فارسات في ملتقى التبوريدة بتارودانت المغربية

لم تكن فانتازيا “التبوريدة” في المغرب حكرا على الرجال بل هناك من النساء اللاتي يتقن فن ركوب الخيل وهن يقمن اليوم باستعراضات الفروسية كما في فعاليات الدورة السادسة من الملتقى السنوي للتبوريدة (الفروسية التقليدية)، بمدينة تارودانت.
تارودانت (المغرب) - انطلقت، مساء الخميس، بمدينة تارودانت، فعاليات الدورة السادسة للملتقى السنوي للتبوريدة (الفروسية التقليدية)، المقامة تحت شعار “التبوريدة من أجل إحياء التراث الروداني”، وتتواصل إلى غاية يوم 4 من الشهر الجاري.
وتميز حفل افتتاح الملتقى، الذي تنظمه جمعية “مهرجان التبوريدة وإحياء التراث الروداني”، باستعراض لسربات الخيالة، بالإضافة إلى سربة نسائية من منطقة الغرب.
وعرف هذا الاستعراض الفني، مشاركة 15 سربة من ثلاث جهات بالمملكة و165 فارسا، وفرق فنية فلكلورية محلية، منها فرقة عيساوة، فرقة كناوة، فرقة أحواش، وفرقة ميزان هوارة، صانعة احتفالية متميزة، وسط تفاعل كبير من طرف الجمهور الحاضر.
"التبوريدة " صارت بعد الاستقلال مصاحبة للمناسبات التقليدية والوطنية والدينية وعند نهاية أي موسم فلاحي وكذلك الأعراس بالبوادي
وقال رشيد ربيب، مدير الملتقى، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذه التظاهرة تسعى إلى النهوض بالتراث الثقافي والتاريخي لفن التبوريدة، عبر تشجيع المواهب الصاعدة ودعم الطاقات الشبابية على تربية الفرس وممارسة فن المذكور.
وأضاف، أن الملتقى يهدف إلى خلق فضاءات توفر فرصا مثلى لتحقيق التواصل والاندماج الاجتماعيين من خلال خلق أجواء احتفالية راقية تعكس ما تختزله الأبعاد الرمزية والثقافية المتجذرة للفرس في الهوية الثقافية الوطنية من جهة، ولفن التبوريدة كتراث تاريخي وأصيلي، من جهة أخرى، في إطار خلاق لخدمة التنمية الاجتماعية والإنسانية.
من جهته، أبرز أسامة محضار، ممثل سربة “حمادة بسا” من إقليم تارودانت، أن هذا الملتقى يعتبر متنفسا لسكان مدينة تارودانت، وكذا مناسبة للتعريف بفن التبوريدة الذي يشكل موروثا ثقافيا مغربيا مئة في المئة.
ويروم هذا الملتقى السنوي، إلى تنشيط الحركة السياحية بالمدينة، بجذب أكبر عدد من الزوار من داخل المملكة وخارجها للاستمتاع باللوحات المقدمة لفن التبوريدة والسهرات والأمسيات الفنية ومختلف الأنشطة الثقافية الموازية.
ويعرف برنامج هذه السنة، تنظيم عروض في فن التبوريدة، وأنشطة تربوية وترفيهية موجهة خصيصا للأطفال بغية تربية الناشئة وتحسسيهم بأهمية الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الذي ورثه الآباء عن الأجداد، لتختتم التظاهرة بحفل تكريم بعض الشخصيات وتوزيع الشهادات على الجمعيات المشاركة.
وتشكل فنون الفروسية التقليدية “التبوريدة”، التي تم إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، موروثا ثقافيا شعبيا وتراثا مغربيا عريقا يجسد علاقة التناغم بين الخيل والفرسان الممارسين، كما يشهد هذا التراث غير المادي إشعاعا وحضورا متميزين في كل المناسبات الاحتفالية بالمهرجانات والمواسم المنظمة بكافة أرجاء المملكة، حيث يشكل علامة مميزة بطقوسها الطافحة بالرموز والدلالات التراثية العميقة.
وتعود أصول ”التبوريدة ”، كونها شكلا من الأشكال العسكرية يمثل الهجمات المتتالية للفرسان ضد الاحتلال الفرنسي. وبعد الاستقلال صارت استعراضات ”التبوريدة ” مصاحبة للمناسبات التقليدية والوطنية و الدينية وعند نهاية أي موسم فلاحي وكذلك الأعراس بالبوادي. وقد استطاعت ”التبوريدة ” أن تخترق مجال الرياضة ضمن منافسات رياضية تحت إشراف الجامعة الملكية للفروسية لتخصها بمنافسات في جميع أرجاء المملكة.
لم تكن ”التبوريدة ” أو الفروسية التقليدية حكرا على الرجال، بل نافست المرأة الرجل في هذا المضمار لكن بشكل تطوعي محتشم ساعة الضرورة لأن ”التبوريدة” بالعرف التقليدي هي من مهام الرجال كالجهاد في الشريعة الإسلامية. إلا أن السيدات برزن مواهبهن في هذا الإطار واستطعن في العقود الأخيرة أن ينافسن الرجال في استعراضات ” التبوريدة ” فدانت لهن الميادين بشكل رحب واستطعن أن يطبعن بصمتهن البارزة في هذا المضمار.
هذا وتخضع ”التبوريدة ” لطقوس خاصة تبدأ بتسريج الفرس وإعدادها بأبهى حلة ثم تجهيز الفارس والفارسة لنفسهما بزي تقليدي خاص. ويكون هذا بعد النظافة والتعطر والصلاة ركعتين وطلب الدعاء والتزكية من شيخ الفرسان ويكون شيخا جليلا متدينا عارفا بأصول الفروسية هذا قبل أن يخرج الفارس للميدان وكأنه خارج للجهاد وطلب الشهادة.
وفي هذا الإطار تقول الفارسة بشرى باوطيني، وهي فارسة و”مقدمة” أي قائدة “سربة”: “قبل بدء العرض نتوضأ ونصلي ركعتين ونقرأ الفاتحة ويسلم بعضنا على بعض، وهذه من طقوس التبوريدة، كما يذكر عند الرجال بالماضي البعيد قبل أن يخوض الفرسان الحروب”.
وقد تأخذ أحدهم الجلالة والحماسة فينتصب واقفا فوق فرسه وهو يعدو بأقصى سرعة فيأخذ بالألباب وتشخص له الأبصار وهي تتابعه إلى أن يصل هدفه وترتفع فرقعات البارود ويملأ دخانها فضاء الميدان فتعلو تكبيرات الرجال وزغاريد النساء، في مشهد يذكر ببسالة المجاهدين ضد الاحتلال وبطولاتهم في ميادين الحرب وتسجيلهم للضربات الموجعة بحق العدو.