تطرف المناخ أكبر تحد يواجه رؤية 2030 السعودية

التداعيات ليست اقتصادية واجتماعية فحسب بل سياسية أيضا.
السبت 2024/07/13
عقبات لا تكفي التدابير الحالية لتجاوزها

سلطت الأحوال الجوية القاسية التي شهدها موسم الحج الضوء على التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية لاسيما على مساعي المملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها، وكسر هاجس ارتهان نموها بعائدات النفط والغاز.

الرياض - يبرز تغير المناخ بصفته عقبة رئيسية أمام نموذج رؤية 2030 للتحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية. وأصبحت تكاليف هذا التحدي علنية، فخلال موسم الحج في 2024 توفي أكثر من 1300 حاج بسبب الإنهاك الحراري في مكة المكرمة حيث وصلت موجة الحر إلى 50 درجة مئوية. لكن هذا الحادث المميت يبقى جزءا من اتجاه أوسع يتجاوز الحج ويشمل كل ركن من أركان البلاد التي يجب سقيها وتبريدها وصقلها ضد أنماط الطقس غير المنتظمة التي أصبحت أكثر تواترا.

وليست هذه التدابير رخيصة. وتتحدى التكاليف الاقتصادية لمكافحة تأثيرات تغير المناخ السعودية وتحولها الاقتصادي بدرجة أكثر من فاجعة الوفيات. فمن سيدفع هذه التكاليف؟ الإجابة المختصرة هي الدولة السعودية في الوقت الحالي. ولكن الحكومة ستوجه في نهاية المطاف عبء تكلفة تغير المناخ إلى الفئات الأكثر حرمانا في البلاد، مما يوسع عدم المساواة، ويزرع الانقسام، ويعزز خطوط الصدع التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع العنف وعدم الاستقرار خلال الفترات المستقبلية من الأزمة الجيوسياسية.

ويبقى طقس المملكة العربية السعودية، وتأثير تغير المناخ عليه، أكثر تعقيدا مما توحي إليه صورتها النمطية. وبينما تعدّ معظم البلاد صحراء حارة، إلا أن هذا لا يعني أن درجات الحرارة الحارقة تتواصل على مدار السنة. ويكون جزء كبير من البلاد من الخريف حتى الربيع مريحا وجذابا للسياح الهاربين من المناخات الباردة في أوروبا أو آسيا.

وتشهد المملكة في بعض الأحيان أمطارا يمكن أن تشل المدن الكبرى مثل جدة. ولكن التوقعات الحالية لتغير المناخ تحدد أن فصول الصيف الطويلة بالفعل في السعودية ستزداد طولا وحرا، على حساب الفترة الأكثر اعتدالا من العام، بينما ستصبح أحداث الفيضانات النادرة حاليا أكثر تدميرا عندما تضرب المدن الكبرى.

ويرى ريان بوهل، محلل مختص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تقرير نشره موقع ستراتفور، أن هذه التحديات تتطلب حلولا تكنولوجية وبنية تحتية يمكن لبلد غني مثل المملكة تأمينها نسبيا. لكن السؤال ليس متعلقا بإمكانية البقاء على قيد الحياة، كما قد يكون الحال في اليمن المجاور، ولكن حول تكلفة التكيف، وربما الأهم من ذلك، من سيدفع الثمن؟

◙ السعودية تواجه تحديا فريدا لتغير المناخ لأن موقعها الجغرافي الساخن يزداد حرا ولأن إجابة الحكومة على سؤال الدفع كانت دائما هي الدولة نفسها حتى قبل عقد

وتواجه المملكة العربية السعودية تحديا فريدا لتغير المناخ لأن موقعها الجغرافي الساخن يزداد حرا، ولأن إجابة الحكومة على سؤال الدفع كانت دائما هي الدولة نفسها حتى قبل عقد. ويشمل العقد الاجتماعي في السعودية احتكار الحكومة للسياسة والسياسات بينما يتمتع المواطنون بحياة اقتصادية واجتماعية مريحة نسبيا. لكن الرياض تدرك أن هذا العقد غير مستدام اقتصاديا في عالم قد تصبح فيه صادراتها الأساسية (النفط) أقل جاذبية بينما ترتفع تكلفة الحفاظ على مستوى معيشة مواطنيها.

