المجر المتشككة في أوروبا تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي

الحكومة المجرية تعرب عن استعدادها للاضطلاع بـ"التزامات ومسؤوليات" مهمتها التي تستمر حتى ديسمبر.
الثلاثاء 2024/07/02
أوربان صداع جديد

بودابست - انتقلت الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي الاثنين من بلجيكا إلى المجر برئاسة فيكتور أوربان الذي وعد بالتصرف بـ”حيادية” في ظل المخاوف التي يثيرها نهجه ومواقفه السجالية في بروكسل.

ومع انجرافاتها المعاكسة للديمقراطية وعلاقاتها مع الكرملين رغم الغزو الروسي لأوكرانيا، تبعث رئاسة المجر قلقا داخل البرلمان الأوروبي ولدى عدة دول أعضاء في حين يقترن هذا القلق في فرنسا بالمخاوف بعد تصدر اليمين المتطرف الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الأحد، ما يضعه على أعتاب الوصول إلى السلطة.

لكن الأجواء في بروكسل سادتها “البهجة” الاثنين، على حد تعبير رئيس الوزراء المجري الذي بدا مبتسما بعد مراسم انتقال الرئاسة الدورية إليه من نظيره البلجيكي ألكسندر دي كرو.

وجاء في منشور لأوربان على منصة إكس “الجميع سعداء لأنه حان دورنا لكي نجعل أوروبا عظيمة مجددا”، مستعيدا شعار رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب الذي يخوض الانتخابات الأميركية في نوفمبر. وكانت بودابست قد اختارت الشعار عنوانا لرئاستها الدورية.

وأعربت الحكومة المجرية عن استعدادها للاضطلاع بـ التزامات ومسؤوليات” مهمتها التي تستمر حتى ديسمبر.

وقال وزير الشؤون الأوروبية يانوس بوكا أثناء كشفه عن البرنامج في منتصف يونيو، “سنعمل كوسيط محايد”. وأضاف “في الوقت نفسه، ستستفيد المجر من الرئاسة لكي تطرح رؤيتها لأوروبا”.

وفي ما يتعلق بسيادة القانون والهجرة والحرب في أوكرانيا، تعتزم المجر إسماع صوتها المعارض الذي تسبب بمواجهات متكررة مع شركائها وتجميد المليارات من الأموال الأوروبية.

وبعد الرئاسة المجرية الأخيرة للاتحاد الأوروبي عام 2011، تفاخر فيكتور أوربان بأنه سدّد “ضربات وصفعات ودية” إلى “الجلادين المتحمسين” في البرلمان الأوروبي الذي يعتبره ملاذا “لليبراليين واليساريين”.

وهذه المرة، يبدو السياسي المخضرم البالغ من العمر 61 عاما أكثر حدة، بين تشويه سمعة “النخبة التكنوقراطية” في بروكسل واستخدام حق النقض المتكرر في الأشهر الأخيرة لوقف المساعدات العسكرية لكييف.

وكان وعد بـ”احتلال بروكسل” في ختام الانتخابات الأوروبية التي اعتبرت “تاريخية”، لكن إذا كانت انتخابات التاسع من يونيو شكلت تقدما لليمين المتطرف فإن المد واسع النطاق المرتقب لم يحصل.

ولم يتمكن أوربان من التأثير على المناصب الرئيسية في الاتحاد الأوروبي رغم معارضته، فقد اتفق القادة على إعادة تعيين أورسولا فون دير لاين رئيسة للمفوضية.

بعد الرئاسة المجرية الأخيرة للاتحاد الأوروبي عام 2011، تفاخر فيكتور أوربان بأنه سدّد "ضربات وصفعات ودية" إلى "الجلادين المتحمسين" في البرلمان الأوروبي

وأما بالنسبة للبرلمان الأوروبي فلا يزال رئيس الوزراء المجري بعيدا عن السيطرة عليه، فقد خسر نوابا وحزبه فيدس لا يزال بين الأحزاب غير المسجلة. غير أن مفاوضات تجري على هذا الصعيد.

وأعلن أوربان الأحد من فيينا عزمه على تشكيل مجموعة “وطنيون من أجل أوروبا” إلى جانب زعيم الحزب القومي النمساوي هربرت كيكل ورئيس الوزراء التشيكي السابق المشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي أندريه بابيش، مؤسس حركة أنو الوسطية.

