مشاريع الطاقة الطموحة في المتوسط قد تبرّد التوترات الإقليمية

بيروت - أبرزت الحرب بين إسرائيل وحماس التحديات الناشئة والفرص الجديدة للتعاون في مجال الطاقة عبر شرق البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من أن استمرار الحرب ألقى بظلاله الرمادية على تطوير المشاريع المتعلقة بالطاقة والمياه بين إسرائيل وجيرانها العرب، إلا أنها مع ذلك أبرزت الترابط الإقليمي من حيث المصالح المشتركة.
ولم تؤثر الحرب على إمدادات إسرائيل المحلية من الغاز الطبيعي ولا على سمعتها الدولية كمورد موثوق. فقد استمر إنتاج حقلي الغاز الإسرائيليين ليفياثان وكاريش دون عوائق طوال الحرب.
ومع ذلك، توقفت العمليات لمدة خمسة أسابيع في حقل تامار الإسرائيلي، الذي يلبّي عادة حوالي 70 في المئة من احتياجات إسرائيل من الطاقة، كإجراء احترازي بسبب قرب المنصة من غزة. وقد أدى هذا إلى انقطاع الإمدادات إلى مصر، وإن لم يكن إلى السوق المحلية الإسرائيلية والأردن.
ومن بين الجهات الفاعلة التي ساعدت إسرائيل في الحفاظ على مكانتها كمورد موثوق للطاقة شركة إنيرجيان للنفط والغاز اليونانية متوسطة الحجم، التي تدير حقل كاريش قبالة سواحل إسرائيل.
وعلى وجه التحديد، وفرت شركة إنيرجيان للنفط والغاز ما يصل إلى 60 في المئة من إجمالي الطلب الإسرائيلي على الغاز في بعض الأوقات خلال فترة الإغلاق، بعد أن وصلت إلى أقصى طاقتها.
ولم يبدأ إنتاج الغاز من حقل كاريش إلا في أكتوبر 2022 بعد أن توسطت الولايات المتحدة في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، الأمر الذي ترك كاريش على الجانب الإسرائيلي من الخط.
من شأن المبادرات الإقليمية، مثل مشروع الرخاء الأزرق والرخاء الأخضر أن تعود بفائدة كبيرة على الأردن وإسرائيل
وتقول أنطونيا ديمو، وهي رئيسة وحدة الشرق الأوسط في معهد تحليلات الأمن والدفاع اليوناني في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي إن الوضع في إسرائيل سوف يكون مختلفاً في حال اندلاع حرب مع حزب الله في لبنان، إذ سوف يتعين إغلاق حقلي الغاز ليفياثان وكاريش، وسوف يتأثر العرض المحلي بشدة.
وتضيف ديمو أنه نظراً إلى هذا الضعف، يبدو أن إسرائيل مستعدة للاستثمار في تخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض سواء للاستهلاك المحلي أو للتصدير.
وفي أعقاب الحرب، تستعد إسرائيل أيضاً لتوسيع الإنتاج في حقلي الغاز تمار وليفياثان، لكن بشكل عام، لا تزال الشركات متعددة الجنسيات المشاركة تنظر إلى إسرائيل باعتبارها مورداً موثوقاً به على الرغم من استعانتها بالقوة القاهرة أثناء الحرب الحالية.
وأدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى تفاقم التحديات في مجالي الاقتصاد والطاقة التي تواجهها مصر. فقد تسبب الإغلاق المؤقت لمنشأة الغاز تمار في انقطاع التدفقات إلى مصر، الأمر الذي أدى إلى تعميق نقص الطاقة في القاهرة وإطالة انقطاع التيار الكهربائي.
وفي أعقاب استئناف تشغيل حقل تمار، وسع الكونسورتيوم الذي يدير عقد إيجار تمار إنتاجه إلى مصر بنسبة 30 في المئة، الأمر الذي ساعد القاهرة على تخفيف النقص المحلي وزيادة حجم الغاز المتاح للتصدير إلى أوروبا.
وأدى التوقف المؤقت للغاز الإسرائيلي إلى إعاقة التنمية الصناعية والإنتاج في مصر، مما سلط الضوء على ضعف الأخيرة ودفع القاهرة إلى التفكير في تنويع خيارات التوريد.
وأثّرت التداعيات المتعددة للحرب بين إسرائيل وحماس وأزمة البحر الأحمر على الأمن الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط بعد أن دفعت الاتحاد الأوروبي إلى توقيع حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو لرفع علاقته بمصر إلى شراكة إستراتيجية.
مشروع الرخاء الأزرق والرخاء الأخضر الذي تموله دولة الإمارات يسلط الضوء على فوائد السلام الإقليمي
وسيتم توجيه الأموال الأوروبية في المقام الأول إلى التجارة والاستثمار في الطاقة منخفضة الكربون وزيادة صادرات الطاقة إلى أوروبا وإدارة الهجرة والثقافة وتمكين الشباب.
وتكافح مصر في واقع الأمر مع تأثير الحرب في غزة وضربات البحر الأحمر على قناة السويس.
