محمد شياع السوداني يواصل قيادة حكومة عراقية محصنة من التعديلات الوزارية

عجزُ رئيس الوزراء العراقي عن إجراء تعديل حكومي أعلن أكثر من مرّة عن رغبته في القيام به يرجع لكون الحكومة التي يريد تعديلها ليست حكومته في الأصل بل حكومة القوى التي شكّلتها ووضعته على رأسها، ولا ترى مبررا لتغييرها ما دامت مصالحها المادية والسياسية مكفولة من قبلها، بغض النظر عن أدائها والنتائج التي حققتها للبلد وسكانه.
بغداد - تلاشى الحديث في العراق عن تعديل حكومي كانت قد برزت في وقت سابق من الشهر الحالي إمكانية القيام به إثر تغييرات طفيفة أدخلت على الجهاز الإداري لبعض الوزارات ومؤسسات الدولة وشملت إعفاء مديرين عامين من مناصبهم ونقل آخرين إلى مهام أخرى.
وعلى مدى السنة ونصف المنقضية من عمر حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني التي تشكّلت أواخر أكتوبر 2022 طرحت أكثر من مرّة إمكانية إدخال تعديلات على تركيبتها وذلك إيفاء بما كان السوداني قد ألزم به نفسه لدى تسلمه المنصب التنفيذي الأهم في الدولة بشأن التقييم المستمر لأداء الوزراء ونتائج عملهم وإعفاء المقصرين منهم والفاشلين في تحقيق أهداف البرنامج الحكومي.
ويعني نظريا عدم إقالة أي وزير إلى حدّ الآن قيام جميع الوزارات بمهامها على أكمل وجه ونجاحها في بلوغ الأهداف المرسومة لها، وهو أمر لا يعكسه واقع الحال في البلد حيث لا تزال أبرز الملفات والقضايا التي حملت حكومة السوداني على عاتقها مسؤولية معالجتها وحسمها مطروحة، بل ازداد بعضها تعقيدا عما كان عليه قبل مجيء الحكومة الحالية.
ويتفاوت الأداء والنتائج المحققة بين وزارة وأخرى، إذ يقابل التحسّنَ الطفيفَ في الوضع الاقتصادي والتقدّمَ الملموسَ في تثبيت الأمن والاستقرار وبذل بعض الجهود في محاربة الفساد، بقاءُ الأوضاع الاجتماعية مع استمرار اتّساع دائرة الفقر وارتفاع معدّل البطالة جنبا إلى جنب التعثّر الحكومي الأوضح في تحسين الخدمات وتوفير الماء والكهرباء بشكل منتظم لكافة السكّان.
ويُظهر ذلك وجود أسباب غير مهنية وسياسية بالأساس وراء الحفاظ على ذات التشكيلة الوزارية التي انطلقت بها حكومة السوداني وعدول الأخير عن إجراء تغييرات كان ألمح في أكثر من مناسبة إلى نيته القيام بها على سبيل التعامل “مع الوزراء بشكل واضح وصريح على أساس تقييم عملهم مهنيا وإعفاء الوزير المقصّر”، بحسب ما ورد على لسانه في وقت سابق.
ويمنح الدستور العراقي رئيس الوزراء الحق في إجراء تعديلات حكومية على كابينته مع تقييد ذلك بموافقة البرلمان عليها بأغلبية النصف زائدا واحدا.
لكن ما يقيّد يد السوداني بالفعل ويجبره على مواصلة العمل بذات الطاقم الوزاري بغض النظر عن أدائه هو ارتهان حكومته بشكل كامل للأحزاب والفصائل التي اشتركت في تشكيلها عبر تحالفها في إطار ائتلاف إدارة الدولة الذي يضمّ قوى عربية سنية وكردية جنبا إلى جنب القوى المشكّلة للإطار التنسيقي الشيعي صاحب السطوة الكبيرة على الحكومة وقراراتها.
وأكّد العضو القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي حسن فدعم وجود رغبة لدى رئيس الوزراء في إدخال تغييرات على تركيبة حكومته “لكن الوضع السياسي العام وحرصه على إدامة حالة الاستقرار والوفاق من جهة وعدم حسم ملف رئاسة البرلمان حالت دون إجراء هذا التغيير”.
وذكر فدعم في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنّ “الإطار التنسيقي يدعم السوداني في أي مقترح أو خطوة من شأنها تعضيد الدور الخدمي الذي تقدمه الحكومة وبدعم رئيس الوزراء في توفير الخدمات ومحاربة الفساد وتثبيت الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، لكن بعض الظروف السياسية منعت بعض خطواته”.
