مكاسب إثيوبية طويلة الأمد من الاتفاق مع صندوق النقد لكن الإجراءات تغذي المخاطر الأمنية

أديس أبابا - يمهد اتفاق إثيوبيا الجديد مع صندوق النقد الدولي طريق دعم خارجي مهم. كما سيسهل إعادة هيكلة ديون البلاد ويحسن مناخها الاستثماري على المدى الطويل. لكن انخفاض قيمة البير الإثيوبي مقابل الدولار ينذر بتزايد المظالم الاجتماعية والاقتصادية على المدى القصير إلى المتوسط، ويمكن أن تستفيد حركات التمرد العرقية من هذا لتجنيد المزيد من الأنصار.
ووافق صندوق النقد الدولي في التاسع والعشرين من يوليو الماضي على حزمة دعم مدتها أربع سنوات بقيمة 3.4 مليار دولار لإثيوبيا، مع صرف مليار دولار على الفور. ووافق البنك الدولي في اليوم التالي على تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار، وتعهد بعد ذلك بتقديم ما مجموعه 16.6 مليار دولار من الدعم المالي على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وجاءت هذه الإعلانات بعد أن كشف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن خطط لإجراء إصلاحات اقتصادية كبيرة في الثامن والعشرين من يوليو، بما في ذلك التحول إلى سياسة نقدية قائمة على سعر الفائدة، ومراجعة نظام الدعم في البلاد، وإصلاح الشركات المملوكة للدولة.
وجاء في تقرير لموقع ستراتفور أن تعويم البنك المركزي الإثيوبي للبير بحرية في التاسع والعشرين من يوليو، خفض قيمة العملة الوطنية بسرعة بنحو 30 في المئة مقابل الدولار. لكن الحكومة الإثيوبية شددت على أن إصلاحات العملة ضرورية لتأمين 20 مليار دولار من الدعم المالي الخارجي وأنها ستساعد في معالجة اختلالات الاقتصاد الكلي في البلاد.
وأعلن البنك الوطني الإثيوبي في التاسع من يوليو خططا لتحديث إطار السياسة النقدية. واعتمد البنك قبل إعلانات آبي أحمد على زيادة المعروض النقدي في البلاد وخفضه للسيطرة على التضخم. وستشمل إصلاحات آبي أحمد المعلنة حديثا برنامج دعم مستهدفا لحماية الأسر ذات الدخل المنخفض، بما في ذلك الدعم المؤقت للوقود والأسمدة، ودعم الأجور للعاملين الحكوميين ذوي الدخل المنخفض.
وتشير التقارير إلى أن من المقرر أن تُسن هذه التدابير قريبا عبر موازنة صغيرة بقيمة 5.9 مليار دولار، ومن المقرر تخصيص 40 في المئة منها لتدابير الإنفاق الاجتماعي. ويتزامن برنامج صندوق النقد الدولي مع مكافحة إثيوبيا للتعافي من حرب تيغراي وسط استمرار التمرد العرقي الذي شهد تخلف البلاد عن سداد قسيمة سندات اليورو في ديسمبر 2023.
ونال آبي أحمد دعم صندوق النقد الدولي لأول مرة في 2019 كجزء من جهوده لتحرير الاقتصاد الإثيوبي. ولكن تقرر التخلي عن البرنامج بعد اندلاع اشتباكات مسلحة في منطقة تيغراي الشمالية في إثيوبيا في أواخر 2020. واستنزفت الحرب موارد البلاد المالية. وانتهت الأعمال العدائية بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير شعب تيغراي في نوفمبر 2022 بتوقيع معاهدة سلام، لكن إثيوبيا واجهت صعوبات في تأمين انتعاش الاستثمارات الأجنبية وسط استمرار التمرد العرقي في البلاد، وخاصة في منطقتي أمهرة وأوروميا.
