الإمارات تعيد إحياء قارب ماجان من العصر البرونزي

في إطار إحياء تراثها البحري أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة بناء "قارب ماجان" من العصر البرونزي الذي كان يجول في البحار والمحيطات منذ أكثر من أربعة آلاف عام بنفس التقنيات التي كان يستخدمها النوخذة القدماء.
أبوظبي ـ أعاد متحف زايد الوطني بالتعاون مع جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي، إحياء قارب ماجان من العصر البرونزي الذي يعود تاريخه إلى 2100 سنة قبل الميلاد.
ونجح نموذج القارب الذي يصل طوله إلى 18 مترا في الإبحار قرب سواحل أبوظبي. و نُفِّذ المشروع بهدف تسليط الضوء على التراث البحري لدولة الإمارات، وتجارة العصر البرونزي.
وبني القارب الذي كان يطلق عليه في العصور القديمة “قارب ماجان” من مواد خام وضعت على لوح صلصال قديم باستخدام تقنيات قديمة يعود تاريخها إلى 2100 سنة قبل الميلاد، واستطاع القارب اجتياز مجموعة من الاختبارات الصارمة، ما مكّنه من قطع مسافة 50 ميلاً بحرية (92.6 كم) في مياه الخليج العربي.
وتولى قيادة القارب بحارةٌ إماراتيون، وعلى مدى خمسة أيام مرّ بالعديد من الاختبارات البحرية، ووصلت سرعته إلى 5.6 عقدة باستخدام شراع مصنوع من شعر الماعز.
وعمل صانعو السفن المتخصصون مع مجموعة الباحثين لإنجاز بناء القارب باستخدام مواد خام وأدوات يدوية تقليدية، حيث تطلب صنع هيكله الخارجي 15 طنا من القصب محلي المصدر، بعد نقعه وتجريده من أوراقه وسحقه وربطه في حزم طويلة باستخدام حبال مصنوعة من ألياف النخيل ليتم ربط حزم القصب بهيكل داخلي من الإطارات الخشبية وتغليفها بمادة “القار” التي كان صناع السفن القدماء في المنطقة يستخدمونها لتمكين القوارب من مقاومة المياه.
ويعّد مشروع قارب ماجان مبادرة أثرية تجريبية بهدف استكشاف أنماط معيشة سكان المنطقة منذ أكثر من أربعة آلاف عام وفهمها، إلى جانب المحافظة على التراث البحري الإماراتي والصناعات التقليدية، وتعزيز شعور الفخر بالهوية الوطنية.
ولإنجاز المشروع اجتمع متخصصون في علم الآثار والأنثروبولوجيا والعلوم الإنسانية الرقمية والهندسة، لتصميم وبناء القارب، حيث أُجريت مئات التجارب خلال عملية بنائه بهدف اختبار قوة حزم القصب ومقاومة خليط “القار” للمياه.
ويمثل هذا القارب أكبر عملية إعادة بناء من نوعها، ما يسهم في تعميق فهمنا لأنماط العيش في مجتمعات العصر البرونزي. ويكشف عن أسرار الحرف اليدوية التقليدية التي ساعدت في إنشاء روابط بين الإمارات والعالم.
وتبين النصوص القديمة أن هذه القوارب كانت تسمى ماجان، ويشير استخدام هذا المصطلح إلى دور الإمارات في التجارة البحرية منذ أكثر من أربعة آلاف عام، حيث وفرت القوارب التي تمتاز بضخامة حجمها وقوتها للأشخاص الذين يعيشون في الإمارات، إمكانية التجارة مع المجتمعات البعيدة مثل بلاد الرافدين وجنوب آسيا.
وتولّى تصميم القارب فريق يضم أكثر من 20 متخصصاً من بينهم مهندسون وعلماء آثار يسعون إلى استكشاف الماضي من خلال تجربة التكنولوجيا القديمة باستخدام تقنيات تقليدية.
واعتمد شكله على الرسوم التوضيحية القديمة للقوارب، وأُعيد بناؤه على أساس سعة “120 غور” أي ما يعادل 36 طناً، وتولّى المهندسون تحديد طوله وعرضه وعمقه عبر استخدام التحليل الهيدروستاتيكي، بهدف توفير الأبعاد التي تمكنه من الطفو بمجرد إضافة الوزن المقدر للبضائع والقارب وطواقمه.
وتطلب رفع الشراع وتجهيزه فريقاً يضم أكثر من 20 فرداً، لأن البكرات لم تكن موجودة في العصر البرونزي.
وقال مدير متحف زايد الوطني، ييتر ماجي، “يجمع هذا المشروع تحت إدارة المتحف، عددا متنوعا من المتخصصين الذين يعملون بتعاون وثيق لتعزيز فهمنا للابتكارات الإماراتية وتنمية الشعور العميق بالفخر الوطني. لقد كانت رحلة طويلة وملهمة بدءا من اكتشاف أجزاء قديمة من قوارب العصر البرونزي في أم النار وحتى اللحظة المميزة التي رفع فيها شراع القارب المصنوع من شعر الماعز وانطلاقه من ساحل أبوظبي سالكاً نفس الطريق الذي كانت تسلكه هذه السفن قبل أربعة آلاف عام باتجاه البحر المفتوح وساحل الهند”.
وكان النوخذة الإماراتي مروان عبدالله المرزوقي، الذي ينحدر من عائلة تعود جذورها إلى أجيال معروفة باهتمامها بالتراث البحري للإمارات العربية المتحدة، أحد البحارة الذين قادوا قارب ماجان خلال تجاربه البحرية التي استمرت على مدى يومين.
وقال،”كنا حذرين جدا عندما سحبنا القارب لأول مرة من الرصيف، لإدراكنا بأنه مصنوع من القصب والحبال والخشب فحسب، ولا توجد فيه أي مسامير أو براغي أو معادن، ما زاد من قلقي من إصابة القارب بأي تلف، لكن عندما بدأنا الرحلة، أدركت أن القارب قوي، وفوجئت بسلاسة حركته في البحر على الرغم من حمولته الثقيلة”.
وسيتمكن الزوار من مشاهدة قارب ماجان عند افتتاح متحف زايد الوطني في جزيرة السعديات، حيث يحتفي المتحف بتاريخ دولة الإمارات العريق وثقافتها، من الماضي وحتى اليوم.