كذلك سبق للجنة التخطيط الإستراتيجي النيابية أن كشفت عن قرب إجراء تعديل وزاري بدافع وجود تفاوت في أداء الوزراء حيث توجد “وزارات أدت واجبها بشكل جيد طيلة الفترة الماضية وكانت لها إجراءات واضحة، وفي نفس الوقت هناك وزارات لم تكمل برامجها ولم تقدم كامل طاقتها وإمكانياتها، وبالتالي هناك وزارات تحتاج إلى إعادة نظر”، بحسب ما صرّح بذلك في وقت سابق محمد البلداوي رئيس اللجنة.
وتتشكل الحكومة العراقية الحالية من ثلاث وعشرين وزارة موزعة على القوى الأكثر نفوذا في البلاد وفقا لمعيار المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية والتي تمثّل أساسا للنظام الذي قام في البلد إثر الغزو الأميركي له قبل حوالي ربع قرن.
وتعتبر المواقع الوزارية والإدارية التي تشكّل الجهاز الحكومي حصصا لتلك القوى التي كانت قد بذلت جهودا كبيرة لمنع ذهاب منصب رئيس الوزراء إلى التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي حقق نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية الماضية، وإسناد المنصب للسوداني العضو في العائلة السياسية الشيعية في العراق.
ولا يمثّل حصول الأحزاب والفصائل المسلحّة على مناصب وزارية في الحكومات العراقية مجرّد منجز اعتباري وتأكيدا للحضور السياسي في البلد والمساهمة في تجربة الحكم، لكنّه يعتبر بقدر أكبر وسيلة للوصول إلى المقدرات المادية للدولة وتحصيل جزء من الثروة الوطنية.
وكثيرا ما تمكّنت الأحزاب من خلال تموقعها في الوزارات من السيطرة على قطاعات بحالها والهيمنة على مشاريعها وأعمالها وتحصيل ثروات طائلة من وراء ذلك. ومن البديهي أن ترفض قوى إدارة الدولة والإطار التنسيقي المساس بحصصها في الحكومة مهما كان مستوى أداء الوزراء التابعين لها.
خيار الاكتفاء بتغييرات إدارية وتجنّب التعديلات الوزارية ومواصلة العمل بذات الطاقم الوزاري على علاّته هو الأنسب للسوداني للوصول بسلام إلى نهاية ولايته والسعي للفوز بولاية ثانية
وليس من الوارد على الإطلاق إقالة وزير تابع لحزب أو فصيل ما وتغييره بآخر مستقل أو منتم إلى جهة أخرى، إذ يعني التعديل آليا تعيين خلف للوزير المقال بآخر من ذات حزبه أو فصيله. ورغم ذلك ترفض الأحزاب والفصائل المسلّحة الممسكة ببعض الوزارات أن يشمل التعديل “وزاراتها” كي لا تتلبس بها وصمة الفشل أو الفساد.
ولهذا السبب، تقول مصادر سياسية عراقية، ووجه السوداني في كلّ مرّة طرح فيها على الإطار التنسيقي مقترح القيام بتعديل حكومي إما بالرفض أو باقتراح مضاد بتغيير جميع الوزراء دون استثناء.
ولا يمكن للسوداني أن يقوم بمثل ذلك التغيير الشامل لكابينته الوزارية كونه سيشكل مقامرة غير محسوبة العواقب باستقرارها، وفرصة لخصومه من داخل عائلته السياسية الشيعية الموسّعة والمتربصين به أملا في إزاحته من المنصب قبل نهاية ولايته.
ويتزعّم فكرة إقالة حكومة السوداني قبل استكمال مدتها القانونية رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي المطالب بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة منصوص عليها في منهاجها الذي تشكّلت في ضوئه، بحسب المالكي المطالب أيضا باستقالة الحكومة قبل تلك الانتخابات كون أعضائها لا يمكنهم الجمع بين الترشّح إليها وممارسة مهامهم التنفيذية.
ومن هذا المنطلق يصبح خيار الاكتفاء بتغييرات إدارية وتجنّب التعديلات الوزارية ومواصلة العمل بذات الطاقم الوزاري على علاّته هو الأنسب للسوداني للوصول بسلام إلى نهاية ولايته والسعي للفوز بولاية ثانية.
لكنّه خيار لا يخلو من محاذير إذ إن استرضاء الأحزاب والفصائل لا يعني الفوز برضا الشارع الذي كثيرا ما أظهر استعدادا للانتفاض في وجه الفساد وتردي الخدمات.
وخلال تظاهرات شهدتها بعض المناطق العراقية مؤخّرا احتجاجا على الفقر والبطالة ورداءة خدمتي التزويد بالماء والكهرباء، كان هجوم المتظاهرين مباشرا على وزراء ومسؤولين معينين من خلال رفع شعارات ناقدة لأدائهم ومطالبة بإزاحتهم، وهو ما لا يقدر عليه رئيس الحكومة الذي يجد نفسه مجبرا على دفع فاتورة فساد وفشل هؤلاء الوزراء من رصيد شعبيته.