هجوم مسقط إشارة من داعش بأن التنظيم لا يزال قادرا على توجيه ضربات مؤذية

التنظيم يعيد تشكيل نفسه ليثبت أنه منظمة خطيرة عابرة للحدود الوطنية.
الاثنين 2024/07/22
القدرة على تجنيد مسلحين محليين تزيد المخاوف والأعباء

مسقط - تعتبر سلطنة عمان منذ فترة طويلة واحدة من أكثر الدول أمانا في الشرق الأوسط ونجت من عنف المتشددين الذي ضرب أماكن أخرى. لكن هجوما على مسجد شيعي في العاصمة الأسبوع الماضي أسفر عن مقتل خمسة مصلين، وهز تلك الصورة وسلط الضوء على إستراتيجية تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف المتمثلة في الضرب على نطاق واسع بعد سنوات من هزيمته في العراق وسوريا.

وأفادت الشرطة العمانية بأن المسلحين الثلاثة في الهجوم (الذين قتلوا في تبادل لإطلاق النار في وقت لاحق) كانوا مواطنين عمانيين إخوة. وكانت هذه علامة على أن تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تبنى الهجوم، يعمل على التجنيد في السلطنة التي نادرا ما انضم مواطنوها إلى الجماعات الجهادية الدولية.

وجاء في تقرير لأسوشيتد برس أن هجوم ليلة الاثنين الماضي كان أحدث مثال على إحداث داعش فوضى مفاجئة في بلد لا تتمتع فيه بوجود كبير. وسبق أن تبنى التنظيم التفجيرات الانتحارية التي أودت بحياة 84 شخصا في إيران ذات الأغلبية الشيعية في يناير 2024. وهاجم مسلحون في روسيا خلال مارس الماضي قاعة للحفلات الموسيقية في ضاحية موسكو، مما أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصا.

وقال فواز جرجس، الخبير في الجماعات الجهادية الذي تتبع كتابه الصادر خلال 2016 بعنوان "داعش: تاريخ" صعود الجماعة، إن "تنظيم الدولة الإسلامية أتقن فن تكتيكات الصدمة". وأكد أن مثل هذه الهجمات “تهدف إلى إظهار قدرتها على الصمود وأنها لا تزال موجودة” بعد أن حطّم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قبضة دولة الخلافة في العراق وسوريا.

وتبقى عمان وروسيا وإيران خارج المناطق التي توجد فيها فروع داعش الرئيسية وحيث يواصل مقاتلوه شن حركات تمرد منخفضة المستوى ولكنها مميتة (منطقة الساحل في أفريقيا وأفغانستان واليمن ومركزها في العراق وسوريا). وذكرت القيادة المركزية الأميركية الأربعاء الماضي أن مقاتلي داعش المختبئين في المناطق الحدودية الصحراوية في العراق وسوريا يحاولون “إعادة تشكيل” صفوفهم بهجمات مكثفة. وأضافت أن عدد الهجمات التي بلغت هذا العام 153 هجوما حتى الآن يقارب ضعف العدد المسجل خلال السنة المنقضية.

فواز جرجس: تنظيم الدولة الإسلامية أتقن فن تكتيكات الصدمة
فواز جرجس: تنظيم الدولة الإسلامية أتقن فن تكتيكات الصدمة

وقال مايلز كاغينز، وهو عقيد متقاعد في الجيش شغل منصب المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي قاتل داعش في العراق وسوريا، إنه “يجب على داعش مواصلة هذه الأنواع من الهجمات ليظهر لأتباعه أنه يعمل على رؤيته المروعة المتمثلة في إقامة خلافة طويلة الأمد”. وخرج تنظيم الدولة الإسلامية إلى المسرح العالمي قبل 10 سنوات حين استولى مقاتلوه على مساحة كبيرة من العراق وسوريا وأعلنوا "الخلافة".

وحكموا في أوج سطوتهم منطقة تبلغ نصف مساحة المملكة المتحدة، وفرضوا نسخة متطرفة من الشريعة الإسلامية، وعقوبات قاسية على المسلمين الذين يعتبرون مرتدين. وقتلوا الآلاف من أفراد الأقلية الدينية الإيزيدية واستعبدوا الآلاف من النساء والأطفال المنتمين إلى الفئات المستهدفة. وحارب التحالف الأميركي داعش لسنوات، وهزمه أخيرا في العراق خلال 2017 وفي سوريا سنة 2019.

