عاشوراء في المغرب.. الفرح للكبار والصغار

يحتفل المسلمون بأطيافهم المختلفة بيوم عاشوراء في العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري، لكن المناسبة تحمل طابعا خاصا وطقوسا مختلفة يتم فيها تقاسم لحظات الفرح بين الصغار والكبار وتبادل الهدايا والتشبث بالتقاليد المغربية الأصيلة.
الجديدة (المغرب) - على غرار مختلف مدن المملكة المغربية، لطالما حظيت “عاشوراء” بمكانة خاصة لدى سكان منطقة دكالة التي تحرص منذ القدم على الاحتفاء بهذه المناسبة الدينية، التي تصادف العاشر من شهر محرم. الأمر يتعلق بحدث استثنائي ومناسبة سنوية لتقاسم لحظات الفرح بين الصغار والكبار وتبادل الهدايا والتشبث بالتقاليد المغربية الأصيلة.
وهكذا، اعتاد الدكاليون، سيرا على نهج الأجداد، على الاحتفال بهذه المناسبة من خلال الصيام وصلة الرحم وإخراج زكاة المال، لكن مع مرور السنوات ظهرت بعض المظاهر الاحتفالية الأخرى مثل التراشق بالماء واستعمال المفرقعات وإشعال النار، التي أصبحت تتجاوز سنة بعد أخرى أبعادها الاحتفالية لتشكل إزعاجا وحتى خطرا على السكان في الكثير من الأحيان.
في هذا الصدد، أكد إحساين المامون، أستاذ باحث في الفلسفة وعلم الاجتماع، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “عاشوراء” تعد طقسا احتفاليا متوارثا من السلف إلى الخلف، حيث يلتقي فيها ما هو ديني واحتفالي واجتماعي وتجاري”، مبرزا أن هذه المناسبة تتميز بعادات شعبية مثيرة للاهتمام، من بينها التراشق بالماء وإشعال النار مع ترديد الأهازيج الاحتفالية من طرف الأطفال والنساء. وأضاف المامون أن “مهرجان عاشوراء” بدكالة يتضمن طقوسا مائية ونارية هي بالأساس طقوس وقائية وتطهيرية، مشيرا إلى أن “المغاربة لا يهتمون بالخلفيات الوثنية واليهودية أو الشيعية التي تتخلل هذه الاحتفالات.. فالأهازيج التي تتردد في يوم عاشوراء يمتزج فيها ما هو أسطوري بما هو ديني وثقافي، وهي تعبر عن متخيل جماعي شعبي حاضر بقوة في ثقافتنا الشعبية المغربية”.
وعلى غرار العديد من المناطق بالمغرب، تنطلق الاحتفالات بـ”عاشوراء” بداية من ليلة اليوم الأول من شهر محرم، رأس السنة الهجرية الذي يحتفل به العديد من سكان دكالة بتحضير الكسكس بلحم الغنم وهو ما يطلق عليه الدكاليون “ليلة الطابك”، حيث تجتمع الأسر حول موائد الطعام من أجل صلة الرحم وتجديد أواصر المحبة والتلاحم.
وقالت جيمة الغوزالي طاي طاي، الخبيرة الدولية في التراث الثقافي اللامادي، إن عادات وتقاليد عاشوراء لها طابع متميز بين المغاربة، إذ تعمّها البهجة والسرور وفيها يتبادلون التهاني بعبارة “عواشر مبروكة”. وفي حديثها لوكالة أنباء العالم العربي، أوضحت أن المغاربة مع تنوع انتماءاتهم من أمازيغ وعرب ومسلمين ويهود وأفارقة وأندلسيين يحتفلون بهذه المناسبة، لما لهذه الذكرى من ارتباط وثيق بالدين.
فبحسب رواة الأحاديث، حين قدِم النبي محمد إلى يثرب (المدينة المنورة)، ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فرحا بنجاة نبيّهم موسى من بطش فرعون وجنوده قال “نحن أحق بموسى منهم”، فصامه هو والصحابة.
ويتخذ الاحتفال بـ”عاشوراء” عدة أوجه أخرى، تتميز بخروج الأطفال الصغار، طيلة عشرة أيام، إلى الشوارع والأزقة لجمع النقود من المارة حاملين أدوات موسيقية (طعريجة والبندير)، مرددين عبارة “أعطينا حق بابا عيشور”.
ويتميز الاحتفال بـ”عاشوراء” أيضا بطقس الرش بالماء وهو ما يسمّى بـ”زمزم” أو “حليللو”، حيث يخرج الأطفال والشباب والنساء في جماعات محملين بأكواب وأكياس بلاستيكية مملوءة بالماء، حيث يرشقون بعضهم البعض.
بهذا الخصوص، يوضح إحساين المامون أن “الماء ارتبط في كل الثقافات والحضارات العربية برمزية التطهير من الذنوب، ولم تكن رمزية الماء ترتبط بهذه الدلالة في الثقافة الإسلامية وحدها فحسب، بل لها الدلالة نفسها في الثقافات الإنسانية الأخرى”.
وتقول نجيمة طاي طاي إن الرش بالماء مستمد في مخيّلة المغاربة من ماء زمزم، فهُم يظنون أن ماء بئر زمزم النابع في مكة المكرمة يختلط بمياه الصنابير في بيوتهم في هذا اليوم، فيملؤون الدلاء ويتوضؤون بالماء فجرا ويرشون به أركان البيت والأبناء متمنين الخير والبركة.
وهناك أيضا عادة أخرى في ذلك اليوم وهي الاحتفال بالنار أو كما يسميها المغاربة “الشعالة”، ويعتبرونها نوعا من الطهارة والتخلص من العين والحسد. وعن هذا تقول نجيمة خبيرة التراث الثقافي إن النار كانت دائما مرتبطة عند العرب بالكرم والخير والعطاء، إذ كان العرب الرُحَّل يعبّرون عن كرمهم للضيف بإيقاد النار أمام خيامهم.
ويبقى الاحتفال بطقوس عاشوراء في المغرب يتميز بتداخل ممارسات وطقوس بعضها مستوحى من الثقافة الدينية وبعضها من الذاكرة الشعبية الموروثة عن الأسلاف التي تترجم التنوع بمختلف أنحاء المملكة.