ابتكارات تكنولوجية لمواجهة معضلة الأمن الغذائي في أفريقيا

أفريقيا في حاجة إلى حلول محلية لمواجهة الصدمات المناخية لحماية الإنتاج الزراعي مع الحد من انبعاثات الكربون.
الثلاثاء 2024/08/06
التغير المناخي يفرض حلولا عاجلة

جوهانسبرغ- أمضت أديزي أكباغبولا التي نشأت في ريف نيجيريا سنوات دراستها في مجالسة دجاج أسرتها طوال الليل وضبط سخان الفحم والطعام والماء اللازمين للحفاظ على الحيوانات ودخل الأسرة على قيد الحياة.

وبذلت قصارى جهدها، لكن درجات الحرارة والرطوبة والتغيرات في نوعية الهواء التي لا يمكن التنبؤ بها أدت إلى نفوق الآلاف من الفراخ، ودفعها هذا إلى تكريس حياتها لجعل المزارع الأفريقية أكثر قدرة على التكيف مع المناخ.

وقالت المهندسة الزراعية البالغة من العمر 34 عاما “لا يمكن التنبؤ بهطول الأمطار وأنماط الطقس غير المسبوقة في نيجيريا، وجعل هذا إضافة إلى ضغوط الحرارة والبرودة طيورنا تموت”.

◄ الصدمات المناخية، إلى جانب الصراعات والأزمات الاقتصادية، تترك أفريقيا في بؤرة أزمة الجوع. ويعاني واحد من كل خمسة أشخاص (حوالي 300 مليون شخص) من نقص الغذاء
الصدمات المناخية، إلى جانب الصراعات والأزمات الاقتصادية، تترك أفريقيا في بؤرة أزمة الجوع. ويعاني حوالي 300 مليون شخص من نقص الغذاء

وأطلقت أكباغبولا العام الماضي جهاز استشعار عن بعد يسمّى “بنكيب” يراقب الظروف البيئية في مزارع الدواجن ويتحكم فيها. وتوُسع الآن التكنولوجيا لتشمل تربية الأحياء المائية ومزارع الدفيئة.

وإلى جانب مزارع الحاويات في جنوب أفريقيا لتربية الذبابية الجندية لاستغلالها علفا للحيوانات، ومجففات المحاصيل الزراعية والأسماك في تنزانيا التي تعتمد الطاقة الشمسية، وأجهزة الكشف عن الآفات التي تعمل بالتعلم الآلي في كينيا، يتوصل الأفارقة إلى حلول مبتكرة للتغلب على آثار تغير المناخ على إنتاج الغذاء.

وستشتد الحاجة في أفريقيا إلى مثل هذه الحلول لأنها القارة الأكثر تعرضا للجوع، وفقا لتقرير جديد للأمم المتحدة.

وتترك الصدمات المناخية، إلى جانب الصراعات والأزمات الاقتصادية، أفريقيا في بؤرة أزمة الجوع. ويعاني واحد من كل خمسة أشخاص (حوالي 300 مليون شخص) من نقص الغذاء.

كما تعتبر أفريقيا القارة الأكثر عرضة للصدمات المناخية، بينما تساهم بأقل قدر في انبعاثات الكربون.

وقالت مولاكوكابيسا، من منصة أبحاث معهد التغيير العالمي في جامعة ويتواترسراند في جوهانسبرغ، “إن عدم المساواة المجتمعية الحالية، مثل قيود الموارد، تجعل الحصول على الأموال للتكيف مع هذه التغييرات مسألة صعبة”.

وأضافت أن “الحلول المحلية مهمة لأنها تأخذ في الاعتبار السياق المحلي… وما الذي سيكون مستداما على المدى الطويل”.

ويفسر جهاز “بنكيب” الذي يعمل بالطاقة الشمسية البيانات من أجهزة الاستشعار التي تراقب التغيرات البيئية بما في ذلك درجة الحرارة ومستويات المياه وجودة الهواء في حظائر الدواجن. وتنبه الرسائل القصيرة أو رسائل البريد الإلكتروني المزارعين إلى هذه التغيرات.

ويعتمد هذا الجهاز أكثر من 1200 مزارع دجاج في غرب نيجيريا وشمالها، حيث أمكنت مراقبة أكثر من 100 ألف دجاجة في الأشهر الستة الأولى من عمل الشركة.

وقالت أكباغبولا إن الاشتراكات التي تبلغ حوالي 15 دولارا في الشهر تجعل الخدمة في متناول المزارعين، كما يمكن للمستخدمين استخدام تطبيق إدارة الذكاء الاصطناعي يسمى “إف إس ماناجر”، وهو يوفر للمزارعين معلومات بما في ذلك المشورة الإدارية وتحديثات الطقس ومسك السجلات الحسابية.