وقال جرجس إن الجماعة تعيد تشكيل نفسها على أنها منظمة خطيرة عابرة للحدود الوطنية. وأكد كونها مجزأة، مع بعض القيادة المركزية لفروعها المختلفة. لكن هذه الفروع تعمل على التوسع. وطالما كان الشيعة هدفا لتنظيم الدولة الإسلامية الذي يعتبرهم زنادقة، لكن عمان، الواقعة على الحافة الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، كانت هدفا مفاجئا.

وتحافظ السلطنة على حياد صارم، وغالبا ما توسطت بين المملكة العربية السعودية، وهي قوة سنية، ومنافستها الإقليمية إيران ذات الأغلبية الشيعية. ويعدّ جل سكان العمانيين من المسلمين الإباضيين. ويمثل السلام والاستقرار أولوية قصوى للحكومة العمانية. ولم تتعمق وسائل الإعلام الحكومية الخاضعة لرقابة مشددة في هجوم ليلة الاثنين الماضي ولم تقدم أيّ تفاصيل عن التحقيق.

واقتحم مسلحون مسجد الإمام علي في العاصمة مسقط. وكان مكتظا بالمصلين الذين أقاموا صلوات خاصة عشية عاشوراء الذي يصادف ذكرى استشهاد سبط النبي محمد، الحسين، في القرن السابع في كربلاء الموجودة في العراق. وكان العديد من الموجودين في المسجد من الباكستانيين الذين يشكلون عددا كبيرا من حوالي 2 مليون مهاجر يساعدون في دفع الاقتصاد العماني ويعملون في البناء وغيره من المجالات.

وقال مصلّ باكستاني في المسجد لصحيفة "تايمز أوف عمان"، وهي صحيفة يومية تصدر باللغة الإنجليزية، إن الهجوم وإطلاق النار اللاحق مع الشرطة العمانية استمرا ساعة ونصف الساعة. واتصل بعض الباكستانيين في الداخل خلال الهجوم بالسفير الباكستاني في مسقط، وقدموا معلومات ساعدت الشرطة في هجومها المضاد. وكان هذا أمرا أكده السفير عمران علي في منشور على منصة التواصل الاجتماعي إكس.

◙ مثل هذه الهجمات رسالة لإظهار قدرة داعش على الصمود وأنه لا يزال موجودا بعد أن حطّم التحالف الذي قادته الولايات المتحدة قبضة دولة الخلافة في العراق وسوريا

وقُتل أربعة باكستانيين وهندي إلى جانب المهاجمين الثلاثة، وفقا لحكوماتهم والشرطة العمانية التي أكدت إصابة 28 شخصا على الأقل. وقال جرجس إن هجمات عمان وموسكو وإيران تعدّ دلالات على أن فروع الدولة الإسلامية تبحث عن “أهداف فرصة” حيث يمكنها تجنيد عدد صغير من الأشخاص. وأضاف أن إطلاق النار في عمان ربما كان من تخطيط فرع تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن المجاورة.

واعتبر أن تنظيم الدولة الإسلامية أصبح “عابرا للحدود الوطنية حقا. ويتمتع بالقدرة على تجنيد مسلحين محليين، سواء من أفغانستان أو باكستان أو اليمن أو الاتحاد السوفياتي السابق أو الساحل”. وأكد أنه ليس منظمة ضخمة تضم مجندين جماعيين، لكن رسالتها حول الكراهية “الطائفية المفرطة والإبادة الجماعية” للشيعة تعد جاذبة لعدد قليل من المتطرفين الذين يكون لهجماتهم “تأثير مضاعف” يتردد صداها بما يتجاوز حجم المجموعة الحالي.

وفي الأثناء، تعمل الجماعات الرئيسية التابعة للتنظيم على البقاء باستغلال جيوب من عدم الاستقرار. وقال جرجس إن فرعها في أفغانستان يبدو الأقوى ويستغل ضعف سيطرة طالبان لتنفيذ هجمات على قواتها الأمنية في المناطق القريبة من الحدود الباكستانية.

ونجحت فروع العراق وسوريا في زيادة هجماتها المستمرة، وخاصة ضد قوات الأمن السورية وبدرجة أقل ضد القوات الكردية والعراقية والسورية الأفضل تنظيما والمدعومة من الولايات المتحدة. لكن كاغينز قال إن الحملة الدولية ضد داعش أعاقت قدراته عسكريا، ومن خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد موارده المالية وقدرته على نشر الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكد صعوبة نقل الفروع للمقاتلين والأموال بين الدول، لكن الهجمات الأخيرة تظهر أنها لا تزال تمتلك بعض القدرات. ويرى أن المجموعة من المرجح أن تبقى "عاجزة عن الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها".

7