخدمات، وفق ما يقول القيمون على الكاراج.

وتقول فوزية مانيطة (39 عاما) التي أتت لتصليح سيارتها، “من الرائع رؤية النساء يتقدمن في جميع المجالات”، مضيفة “المزيد من النساء يقدن سياراتهن في ليبيا، وهن في حاجة إلى الشعور بالراحة في مكان يتعاملن فيه مع نساء، بينما يشعرن بالرهبة ربما في مواجهة الرجال”.

وبحسب البنك الدولي، وصلت نسبة النساء بين السكان العاملين في ليبيا إلى 37 في المئة في العام 2022.

ولم تثبط تعليقات مثل “مكانك في البيت” و”في المطبخ” أو “هذه ليست وظيفة لك”، عزيمة أساور مصطفى. وتقول “اخترت ألا أستمع إلى تعليقات أشخاص لا يعرفون وضعي (…)، كان مضحكا تعليق الناس دون معرفة ظروفي”.

Thumbnail

وأساور مصطفى ليست الميكانيكية السودانية الأولى فقد سبقتها الشابة سحر إبراهيم التي احترفت تصليح السيارات منذ 2015 في جنوب الخرطوم وهي حرفة لم تعد تثير الاستغراب في مدن عديدة من الوطن العربي.

واضطرت الشابة السودانية إلى ترك دراسة الصيدلة في عامها الأخير في بلادها بسبب الحرب، وتشارك اليوم في إعالة أسرتها.

وتشعر بالارتياح لأن “النساء اللواتي يأتين سعيدات بالتعامل مع امرأة أخرى”.

وتقول إنه طالما “المرأة عازمة”، لا توجد مهنة “حكر على الرجل”. وإذا كانت “الرغبة موجودة فلا ينبغي التردّد”.

وتشير الى أن تشجيع شقيقها صحابي (19 عاما)، وهو ميكانيكي يعمل في المكان نفسه في “قسم الرجال”، لا يقدّر بثمن بالنسبة إليها.

ويقول صاحب الكاراج عبدالسلام شغيب (32 عاما) “أنا موجود من أجلها إذا احتاجت إلى المساعدة” أو “الطمأنينة”، معبّرا عن رضاه الكامل عن عملها وعمل أخيها.

ويتابع “لا ينبغي أن تظلّ هذه المهنة مخصصة للرجال. فقد ترغب النساء في العمل في هذا المجال”.

في الوقت الحالي، يقدّم الكاراج خدمات “تغيير الزيت وغسل السيارات”، لكن عبدالسلام يأمل في “توسيع خدمات أساور للنساء، لتشمل هياكل السيارات وتكييف الهواء”.

Thumbnail

وقد فرّ عشرات الآلاف من السودانيين إلى ليبيا هربا من الحرب المدمّرة التي تدور رحاها في بلادهم منذ أبريل 2023. وفي نهاية يونيو، سجّلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أكثر من 40 ألف لاجئ سوداني في الكفرة، وهي واحة يبلغ عدد سكانها 60 ألفا وتبعد حوالي 1200 كيلومتر عن طرابلس.

وتعبر المنظمات الإنسانية عن قلقها من تدهور وضع اللاجئين في ليبيا التي تعاني من قلة الموارد، إذ تتوقع الأمم المتحدة أن يرتفع عدد السودانيين في البلاد إلى 149 ألفاً بحلول نهاية العام 2024.

وصرح مدير مكتب «اللجنة الدولية للإنقاذ» في ليبيا جاريد رويل، أن السودانيين يصلون إلى جنوب ليبيا مصابين بصدمات نفسية شديدة وسوء التغذية وغالباً ما يحتاجون إلى رعاية طبية، حسب بيان نشر الاثنين الماضي، مشيراً إلى لجوء عدد كبير من العائلات وقاصرين غير مصحوبين بذويهم.

وكشف رويل عن دعم على مدى الأشهر الستة الماضية، أكثر من 17 ألف فرد سوداني، 58 في المئة منهم من النساء والفتيات، في ما تشمل الخدمات التي تقدمها فرق اللجنة الرعاية الطارئة للولادة ورعاية الأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى توفير مواد أساسية مثل منتجات النظافة الشخصية وخدمات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي وأنشطة الدعم النفسي.

ودعت اللجنة الدولية للإنقاذ المجتمع الدولي إلى «تقديم مساعدات فورية ومتزايدة لتلبية الاحتياجات العاجلة لهذه الفئات السكانية الضعيفة، فدون مساعدة سريعة وشاملة، بما في ذلك التمويل الإضافي لتمكين الاستجابة الفعالة، ستستمر الظروف المعيشية للاجئين السودانيين في ليبيا في التدهور، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلا”.

16