التزييف العميق ينهي الممارسة الديمقراطية ويتحكم بنتائج الانتخابات

هذا النوع من التزييف على نطاق واسع يحمل خطر إثارة الغضب في الأوساط العامة حيال العملية الانتخابية.
الجمعة 2024/08/09
مناوشات وهمية بين رجال الشرطة وترامب باستخدام التزييف العميق

واشنطن - ليس كل ما نراه على مواقع التواصل صحيح، وإذا كانت الصور ومقاطع الفيديو المزيفة في أغلبها تقصد السخرية والفكاهة، وتحمل إشارة واضحة أنها أنشأت بواسطة الذكاء الاصطناعي، فإن النسبة الباقية حتى ولو كانت بسيطة تشكل خطرا كبيرا، ليس فقط على الأفراد بل على المجتمع ككل.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية يبرز نوع جديد من المخاوف، ويتوقّع أكثر من 50 في المئة من الأميركيين أن تؤثر المعلومات الكاذبة المفبركة بواسطة الذكاء الاصطناعي على نتيجة انتخابات 2024، وفق استطلاع نشرته العام الماضي مجموعة “أكسيوس” الإعلامية وشركة “مورنينغ كونسالت” للمعلومات التجارية.

وأفاد حوالي ثلث الأميركيين أن ثقتهم بالنتائج ستتراجع بسبب الذكاء الاصطناعي، وفق الاستطلاع. وذكرت عدة شركات تكنولوجيا عملاقة أنها تعمل على أنظمة تصنّف المحتوى المولّد عبر الذكاء الاصطناعي.

وفي رسالة إلى الرؤساء التنفيذيين المعنيين بالتكنولوجيا في أبريل، طالبت أكثر من 200 مجموعة بجهود عاجلة لتعزيز مكافحة الأكاذيب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بما في ذلك حظر استخدام التزييف العميق في الإعلانات السياسية واستخدام خوارزميات لدعم المحتوى الانتخابي الواقعي.

50

في المئة من الأميركيين يتوقعون أن تؤثر المعلومات المزيفة على نتيجة الانتخابات

وذكرت “فري برس” غير الربحية، وهي من بين المجموعات التي وقّعت على الرسالة، أن المنصات لم تقدّم التزامات “جوهرية” في هذه الانتخابات.

وقالت المستشارة القانونية لدى “فري برس” نورا بينافيديز “ما لدينا الآن هو بيئة سامة على الإنترنت حيث تغرق الأكاذيب بثّنا وتربك الناخبين”. وأضافت “هذه نقطة تحوّل في انتخاباتنا.. يتعيّن على المسؤولين التنفيذيين في المنصات المسارعة لتحسين وتطبيق سياساتهم ضد التزييف العميق وغيره من المشاكل”.

وبين تسجيل مصوّر يسخر من كامالا هاريس بالاعتماد على تقنية “التزييف العميق” ولقطات لجو بايدن تمّت معالجتها مليئة بالتعابير النابية وصورة مزيفة لتوقيف دونالد ترامب، تثير المعلومات السياسية المضللة التي يغذيها الذكاء الاصطناعي القلق حيال إمكانية التلاعب بالناخبين مع احتدام سباق الرئاسة الأميركية.

وفي إطار ما تم وصفها بأول انتخابات أميركية تتأثّر بالذكاء الاصطناعي في نوفمبر، يحذّر باحثون من إمكانية استخدام التزييف بواسطة التكنولوجيا لجذب الناخبين باتّجاه مرشّح ما أو دفعهم للوقوف ضدّه أو حتى تجنّب الانتخابات كليّا، ما يثير القلق في بيئة تعاني في الأساس من الاستقطاب الشديد.

وجددت موجة من المعلومات المضللة مؤخرا الدعوات لعمالقة التكنولوجيا الذين تراجع العديد منهم عن مراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، لتعزيز الحماية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي قبل الانتخابات.

والأسبوع الماضي، واجه إيلون ماسك انتقادات حادة لمشاركته تسجيلا مصوّرا يعتمد على تقنية “التزييف العميق” يظهر نائبة الرئيس هاريس التي ستكون مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات، مع متابعيه البالغ عددهم 192 مليونا على إكس.

ويصف صوت في التصوير يقلّد صوت هاريس الرئيس جو بايدن بـ”الخرف” ويعلن بعد ذلك أنها لا تعرف “ألف باء الحكم”. ولم يحمل التسجيل أيّ مؤشر على أنه مجرّد محاكاة ساخرة لها، باستثناء رمز تعبيري ضاحك. وأوضح ماسك لاحقا أن التسجيل المصوّر كان هدفه السخرية فحسب.

وأعرب باحثون عن قلقهم من أن المتابعين لربما استنتجوا خطأ بأن هاريس تسخر من نفسها وتستهزئ ببايدن. وفنّد فريق تقصي الحقائق لدى فرانس برس حالات تزييف أخرى مرتبطة بالذكاء الاصطناعي أثارت القلق.

نن

والشهر الماضي، أظهر تسجيل مصوّر تم التلاعب به ينتشر على إكس بايدن وهو يشتم منتقديه مستخدما عبارات مناهضة لمجتمع الميم، بعدما أعلن سحب ترشيحه ودعم ترشّح هاريس.

وكشف بحث عكسي عن الصور بأن التسجيل جاء من خطاب لبايدن بثّته شبكة “بي بي إس” وندد فيه بالعنف السياسي بعد محاولة اغتيال ترامب في 13 يوليو. وأفادت “بي بي إس” أن التسجيل المصوّر رُكّب بتقنية “التزييف العميق” مستخدما شعارها لخداع المشاهدين.

وقبل أسابيع، أظهرت صورة تمّت مشاركتها عبر منصات التواصل الاجتماعي الشرطة وهي توقف ترامب بالقوة بعدما خلصت هيئة محلفين في نيويورك إلى أنه مدان بتزوير سجلات تجارية تتعلّق بأموال تم دفعها لإسكات نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز. لكن خبراء في الأدلة الجنائية الرقمية أفادوا فرانس برس بأن الصورة اعتمدت على تقنية “التزييف العميق”.

وقال المؤسس المشارك لـCivAI لوكاس هانسن إن “هذه الأمثلة الأخيرة تدل إلى حد كبير على الكيفية التي سيتم من خلالها استخدام التسجيلات المعتمدة على التزييف العميق في السياسة من الآن فصاعدا”. وأضاف “بينما تعد المعلومات المضللة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي مصدر قلق بكل تأكيد، فإن تطبيقها على الأرجح سيتم عبر الصور والتسجيلات المصوّرة المفبركة الهادفة إلى إثارة الغضب ومفاقمة التوتر الحزبي”.

واستعرض هانسن الكيفية التي يمكن من خلالها لروبوت دردشة واحد يستخدم الذكاء الاصطناعي أن يؤثر على نسب مشاركة الناخبين عبر إصدار مجموعة كبيرة من التغريدات الكاذبة. هذا النوع من التزييف على نطاق واسع يحمل خطر إثارة الغضب في الأوساط العامة حيال العملية الانتخابية.

12