وعلى وجه الخصوص، من المتوقع أن يؤدي خفض رسوم العبور في قناة السويس، وانخفاض عائدات السياحة بنسبة 30 في المئة وفقًا لتصنيفات ستاندرد آند بورز العالمية، وخفض إعادة تصدير الغاز بنسبة 50 في المئة في الربع الرابع من عام 2023 مقارنة بنفس الفترة في عام 2022، إلى انكماش احتياطيات مصر من النقد الأجنبي وناتجها المحلي الإجمالي.
وعلى الرغم من التحديات المستمرة، تبدو مصر على استعداد للظهور كمركز للطاقة في المنطقة، وانتزاع اللقب من بين مجموعة مزدحمة من المتنافسين.
ولمصر كل المكونات اللازمة لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، وهي سوق غاز محررة، وهيئات تنظيمية مستقلة، ومشغل مستقل لنظام النقل، ومشغل مركز راسخ. كما تقف مصر بقوة وراء مشروع تطوير حقل غاز غزة البحري، وهو مبادرة مربحة للجانبين طال انتظارها، ومن المقرر أن تحظى بالأولوية بمجرد انتهاء الحرب بسبب فوائدها الاقتصادية والدبلوماسية الواعدة لفلسطين ومصر وإسرائيل.
وفي السنوات القادمة، تخطط مصر أيضًا لقيادة المنطقة في مجال الطاقة المتجددة. ووفقًا لرؤية 2030، أطلقت مصر والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مبادرة ثروة الطاقة في مصر.
وبمنحة قدرها 35 مليون يورو من المفوضية الأوروبية، ستحل مصر محل 5000 ميغاواط من قدرة توليد الطاقة التي تعمل بالغاز بـ10000 ميغاواط من الطاقة المتجددة.
وفي نهاية المطاف، سيتم ربط مزارع الرياح والطاقة الشمسية في مصر بأوروبا من خلال موصّل (اليونان ومصر) تحت البحر، وهو “مشروع ذو مصلحة مشتركة” بقيمة 3.5 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي.
الحرب لم تؤثر على إمدادات إسرائيل المحلية من الغاز الطبيعي ولا على سمعتها الدولية كمورد موثوق
وعلاوة على ذلك، من المقرر أيضًا أن تصل الصادرات المصرية من الهيدروجين الأخضر، على شكل أمونيوم، إلى موانئ أوروبا، وفقًا لمذكرة التفاهم بين مصر والاتحاد الأوروبي الموقعة على هامش مؤتمر المناخ كوب – 27.
من جانبها، استفادت الأردن من عقدها لشراء الغاز الطبيعي من إسرائيل حيث عزلت الأردن عن ارتفاع الأسعار العالمية بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
ويوفر الأردن 1.2 مليار دولار سنويًا مقارنة بما لو تم أخذ الغاز من السوق الدولية. وقد أثبتت إسرائيل موثوقيتها كمورد من خلال ضخ الغاز إلى الأردن حتى أثناء الحرب في غزة، على الرغم من وجود الكثير من الاحتجاج ضد الصفقة بالنظر إلى الحرب.
ومع ذلك، فإن تكلفة البدائل، مثل استخراج الغاز الصخري الأردني تجعل التنويع بعيدًا عن الإمدادات الإسرائيلية غير ممكن.
ومن شأن المبادرات الإقليمية، مثل مشروع الرخاء الأزرق والرخاء الأخضر الذي يتوقع بناء محطة لتحلية المياه على البحر الأحمر في مقابل إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة في الأردن بتمويل من الإمارات العربية المتحدة، أن تعود بفائدة كبيرة على الأردن وإسرائيل، ولكن تم تأجيلها بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس.
وعلى وجه التحديد، يتوقع مشروع الرخاء الأزرق والرخاء الأخضر توريد 600 ميغاواط من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل من محطة تمولها الإمارات العربية المتحدة في الأردن في مقابل 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من إسرائيل.
ومن المتوقع أن يستغرق مشروع تحلية المياه ثماني سنوات حتى يكتمل وفقًا للتوقعات الهندسية.
وقد يسلط مشروع الرخاء الأزرق والرخاء الأخضر الضوء على فوائد السلام الإقليمي، ولكن إبرام اتفاقية هذا المشروع معلق حتى تنتهي الحرب ويهدأ السخط العام الأردني تجاه إسرائيل.
وبحلول عام 2030، تأمل الأردن في الحصول على ما بين 40 و50 في المئة من كهربائها من مصادر الطاقة المتجددة. ومن المتوقع أن تعمل المملكة على تطوير شبكتها الكهربائية الوطنية بدعم من البنك الدولي والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، بهدف زيادة الربط بين شبكتها والدول المجاورة مثل مصر والعراق وسوريا والمملكة العربية السعودية.
وبشكل عام، يعد التعاون الإقليمي أمرًا بالغ الأهمية لتسخير موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، لكن الصراعات الإقليمية تظل عقبات أمام مشاريع الطاقة التعاونية. وبالتالي، ينبغي إعطاء الأولوية للحوار والدبلوماسية للمساعدة في تخفيف التوترات، وصياغة إستراتيجية شاملة للطاقة في جميع أنحاء المنطقة. لأنه كما أبرز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بحدة على الدبلوماسية العالمية قبل بضع سنوات “يمكننا التأكد من أن المستقبل هو للحوار وليس الحرب، والتعاون وليس الخلاف، والازدهار المشترك وليس الأزمات”.
اقرأ أيضاً: