هل يتبنى ترامب سياسات سلطوية إذا أصبح رئيسا

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يسعى إلى النأي بنفسه عن مجموعة أفكار أعدتها وجوه بارزة من المحافظين لتكون مدونة حكم بين يديه في حال فاز في الانتخابات. البعض يقول إن موقف ترامب مجرد مناورة تهدف إلى توسيع دائرة ناخبيه، وأن المدونة معدة بالتنسيق معه.
واشنطن- أصبحت مجموعة من المقترحات السياسية المحافظة المعروفة باسم “مشروع 2025” محور انتقادات معارضي المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب في وقت يسعون فيه إلى تسليط الضوء على ما يقولون إنها مخاطر عودته إلى البيت الأبيض.
وحاول ترامب في الآونة الأخيرة أن ينأى بنفسه عن “مشروع 2025”، على الرغم من أن كثيرين من أقرب مستشاريه السياسيين ضالعون فيه بشدة.
وتقول حملة الرئيس الديمقراطي جو بايدن إن المشروع دليل على أن ترامب سيتبنى سلسلة من السياسات السلطوية واليمينية المتشددة إذا أصبح رئيسا.
ويعزو البعض نفي ترامب لأن تكون له صلة بالمشروع إلى أنه يريد استقطاب المترددين من أنصار الحزب الديمقراطي الذين يرفضون التجديد لخصمه بايدن بسبب تقدمه في العمر ووضعه الصحي غير الملائم.
ومنذ أدائه الكارثي قبل أسبوعين خلال مناظرة ضد ترامب، يتم التشكيك في صوابية ترشيح الرئيس الديمقراطي لولاية ثانية، وهذا التشكيك يتم حتى من الديمقراطيين أنفسهم.
ورفض بايدن بشدة التكهنات بأنه قد ينسحب من سباق الرئاسة وقال في تجمع حاشد الجمعة في ولاية ميشيغان إنه سيهزم “تهديد الأمة” في إشارة إلى ترامب.
وعلى وقع هتافات “لا تنسحب”، قال بايدن “كان هناك كثير من التكهنات في الآونة الأخيرة. ماذا سيفعل جو بايدن؟ هل سيبقى في السباق؟ هل سينسحب؟ إليكم إجابتي: أنا مرشح وسوف نفوز. لن أغير ذلك”.
وندد بايدن بـ”مشروع 2025”، وهو برنامج واسع للحكم يحمل بصمة اليمين المتطرف، ويسعى الرئيس السابق ترامب إلى النأي بنفسه عنه، رغم أن حلفاء مقربين منه هم من صاغوه. وقال بايدن “الأميركيون يريدون رئيسًا وليس دكتاتورًا”، في إشارة منه إلى تصريح ترامب بأنه سيكون دكتاتورًا “ليوم واحد”.
وبات الرئيس السابق، المعروف بتصرّفاته غير المتوقعة والمثيرة للجدل، يعتمد نوعاً من الرقابة الذاتية في محاولة لتوسيع دائرة ناخبيه لتشمل من هم أكثر اعتدالاً، في سياق إستراتيجية متكاملة تمهيداً لانتخابات نوفمبر المقبل.
ومن هذا المنطلق، ارتأى الملياردير البالغ من العمر 78 عاماً تخفيف حدّة خطابه بشأن قضايا رئيسية مثل الهجرة والإجهاض، في تكتيك يقول محلّلون إنّه مدعوم بثقته في ولاء قاعدته المحافظة، وبإدراكه أنّ النهج المتشدّد لا يحظى بدعم أغلبية الرأي العام خصوصاً في ما يتعلق بالإجهاض.
وندّد ترامب الذي سيصبح رسمياً مرشحاً للحزب الجمهوري في مؤتمر الحزب الأسبوع المقبل، بوثيقة “مشروع 2025” التي تعرّضت لانتقادات حادّة بسبب ما حملته من دعوات إلى الترحيل الجماعي للمهاجرين وإضعاف المؤسسات الفيدرالية.
ورغم أنّ ترامب نفسه دافع عن مثل هذه الأفكار، إلّا أنّ ذلك لم يمنعه من انتقاد المقترحات الواردة في الوثيقة، واصفاً إياها بأنها “سخيفة تماماً وفظيعة”، من دون أن يحدّد أيّاً منها يقصد.
و”مشروع 2025” في جوهره مجموعة من المقترحات السياسية التفصيلية التي وضعها مئات من المحافظين البارزين ويأمل المشاركون في المشروع أن يتبناها ترامب إذا اُنتخب رئيسا. وهذه المقترحات يضمها كتاب يتألف من نحو 900 صفحة.
ويجمع المشاركون في المشروع أيضا قوائم بآلاف المحافظين الذين يمكن وضعهم في مناصب سياسية بالتعيين في الحكومة في الأيام الأولى لإدارة ترامب. وخلف الستار، يعمل المنتسبون للمشروع على صياغة أوامر تنفيذية ولوائح تنظيمية يمكن استخدامها للتنفيذ السريع للسياسات التي يدعو إليها المشروع بمجرد تولي ترامب المنصب.
ويشرف على المشروع، وهو ثمرة تعاون عشرات المنظمات المحافظة، مركز هيرتيج فاونديشن البحثي اليميني. وهذه المجموعة مستقلة عن حملة ترامب، وهي حقيقة أكد عليها “مشروع 2025” وترامب نفسه.
وقال ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي في أوائل يوليو “لا أعرف شيئا عن مشروع 2025”.
لكن هذه ليست القصة كلها. فالواقع أن كثيرين من أقرب مستشاري ترامب السياسيين الذين من المرجح أن يشغلوا مناصب رفيعة في إدارته ضالعون بشدة في المشروع.
وعلى سبيل المثال، يلعب المسؤول السابق في إدارة ترامب، روس فوت، دورا رئيسيا في “مشروع 2025”. ويشغل فوت أيضا منصب مدير السياسات في لجنة برنامج المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، وهو التعيين الذي أقرته الحملة.
وتمتد المقترحات السياسية لـ”مشروع 2025” من الشؤون الخارجية إلى التعليم.
ومن بين أمور أخرى، يقترح “مشروع 2025” تطبيق قوانين تجعل إرسال أقراص عقاقير الإجهاض بوصفة طبية عبر البريد غير قانوني، ويقترح تجريم المواد الإباحية وإلغاء وزارة التعليم.
ويدعو المشروع أيضا إلى إلغاء لوائح الحفاظ على البيئة على نطاق واسع وإلى اتخاذ إجراءات صارمة في مواجهة البرامج التي تعزز التنوع في مكان العمل والتي يقول المشروع عنها إنها قد تكون غير قانونية إلى حد كبير.
كما يدعو المشروع إلى توسيع نطاق السلطة الرئاسية عبر زيادة عدد المعينين في مناصب سياسية وتعزيز سلطة الرئيس على وزارة العدل. وروّع هذا الاقتراح الكثيرين من مسؤولي إنفاذ القانون الذين يقولون إنه سيقوض قدرة الوزارة على إجراء تحقيقات دون تدخل سياسي.
ويوافق ترامب في ما يبدو مع مقترحات كثيرة في المشروع، لكن ليس عليها كلها.
ومن الناحية العملية، تضم حملته فريقا سياسيا داخليا صغيرا، ويميل ترامب إلى مناقشة السياسة في عبارات فضفاضة فحسب في حملته الانتخابية.
وأيد ترامب مقترحات كثيرة محورية في “مشروع 2025”، مثل منح نفسه القدرة على زيادة عدد المعينين في مناصب سياسية في الحكومة وإلغاء وزارة التعليم، لكنه لا يتفق مع مقترحات أخرى، مثل فرض قيود على عقاقير الإجهاض.
“مشروع 2025” موجود على نحو ما منذ أوائل عام 2023. لكن في الأشهر القليلة الماضية، بذلت حملة بايدن جهودا منسقة لتعزيز الوعي بالمشروع بين الناخبين ولتحويله إلى رمز للتحول السياسي اليميني المتشدد الذي تقول الحملة إنه سيحدث في الولايات المتحدة إذا أصبح ترامب رئيسا.
وقال بايدن هذا الأسبوع “مشروع 2025 سيدمر أميركا”، وأنشأت حملته صفحة على الإنترنت مخصصة للمشروع. وأعلنت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في يوليو خططا لوضع لوحات إعلانية تتحدث عن “مشروع 2025” في عشر مدن.
وتزايدت المخاوف بين بعض معارضي ترامب من أن محاولات المشروع تعزيز سلطة الرئيس ستكون خطيرة على نحو خاص بعد قرار للمحكمة العليا في أوائل يوليو يمنح الرؤساء حصانة واسعة من الملاحقة القضائية على الإجراءات التي يتخذونها أثناء وجودهم في المنصب.
وبدورها عبرت حملة ترامب عن انزعاجها على نحو متزايد من المشروع، ودأبت على التأكيد على أن مقترحات المشروع ليست لها صلة بالبرنامج السياسي الرسمي للحملة.
واتهمت مسؤولة في حملة ترامب، الديمقراطيين ببث الخوف وقالت إنه يتعين عدم النظر إلى شيء آخر على أنه موقف رسمي سوى برنامج الجمهوريين الرسمي وسلسلة مقترحات الحملة المعروفة باسم قائمة الأولويات 47.
"مشروع 2025" في جوهره مجموعة من المقترحات السياسية التفصيلية التي وضعها مئات من المحافظين البارزين الذين يأملون أن يتبناها ترامب إذا اُنتخب رئيسا
وقالت دانييلا ألفاريث المتحدثة باسم حملة ترامب “فريق بايدن واللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي يكذبون ويبثون الخوف لأنهم ليس لديهم شيء آخر يقدمونه للشعب الأميركي”.
ويقول ماثيو كوتينيتي من معهد الأبحاث “أميركان أنتربرايز إنستيتيوت” إنّ “ترامب يستغلّ هذه اللحظة لجذب عدد أكبر من المؤيدين من خارج قاعدته المحافظة المعتادة”.
ووصل الملياردير إلى السلطة في العام 2016 عبر إستراتيجية اعتمدت على عناصر عدّة، أبرزها عملية إغراء متقنة لليمين الديني الذي قدّم له العديد من الانتصارات. وعلى الرغم من هزيمته في العام 2020، ظلّت هذه الفئة من الناخبين موالية له إلى حدّ كبير.
ومن الآن فصاعداً، “بات بإمكانه البدء في طرح برنامج وشخصية يمكّنانه من جذب ناخبين من الائتلاف الديمقراطي”، وفقاً لماثيو كوتنيتي.
ولكن بالنسبة إلى جوليان زيليزر الأستاذ في جامعة برينستون، ينبغي ألاّ ينخدع أحد. ويؤكد المتخصّص في علم السياسة، أنّ “ليس هناك سبب للاعتقاد بأنّ دونالد ترامب غيّر مواقفه بشكل جوهري”.
ويضيف “إستراتيجيته تتمحور حول الفوز. ولكن نتائج ولايته هي التي يجب أن تحدّد” هذا الفوز من عدمه.