5

آلاف مزارع في جميع أنحاء كينيا يستخدمون اختراع كيماني منذ إطلاقه في 2020

وقالت أكباغبولا إن “في نيجيريا الملايين من مزارعي الدواجن… لكنهم لا ينتجون ما يكفي… لأنهم ينفقون الكثير على الطاقة ويسجلون نسبة كبيرة من موت الدواجن نتيجة ظروف بيئية. وشهد المزارعون الذين يستخدمون ‘بنكيب’ انخفاضا في معدلات موت الدواجن بنسبة72 في المئة”.

ويستغل التنزاني إيفوديوس روتا وفرة الشمس في القارة من خلال مجفف مافينولاب الشمسي الذي يساعد المزارعين على تجفيف المنتجات بسرعة بما في ذلك الأسماك والفواكه والخضروات، مما يمنع فقدان الغذاء بعد الحصاد.

وانطلق مربّو الأسماك في بحيرة فيكتوريا في غرب تنزانيا في استخدام المجفف على نطاق صغير، مما قلل من وقت تجفيف 250 كيلوغراما من الأسماك من 12 ساعة إلى أربعة فقط.

وقال روتا، باحث الاستدامة ومؤسس مركز الابتكار مافينولاب، إن تقلب المناخ كان سببا في هطول أمطار غير منتظمة يمكن أن تفسد ما يصل إلى 50 في المئة من محاصيل الصيادين لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى التخزين البارد.

وصرّح، “أصبح الأمر خطيرا جدا على الصيادين في البحر والبحيرات بسبب الأمطار والمد العالي”.

وأضاف روتا “نحن في حاجة إلى حلول منخفضة التكلفة للمزارعين للتكيف مع أنماط المناخ المتغيرة لأنها ستكون حيوية”، وقال إنه يتلقى طلبات من المزارعين في زيمبابوي وأوغندا وكينيا لاستخدام اختراعه.

وذكرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن تغير المناخ يمكن أن يؤثر على العوامل البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة التي يمكن أن تؤثر بدورها على دورة حياة آفات المحاصيل وانتشارها.

وتعدّ الآفات مسؤولة بالفعل عن تكبّد المزارعين خسارة 40 في المئة على الأقل من المحاصيل في جميع أنحاء العالم.

◄ أفريقيا تعتبر القارة الأكثر عرضة للصدمات المناخية، وتواجه أزمة غذاء بينما تساهم بأقل قدر في انبعاثات الكربون
أفريقيا تعتبر القارة الأكثر عرضة للصدمات المناخية، وتواجه أزمة غذاء بينما تساهم بأقل قدر في انبعاثات الكربون

وشهدت عالمة الكمبيوتر الكينية إستر كيماني هذا الأمر بنفسها عندما قضت الآفات على ما يصل إلى ثلث محاصيل البازلاء والبطاطا والذرة التي زرعتها عائلتها في جنوب كينيا.

وكان الضرر شديدا إلى درجة أن استخدام المبيدات الحشرية لم ينفع بحلول الوقت الذي اكتشفت فيه العائلة الآفات.

واستلهمت كيماني بذلك فكرة اختراع جهاز يعمل بالطاقة الشمسية ومزود بكاميرات بالذكاء الاصطناعي وبتقنيات التعلم الآلي للكشف السريع عن الآفات والأمراض وتنبيه المزارعين إليها.

ويستخدم أكثر من 5آلاف مزارع في جميع أنحاء كينيا اختراع كيماني منذ إطلاقه في 2020. ويقلل نموذج التأجير الجماعي التكلفة التي يتحملها كل مزارع إلى 3 دولارات شهريا.

كما ينصح الجهاز المزارعين بالمبيدات الحشرية التي يجب استخدامها ومتى يمكنهم رشّها، وفقا للتغيرات المناخية المتوقعة.

وتقدر كيماني حماية أكثر من 3 آلاف فدان من الأراضي من الإصابة بالآفات من خلال اختراعها.

وفازت مؤخرا بالجائزة الأفريقية للابتكار الهندسي من الأكاديمية الملكية للهندسة، وقد ترشحت أكباغبولا وروتا لها أيضا.

وتركز بعض الابتكارات المحلية أيضا على حماية الإنتاج الزراعي مع الحد من انبعاثات الكربون.

وتساعد شركة فيلافيد في جنوب أفريقيا على بناء مزارع حاويات ذبابة الجندي الأسود. وتتغذى يرقات الذباب على فضلات الطعام وتحول بذلك دون انبعاثات غاز الميثان الذي يسخن الكوكب من مصبات النفايات.

كما يمكن استخدام اليرقات علفا للماشية، مما يقلل من الحاجة إلى فول الصويا والسمك كثيف الكربون.

ويساعد روث اليرقات على زيادة تحمل التربة والنبات للجفاف والفيضانات. ويمكن بالتالي أن يزيد من غلة المحاصيل في فترات الغموض المناخي.

وقالت مايا زاكين، المؤسسة المشاركة لفيلافيد “نريد أن يتمكن المزارعون من تنويع دخلهم من خلال ذباب الجندي الأسود إذا كان الموسم فاشلا بسبب تغير المناخ”.

صورة

صورة

صورة

صورة

 

16