وفاقمت الاستثمارات الأجنبية المتوترة والعجز التجاري الحاد في إثيوبيا عجز الحساب الجاري وسلّطا ضغوطا شديدة على احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد، مما أجبر الحكومة في النهاية على التخلف عن سداد سندات اليوروبوند في ديسمبر 2023. وسعى آبي أحمد إلى إعادة هيكلة الدين الخارجي للبلاد منذ 2021، لكن العملية واجهت تأخيرات كبيرة. وضمنت الحكومة الإثيوبية تعليق مدفوعات الديون مع الصين ودول نادي باريس في 2023. لكن اتفاق نادي باريس كان مشروطا بتوصل أديس أبابا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ولم يجد آبي أحمد بالتالي خيارا سوى إبرام اتفاق مع المقرض متعدد الأطراف أو المخاطرة بالتخلف عن سداد أجزاء كبيرة من الدين الخارجي الرسمي لإثيوبيا وإثارة أزمة مالية. وبلغ العجز التجاري لإثيوبيا وفقا للبنك الدولي 12.09 مليار دولار في 2023، أي حوالي 7.4 في المئة من ناتج البلاد المحلي الإجمالي. وكان هذا العجز التجاري الكبير هو المساهم الرئيسي في عجز الحساب الجاري، الذي بلغ 4.79 مليار دولار في 2023.
وبلغت احتياطيات إثيوبيا من النقد الأجنبي ما يقدر بنحو 700 مليون دولار في 2023، وهو ما يغطي أقل من شهر من الواردات، مقارنة بحوالي 3 مليارات دولار في 2020.
وبلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في إثيوبيا 42.9 في المئة اعتبارا من السنة المالية 2024 – 2025، حيث يمثل الدين الخارجي حوالي 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكان 51.6 في المئة من الدين الخارجي للبلاد مستحقا للمقرضين متعددي الأطراف في 2021، بينما كان 28.6 في المئة مستحقا للمانحين الثنائيين، و11.8 في المئة للمقرضين التجاريين و3.5 في المئة لحاملي سندات اليورو.
وتفيد الإشارات المبكرة التي أرسلها الدائنون الثنائيون بأن بإمكان إثيوبيا إعادة هيكلة ديونها بوتيرة سريعة. لكن انخفاض قيمة البير ينذر بارتفاع التضخم والمظالم الاجتماعية والاقتصادية، حيث يمكن أن تستغلها الميليشيات العرقية لتجنيد المزيد من المقاتلين. وأصدر أعضاء إحدى مجموعات الدائنين في إثيوبيا ضمانات تمويلية في يوليو الماضي، مما يشير إلى استعدادهم لإعادة هيكلة الديون الإثيوبية بما يتماشى مع برنامج صندوق النقد الدولي.
ويشير هذا إلى أن عملية إعادة هيكلة الديون في إثيوبيا يمكن أن تتقدم بسرعة أكبر مما هي عليه في زامبيا وغانا، حيث استغرقت مفاوضات إعادة هيكلة الديون مع الدائنين الثنائيين والخاصين سنوات. كما قد يمكّن حجم الاستثمارات الصينية في البلاد وانضمام إثيوبيا مؤخرا إلى مجموعة بريكس أديس أبابا من تأمين حسن نية الصين في هذه العملية، على الرغم من أن هذا قد يشمل إعادة جدولة مدفوعات الديون بدلا من قيام الكيانات الصينية بتخفيض اسمي.
ومن المرجح أن تساعد قدرة آبي أحمد على إعادة هيكلة دين إثيوبيا الخارجي بسرعة إثيوبيا في الحفاظ على الامتثال لبرنامج صندوق النقد الدولي وتأمين المدفوعات المستقبلية من الصندوق. لكن هذا سيتطلب من الحكومة الإثيوبية التقدم في تدابير ضبط أوضاع المالية العامة أيضا (ربما من خلال توسيع القاعدة الضريبية) والإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، مثل تعديل تعريفة الكهرباء.
◙ قدرة آبي أحمد على إعادة هيكلة دين إثيوبيا الخارجي من المرجح أن تساعد في الحفاظ على الامتثال لبرنامج صندوق النقد الدولي
وستخاطر هذه التدابير (إلى جانب الارتفاع المحتمل في التضخم الناتج عن انخفاض قيمة البير) بزيادة المظالم الاجتماعية والاقتصادية ويمكن أن تشعل الاحتجاجات المناهضة للحكومة. لكن التحركات من غير المرجح أن تتطور إلى حركة احتجاج على مستوى البلاد كتلك التي شهدتها كينيا المجاورة مؤخرا، حيث يشكل المجتمع المدني الأضعف نسبيا في إثيوبيا والتوترات العرقية الأكثر حدة عقبات مهمة أمام التعبئة على مستوى البلاد. لكن مجموعات عرقية مختلفة قد تنظم حركات احتجاجية خاصة بها.
