الفنانون الفطريون يواصلون الإبداع الفرعوني

معابد ومقابر باتت مناطق سياحية يفد السياح من كل قارات العالم لزيارتها لاحتفاظها بنقوشها وألوانها الزاهية.
الاثنين 2024/08/12
صناعة تقاوم الزمن

يُدهَش السياح الذين يقومون بزيارة معابد ومقابر منطقة القُرْنَةْ الأثرية غربي مدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، من تلك الأعمال الفنية التي نحتها ورسمها الفنانون الفطريون من أبناء المنطقة، والتي تُعرض في  المعارض المنتشرة على جانبي الطرق المؤدية إلى المقابر والمعابد الفرعونية، والتي يتوافد عليها السياح من زوار المنطقة، لشراء التحف والهدايا التذكارية.

الأقصر (مصر) - في منطقة القُرْنَةْ الأثرية بالبر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، وفي أحضان جبانة طيبة القديمة التي دُفن بها حكام مصر القديمة من ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات، والغنية بمئات المقابر وعشرات المعابد التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، كانت جموع الفنانين المصريين القدماء من سكان دير المدينة، يقومون بنحت المقابر في صخور الجبل المعروف بجبل القُرْنَةْ، وتشييد المعابد وتزيينها بالتماثيل واللوحات والرسوم والنقوش الفرعونية، التي تحكي تفاصيل الحياة اليومية في مصر القديمة، وانتصارات الملوك، والنصوص الدينية، وأسرار علوم الفلك والعمارة وشتى الفنون التي تفرّد بها قدماء المصريين.

وقد تحوّلت تلك المعابد والمقابر إلى مناطق سياحية يفد السياح لزيارتها من كل قارات العالم، وذلك بفضل احتفاظها بنقوشها وألوانها الزاهية حتى اليوم. وسيرا على خطى أجدادهم من فناني مصر القديمة، الذين كانوا يقطنون في تلك المنطقة التي تعرف اليوم بـ”دير المدينة” يواصل عشرات الفنانين الفطريين في منطقة القُرْنَةْ الواقعة في قلب جبانة طيبة القديمة غربي مدينة الأقصر، الحفاظ على فنون أجدادهم، حيث أقاموا الورش الفنية والمعارض التي تُعرف بمصانع الألباستر، ويبدعون في نحت التماثيل واللوحات الفرعونية التي يستلهمونها من معابد ومقابر الأجداد، وبيعها لزوار معابد ومقابر المنطقة من سياح العالم.

وبالقرب من منطقة دير المدينة التي تحوّلت إلى مزار يؤرخ لتفاصيل إقامة أول مدينة للعمال والفنانين في التاريخ (والتي يعود تاريخ إقامتها إلى عصر الدولة المصرية الحديثة 1570 - 1070 قبل الميلاد) قام الفنانون الفطريون المعاصرون من سُكان جبانة طيبة القديمة بتشييد ورش ومصانع ومعارض لنحت ورسم التماثيل واللوحات والقطع الفنية الفرعونية، وبيعها للسياح من زوار المنطقة، وذلك في إطار مساعيهم لإحياء حرف وصناعات وفنون أجدادهم من فناني مصر القديمة، وهي الحرف والصناعات والفنون التي تقاوم الزمن وظلت باقية حتي اليوم.

◙ التاريخ الفني للقُرْنَةْ يعود إلى آلاف السنين حيث عرفت فنون النحت والرسم والنقش الغائر والبارز منذ عهود الفراعنة
◙ التاريخ الفني للقُرْنَةْ يعود إلى آلاف السنين حيث عرفت فنون النحت والرسم والنقش الغائر والبارز منذ عهود الفراعنة

ويستطيع زوار مدينة الأقصر ومقابر معابد جبانة طيبة القديمة اقتناء التماثيل واللوحات والتحف، ورؤية سُكان المنطقة من الفنانين الفطريين وهم يقومون بنحتها ونقشها وتلوينها بذات الطرق التي استخدمها أجدادهم، وذات الأدوات وذات الألوان التي استخدمها المصريون القدماء من فناني دير المدينة في نحت ونقش ورسم وتلوين التماثيل والجداريات التي نُحتت وشُيّدت بأوامر من ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات الفراعنة في ذات المنطقة قبل آلاف السنين.

وليس غريباً، أن هؤلاء الفنانين الفطريين الذين توارثوا فنون أجدادهم، وتعلموا نحت التماثيل الفرعونية والرسم والنقش على اللوحات الحجرية، من الأجداد والآباء، يستخدمون أدوات وألوانا بسيطة كتلك التي استخدمها أجدادهم وإن وجد تغيير فهو تغيير طفيف، ليؤكدوا على أنهم يُحيون فنون أجدادهم بذات الطرق والأدوات القديمة.

ولمنطقة القُرْنَةْ تاريخ فني يعود إلى آلاف السنين، حيث عرفت المنطقة كما أسلفنا فنون النحت، والرسم، والنقش الغائر والبارز منذ عهود الفراعنة. وقد تزيّنت معابد المنطقة ومقابرها الأثرية بمئات التماثيل واللوحات والجداريات التي نحتها ونقشها ورسمها الفنان المصري القديم، الذي توارث سُكان منطقة القُرْنَةْ ما عرفه من فنون.

وكما تدلنا كُتب الآثاريين وعلماء المصريات، فقد أبدع المصريون القدماء في تغطية جدران وأسقف المقابر والمعابد برسوم نُقشت على الأحجار، بعضها حفرت بارزة وبعضها حفرت غائرة، في ما وجدت النقوش البارزة مزخرفة بالألوان، وهي ذات الطريقة التي يسير عليها الفنان الفطري الذي يسكن قرب معابد ومقابر أجداده في منطقة القُرْنَةْ، حيث تُنحت التماثيل التي تُجسد ملوك وملكات مصر القديمة، وما عرفه المصري القديم من آلهة وحيوانات وطيور مُقدسة، إلى جانب لوحات بأحجام مختلفة نقوشها بارزة أو غائرة وقد نُقشت عليها مناظر من الحياة اليومية في مصر القديمة، ونُقل على بعضها بعض المشاهد التي تُزين مئات المقابر التي تنتشر في أحضان جبل القُرْنَةْ، ويُباع كل ذلك للسياح الذين يتوافدون بالآلاف للاستمتاع برؤية آثار ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة، والتعرف على جوانب من تلك الحضارة التي احتلت مكانة متقدمة بين الحضارات الإنسانية، وعرفت الكثير من العلوم والفنون.

وقد نجح الفنانون الفطريون من سُكان منطقة القُرْنَةْ، الذين ولدوا قرب المعابد والمقابر ونشأوا وترعرعوا وسطها، في أن يعيدوا تشكيل ذات المناظر التي وجدت على جدران المقابر والمعابد، تارة بالنقش البارز وتارة بالنقش الغائر، ونقل ما يختارونه من مشاهد بكل تفاصيلها.

وإذا كان الفنان المصري القديم قد برع في نحت التماثيل الضخمة من الحجر الرملي أو الحجر الجيري، أو أحجار الجرانيت، كتلك التي وجدت في معبد الرامسيوم في القُرْنَةْ - غربي مدينة الأقصر - فقد برع فنانوا القُرْنَةْ في نحت تماثيل بأحجام مختلفة بعضها لا يتجاوز طولها 15 سم، وبعضها يتجاوز الـ1.5 متر.

18