وتهدف رؤية 2030 بالتالي إلى تحويل السعودية إلى اقتصاد تضمن فيه قوى السوق، بدلا من الدولة، مستوى المعيشة. لكن قوى السوق لا تحقق الاستقرار الاجتماعي. وتدعم الحكومة في الوقت الحالي الكهرباء والمياه للمواطنين السعوديين والشركات، مما يمكنهم من الهروب من التكلفة الاقتصادية الحقيقية التي تفرضها موجات الحر والصيف الحار بشكل متزايد، إذ كان هذا ولا يزال معيارا إقليميا.

وتساعد هذه الإعانات في الحفاظ على القدرة الشرائية التي يتمتع بها المواطنون والمقيمون وشعورهم بالراحة الاقتصادية، وتساعد الشركات على توفير راحة مماثلة لموظفيها لجذب المواهب والاحتفاظ بها وأداء وظائف اقتصاد المعرفة. ورغم هذه المزايا، تشير رؤية 2030 إلى أن السعودية ستتبع الإمارات العربية المتحدة وقطر من خلال التخفيف من دعم المرافق، مما يجعل المقيمين والمواطنين أقرب إلى تجربة التكلفة الحقيقية للصيف في البلاد. لكن المملكة تعاني من عيب ملحوظ مقارنة بجيرانها في اتباع هذا المسار. وبينما يهيمن على الإمارات وقطر عمال أجانب يمكن ترحيلهم بسهولة (استجابة منهم لارتفاع تكاليف المرافق في هذه الحالة)، يعتمد التحول الاقتصادي في السعودية على المواطنين الذين لن يذهبوا إلى أي مكان آخر.

ويجب على الرياض لذلك تحديد طريقة لزيادة الأسعار للمواطنين دون إثارة الغضب الذي يمكن أن يؤدي إلى مطالب سياسية. لكن هذا يبقى مسارا صعبا للرياض. وأدى بالفعل إلى انتكاسات مفاجئة في السياسة ردا على الرفض العام للإصلاحات الأخرى، مثل تلك التي يعتبرها المجتمع ليبرالية. ويمكن للإمارات وقطر إشراك المقيمين في تحمل التكلفة الاقتصادية التي يفرضها تغير المناخ. لكن المواطنين السعوديين قد يطالبون في المقابل بالمزيد من السلطة السياسية إذا انخفض مستوى معيشتهم أو ركد.

وتهدف رؤية 2030 في المقابل إلى تنمية اقتصاد المملكة. ومن شبه المؤكد أن الاقتصاد الأكبر سيتطلب المزيد من الطاقة والمياه. وتتمتع السعودية بالثروة اللازمة لتجربة تقنيات جديدة يمكن   أن تعوض تكاليف هذا النمو، من التقنيات الأكثر مضاربة مثل تلك التي تسحب مياه الشرب من الهواء إلى الأنظمة القائمة كالطاقة الشمسية.

ويجب أن تورد الرياض هذه التقنيات، نظرا لمحدودية القاعدة الصناعية والتكنولوجية في البلاد، ويجب على شخص ما دفع ثمنها. وتدفع الدولة السعودية اليوم ثمن العديد من هذه التقنيات، بشكل مباشر أو غير مباشر، إما من خلال ميزانيتها الوطنية أو صندوق الثروة السيادي. وعلى الرغم من أن المملكة تنوي أن تتولى السوق الحرة زمام الأمور في النهاية، إلا أنها لم تحدد جدولا زمنيا واضحا لموعد تضاؤل الدور الحكومي المركزي في تأمين هذه التقنيات، بينما سيصبح تغير المناخ أكثر تكلفة.◙ 

الحكومة ستوجه في نهاية المطاف عبء تكلفة تغير المناخ إلى الفئات الأكثر حرمانا، مما يزرع الانقسام ويعزز خطوط الصدع
◙ الحكومة ستوجه في نهاية المطاف عبء تكلفة تغير المناخ إلى الفئات الأكثر حرمانا، مما يزرع الانقسام ويعزز خطوط الصدع