ومن الممكن أن تزعزع بهذا استقرار الحكومة الإثيوبية. كما من المرجح أن تسعى الميليشيات العرقية، مثل فانو في أمهرة، إلى الاستفادة من المشاعر المناهضة للحكومة لتوسيع نطاق التجنيد. وينذر هذا بتحديات أمنية مستمرة على المدى القصير إلى المتوسط. وقد تشمل هذه التحديات زيادة أخرى في عمليات الاختطاف (التي ارتفعت مؤخرا في أوروميا)، واستمرار (أو توسيع) هجمات جيش تحرير فانو وأورومو على قوات الأمن الإثيوبية وغيرها من الجماعات العرقية.
وتقتصر ديون إثيوبيا للصين على عدد قليل من الكيانات التي تشمل بنك الصين للاستيراد والتصدير، مما سيسهل عملية إعادة الهيكلة. وفي المقابل، تنقسم ديون زامبيا للصين بين 18 دائنا صينيا. وأصبحت إثيوبيا رسميا عضوا في بريكس في يناير 2024، بعد دعوتها رسميا إلى الانضمام إلى المجموعة في قمتها التي عقدت في جوهانسبرغ في أغسطس 2023.
وستساعد إصلاحات آبي أحمد الاقتصادية في النهاية على تحسين مناخ الاستثمار في إثيوبيا. لكن التحديات الأمنية المستمرة في أجزاء كبيرة من البلاد ستواصل ردع العديد من المستثمرين الأجانب على المدى القصير إلى المتوسط. وتبقى بيئة الاستثمار في إثيوبيا قاسية أمام شركات القطاع الخاص، رغم تحقيق البلاد أفضل أداء اقتصادي في أفريقيا على مدار العقد الماضي بمتوسط معدل نمو بلغ 8.3 في المئة بين 2013 و2023.
وساهم نموذج النمو القائم على الاستثمار العام الإثيوبي في توسيع البنية التحتية عبر تضاريس البلاد الوعرة على مدى العقدين الماضيين. لكن الصعوبات في الوصول إلى الائتمان ونقص النقد الأجنبي خنقت الاستثمارات الخاصة، وغذت عجز الحساب الجاري. ومن المنتظر أن تعالج الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنها آبي أحمد مؤخرا هذه التحديات، خاصة تعويم البير الحر، مما سيحسن على المدى المتوسط سيولة العملات الأجنبية في البلاد ويعزز قدرة الصادرات الإثيوبية على المنافسة.
وبينما سيضيف هذا ضغوطا تضخمية على المدى القصير، إلا أن من المتوقع أن تخفض إصلاحات البنك الوطني الإثيوبي للسياسة النقدية التضخم على المدى المتوسط، مما سيوفر على الأرجح مساحة للبنك المركزي لخفض أسعار الفائدة، وسيساعد على الأرجح في تعزيز نمو القطاع الخاص. وبينما ستساعد إصلاحات آبي أحمد في تطوير الاقتصاد الإثيوبي على أساس أكثر صلابة وتحسين مناخ الاستثمار في البلاد، تبدو الزيادة الكبيرة في الاستثمارات الأجنبية الخاصة غير مرجحة على المدى القصير.
ويرجع ذلك أساسا إلى بيئة البلاد الأمنية المتقلبة. ومن المرجح أن تكون معالجة هذه التهديدات الأمنية صعبة بالنسبة لآبي أحمد، نظرا إلى سياسة اللعبة الصفرية بين المجموعات العرقية المختلفة وهيكل مجموعات حرب العصابات اللامركزي.
ومن المتوقع بالتالي أن تبقي الصعوبات المستمرة التي تواجهها إثيوبيا في تأمين استثمارات أجنبية جديدة الحسابات الجارية للبلاد تحت الضغط، مما يترك البلاد تعتمد على دعم المانحين متعددي الأطراف خلال السنوات المقبلة. وتشمل الإصلاحات الإضافية التي من شأنها تحسين مناخ الاستثمار في إثيوبيا التحسينات المخطط لها للشفافية المالية في البلاد، حيث لا تسجل موزانة البلاد حاليا مخصصات الشركات المملوكة للدولة وأرباحها.