ولا يزال بحاجة إلى الحصول على دعم في أربع دول أخرى حتى يتمكن من تشكيل فصيل في البرلمان.

وقبل بدء الرئاسة حدد أوربان سبع أولويات تشمل تعزيز “القدرة التنافسية الاقتصادية” للتكتل ومكافحة “الهجرة غير الشرعية” بشكل أفضل، وتقريب دول غرب البلقان من عضوية الاتحاد الأوروبي.

وسيحاول أوربان بدون شك عرقلة ملفات وتخفيف القيود المتعلقة بسيادة القانون للحصول على الأموال الأوروبية، لكن “هامش المناورة لديه محدود”، بحسب تقديرات دانيال هيغيدوس الباحث في مركز مارشال فاند الألماني.

وتتيح الرئاسة الدورية للدولة التي تتولاها أن تتحكم في جدول أعمال اجتماعات الدول الـ27، وهي سلطة واسعة لكنها ليست مطلقة، بحسب العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين.

وقال هيغيدوس إن ما يقلل من هامش التحرك أمام المجر أن بلجيكا والمؤسسات الأوروبية عملت جاهدة من أجل استكمال القرارات المهمة و”بالتالي الحد من عدم الاستقرار”.

فقد تمت الموافقة على حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا، وافتتحت رسميا مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا في خطوة وصفت بأنها “تاريخية”، وهما قراران لا يوافق عليهما فيكتور أوربان.

لا يزال سياسيو الاتحاد الأوروبي يساورهم القلق بشأن التهديد الذي تمثله المجر في تعطيل نظام الاتحاد الأوروبي

وبحلول موعد حل البرلمان الأوروبي في أبريل الماضي، كان قد جرى إعطاء الضوء الأخضر لنحو 60 ملفا، بما يشمل الاتفاقية الجديدة للجوء والهجرة، وحزمة مراقبة الموازنة. وساعد في تحقيق هذا الإنجاز نجاح المفاوضات بشأن بعض الملفات خلال فترة الرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوروبي خلال النصف الثاني من 2023.

وفي أعقاب الانتخابات الأوروبية التي جرت خلال الفترة من السادس وحتى التاسع من يونيو الماضي، تمكنت الرئاسة البلجيكية من تحقيق الأغلبية اللازمة للموافقة على قانون استعادة الطبيعة، المثير للجدل، خاصة بفضل الدعم غير المتوقع من وزيرة البيئة النمساوية ليونور جيفيسلر.

وقد وافق وزراء البيئة في الاتحاد الأوروبي على قانون استعادة الطبيعة، بعدما غيرت النمسا موقفها وضمنت الأغلبية المطلوبة.

وكان القانون محور مناقشات مطولة وساخنة في بروكسل وعواصم الدول الأعضاء على مدار شهور.

وإلى جانب ذلك، أعطت رئاسة المجر، المقبلة، للاتحاد الأوروبي قوة دفع لتعزيز تدابير دعم أوكرانيا، قبل تولي بودابست السلطة مع إمكانية كبحها لجماح هذا الدعم لكييف.

واستطاعت بلجيكا التوصل إلى توافق في الآراء بشأن تقديم الدعم المالي الجديد لأوكرانيا، بما يشمل أرباح الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي لدى دول الاتحاد الأوروبي. كما انطلقت قبل أيام المفاوضات بشأن انضمام أوكرانيا إلى التكتل.

وعلاوة على ذلك، جرى اعتماد حزمتي العقوبات الـ13، والـ14 ضد موسكو، واستهدفت الأخيرة، لأول مرة، قطاع الغاز الطبيعي المسال في روسيا، والذي تقدر قيمته بالمليارات من الدولارات.

ومن جهته قال دي كرو إنه “فخور” بما تحقق خلال تولي بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وتمنّى للمجر “حظا سعيدا”. وجاء في منشور له على شبكة للتواصل الاجتماعي “أنا على قناعة بأنكم ستعملون لمصلحة كل مواطني الاتحاد الأوروبي”.

ولا يزال سياسيو الاتحاد الأوروبي، الذين اعتادوا على مدار فترة طويلة وضع بودابست العوائق والعراقيل، يساورهم القلق بشأن التهديد الذي تمثله المجر في تعطيل نظام الاتحاد الأوروبي، وأشاروا إلى إمكانية ممارسة المناورات مع بودابست التي تتسم بالعناد، حال لزم الأمر.

7