مساجد بريطانيا في حالة تأهب: التطرف يجلب التطرف

لندن- شعر المسؤولون الدينيون المسلمون في بريطانيا بقلق إثر أعمال عنف وتظاهرات استهدفت مساجد، وهم في حالة تأهب منذ مقتل ثلاث فتيات طعنا في شمال غرب البلاد وانتشار شائعات غير مدعومة بأدلة تفيد بأن المشتبه به مسلم.
وتشير هذه الأحداث باستمرار إلى أن الجالية المسلمة دائما تتحمل أخطاء يمارسها متطرفون مرتبطون بجمعيات وتنظيمات محلية أو خارجية تدفع نحو التشدد غير عابئة بالنتائج التي سيخلفها التطرف وعلى رأسها تغذية التطرف المضاد ثم الشكوى منه والترويج لخطاب المظلومية.
وصارت المساجد أهدافًا منذ حادث الطعن الذي وقع في مدينة ساوثبورت الاثنين خلال حفل لأغاني النجمة الأميركية تايلور سويفت. واندلعت أعمال شغب في مدن إنجليزية اتُّهم عناصر من اليمين المتطرف بالوقوف وراءها.
◄ الأمر ليس جديدًا، لكن الظاهرة تتسع؛ خطاب السياسة بشأن الهجرة واللاجئين يدفع المتطرفين إلى أن يصبحوا أقوى
وأُطلقت هتافات معادية للإسلام خلال اضطرابات شهدتها مدينة سندرلاند بشمال شرق إنجلترا مساء الجمعة، ووقعت اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين أمام مسجد في المدينة.
وأكدت الشرطة أن المئات من “أنصار” حركة “انغليش ديفنس ليغ” اليمينية المتطرفة اشتبكوا مع قوات الأمن مساء الثلاثاء، وهاجموا مسجدًا في ساوثبورت.
وتظاهر المئات الأربعاء حاملين الأعلام البريطانية وهم يرددون شعارات مناهضة للهجرة، في أجواء متوترة أمام داونينغ ستريت، وهو ما أدى إلى اعتقال أكثر من 100 شخص.
ومن المقرر تنظيم عدة تظاهرات في الأيام المقبلة والإعلان عن بعض الاحتجاجات عبر الإنترنت مع لافتة “كفى” ودعوة المشاركين إلى رفع الأعلام الوطنية.
وقالت شرطة ميرسيسايد المسؤولة عن ساوثبورت إنها على علم باحتجاجات محتملة جديدة وإنها وضعت “خططا واسعة وإمكانات كبيرة للشرطة” للتعامل معها.
وقالت الأمينة العامة للمجلس الإسلامي البريطاني زارا محمد لفرانس برس إن “المجتمع الإسلامي يشعر بقلق عميق”، لاسيما حيال “هذه التجمعات المخطط تنظيمها في جميع أنحاء المملكة المتحدة وتستهدف تحديدا المساجد”.
وفي لندن ومدن أخرى أعلنت الشرطة تعزيز تواجدها حول المساجد، في حين توعد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر برد حازم على أعمال “الكراهية اليمينية المتطرفة”.
واتهم ستارمر “حثالة بخطف” حزن الأمة “لزرع الكراهية” وتعهد بأن أي شخص يرتكب أعمال عنف “سيواجه قوة القانون”.
وعقد المجلس الإسلامي البريطاني اجتماعًا بشأن الأمن مساء الخميس مع أئمة المساجد قبل عطلة نهاية الأسبوع.
ونقلت زارا محمد عن أحد المسؤولين الحاضرين قوله إنه تلقى مكالمات هاتفية جاء فيها: سنهاجمكم. وقالت إن “آخرين تساءلوا عما إذا كان ينبغي مواصلة الأنشطة المعتادة مثل الدروس المخصصة للأطفال واجتماعات النساء وغيرها.
وأشارت إلى أن “بعض المساجد لا يمكنها تحمل كلفة الاستعانة بحراس أمنيين”.
وقال شوكت واريتش مدير شركة “موسك سيكيوريتي” (أمن المسجد) التي تقدم خدمات أمنية للمساجد إن الشركة تلقت طلبات من “أكثر من 100 مسجد” من بين نحو 2000 مسجد في البلاد.
وأكد أن مسؤولي المساجد “حدّثونا عن ضعفهم وخوفهم” وطلبوا “نصائح تقنية”.
وقد اعتمد مسجد عبدالله كويليام في ليفربول مساء الجمعة على تضامن السكان، وهم ليسوا جميعا مسلمين، الذين جاءوا بأعداد كبيرة لحماية الموقع بعد انتشار شائعات بشأن احتمال مهاجمته.
وقال دانيال، أحد المتطوعين لحماية المسجد، “أنا هنا للتضامن مع… جيراني. إنهم يعيشون في حيي، في مدينتي”.
وعقب صلاة الجمعة في المسجد المركزي في لندن أكد أغلب مَن تم سؤالهم أنهم يشعرون بقلق جراء التظاهرات المعادية للإسلام وأعمال العنف في الأيام الأخيرة.
وقال الطالب هشام بيتس (24 عاماً) “كان الأمر في السابق يحدث في الخفاء، لكن حاليا يجرؤ الناس على قول ما يفكرون فيه حقا، والأمر مخيف جدا”.
كذلك أعرب مبرمج الكمبيوتر عمران محمود، البالغ من العمر 52 عامًا، عن قلقه من رؤية كيف يندفع البعض لمهاجمة مسجد على خلفية شائعات.
وقال متأسفا “بدل تقصي الحقيقة، يتهمون المسلمين”، معتبرا ذلك بمثابة “غسيل دماغ” تعزّزه مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم ينتشر سوى ستة من عناصر الشرطة أمام المسجد خلال خروج المصلين من صلاة الجمعة.
وقالت زارا محمد “من الصادم جدا أن نرى مدى التنسيق والتخطيط لكل هذا، ومدى سرعة تسبّب حملة تضليل وأخبار مزيفة” في أعمال عنف.
لكنها لفتت إلى أن ما يحدث “لا يأتي من عدم”. ورأت أن هناك “مشاعر معادية للمهاجرين ومعادية للإسلام تنتشر على نطاق واسع”، بما في ذلك في صفوف الطبقة السياسية، مستشهدة بخطاب وزيرة الداخلية المحافظة السابقة سويلا برافرمان التي تهجمت على المهاجرين، أو النائب عن حزب الإصلاح اليميني المتطرف البريطاني “ريفورم يو كاي” المناهض للهجرة لي أندرسون.
وقد أثار أندرسون الجدل قبل أشهر عندما اتهم عمدة لندن صادق خان بأنه “يخضع لسيطرة الإسلاميين”.
وأكدت إيمان عطا، مديرة جمعية “تيل ماما” التي ترصد الأعمال المعادية للإسلام في البلاد، أن “الأمر ليس جديدًا، لكن حجم الظاهرة يتزايد”.
وأشارت إلى اللغة المستخدمة من قبل بعض القادة السياسيين حول الهجرة واللاجئين. وقالت “كل ذلك يدفع المتطرفين… إلى أن يصبحوا أكثر جرأة والتعبير في العلن” عما يفكرون فيه.