وسيتوجب على البلاد الاستثمار بشكل متزايد في البنية التحتية مع طول الصيف وسخونته وتكرر الفيضانات. ولا تقتصر البنية التحتية الضرورية على محطات توليد الطاقة لتوفير الكهرباء أو محطات تحلية المياه لتوفير المياه، بل تشمل أيضا المنازل الجديدة والمباني التجارية والمصانع المقاومة لمناخ مختلف. وتعدّ النقطة الأخيرة وحدها مهمة ضخمة، حيث يتواصل تشييد العديد من المباني في المملكة دون النظر في تكلفة تكييف الهواء أو العزل، مما يشير إلى الحاجة إلى التجديد الحضري على نطاق واسع.

ومع جلب العواصف المطيرة للفيضانات (وإن كانت نادرة)، سيتوجب على المدن السعودية الاستثمار في القنوات والمجاري والقنوات التي تمر عبر الأحياء وتعيد توجيه طرق النقل وتقلب المراكز التجارية القائمة. ومع مرور السنوات، ستسعى السعودية أكثر فأكثر إلى إيجاد طرق غير حكومية لدفع هذه النفقات وتعزيز الاقتصاد. وستسعى الدولة على وجه التحديد لدفع تكلفة تغير المناخ إلى السكان والسوق. ولكن يجب أن تحرص على أن يكون ذلك دون إنشاء مراكز سياسية جديدة للمعارضة.

وعلى سبيل المثال، لا يمكن للمملكة أن ترفع بسرعة الدعم عن الكهرباء والمياه لجميع السكان دون المخاطرة برد فعل عنيف قد يتحول إلى عنف ومعارضة مستمرة. لكن من المرجح أن تنفذ الرياض دعما مستهدفا لإبقاء أجزاء معينة من السكان معزولة عن تكاليف تغير المناخ. ومن المرجح أن تشمل هذه الإستراتيجية تقديم إعانات موجهة للمواطنين من الطبقتين العليا والمتوسطة وللقبائل الحساسة سياسيا، التي قد تتمتع باستمرار نظام الدعم القديم المكلف أو تعيش في ظل مخطط جديد مصمم للتعويض عن تأثير إصلاح الدعم. كما يمكن أن تكون لخطة الدعم الجديدة أبعاد طائفية تستبعد الشيعة المحرومين سياسيا.

ويمكن أن تشهد بعض الشركات التي تعتبر مستدامة اقتصاديا أو غير مهمة سياسيا ارتفاع فواتيرها، بينما ستستمر شركات أخرى، وخاصة تلك التي تتمتع بصلات سياسية، في الوصول إلى إعانات الدولة. والأهم من ذلك أنه من شبه المؤكد أن يُطلب من الأجانب دفع ثمن تغير المناخ أكثر من أي مجموعة أخرى، نظرا إلى كونهم ضيوفا في المملكة. لكن التفاصيل لم تتضح بعد.

وسيتسم نمط الدعم عموما بعدم المساواة، مما سيعمق الانقسامات في المجتمع السعودي بين الطوائف والمناطق والطبقات الاقتصادية والمقيمين والمواطنين. وستمنح الرياض الأولوية لحماية الأشخاص الأكثر ارتباطا بالشرعية السياسية للنظام الملكي من ثمن تغير المناخ مع إهمال (أو فرض تكاليف) على الذين يعتبرون أقل أهمية.

ومن شأن هذا أن يغذي التفاوتات القائمة التي تنتج بالفعل العنف والتطرف والاضطرابات في بعض الأحيان، التي تبرز في المقدمة خلال التوترات الجيوسياسية، مثل الربيع العربي، عندما سببت الانقسامات القديمة انتفاضة شيعية مستمرة في المنطقة الشرقية. ومع توزيع التكاليف الاقتصادية لتغير المناخ بشكل غير متساو على سكان المملكة على مر السنين، تهدد هذه الانقسامات بالتحول إلى خطوط صدع تنفجر في الصدمات الجيوسياسية المستقبلية. وينذر هذا بالمزيد من جولات العنف وعدم الاستقرار للمملكة.

7