لا تنخدع بمسمى الأسلحة الخفيفة.. إنها القاتل الأكبر

الأمم المتحدة تعمل ما في وسعها على الحد من انتشار الأسلحة الخفيفة لكونها تقف وراء أغلب قضايا القتل وهي أشد تأثيرا من الأسلحة الثقيلة. وتجد المنظمة الدولية صعوبات كثيرة في تطبيق برنامجها مع تعدد ساحات الصراع وزيادة أعداد الضحايا.
نيويورك- ربما تكون “الأسلحة الصغيرة” و”الأسلحة الخفيفة” من أكبر التسميات الخاطئة في المصطلحات العسكرية. فهما من الأسلحة الرئيسية المسببة للموت والدمار في الحروب الأهلية المستمرة والصراعات العسكرية، وجلها في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وفي الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأمم المتحدة الرابع لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ برنامج العمل المتعلق بمنع الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، أصاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهدف حين قال إنه لا يوجد شيء “صغير” أو “خفيف” في الضرر الذي تسببه هذه الأسلحة.
وأكد أن الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة تلعبان دورا رئيسيا في هذه الصراعات، وأن الأسلحة الصغيرة تبقى السبب الرئيسي للوفيات الناجمة عن العنف على الصعيد العالمي، وهي السلاح المفضل في حوالي نصف جميع جرائم القتل في العالم.
ويتبنى برنامج عمل الأمم المتحدة بشأن الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة هدفا طموحا وهو “منع الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة من جميع جوانبه ومكافحته والقضاء عليه”. لكنها مهمة صعبة في عالم سياسي يهيمن عليه لوبي السلاح والمجمع الصناعي العسكري.
وخلال الاجتماع الذي يستمر أسبوعا، سيراجع دبلوماسيون من جميع أنحاء العالم تنفيذ هذا الأمر على خلفية اتفاق سياسي نشأ في 2001. كما يبدو أعضاء المجتمع المدني على استعداد لتقديم تحليلاتهم والضغط على الحكومات.
وقالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والممثلة السامية لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو للمندوبين نيابة عن غوتيريش إن النفقات العسكرية العالمية تواصل الارتفاع.
وتعاني البلدان والمناطق والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، وتضع الصراعات الجديدة التي طال أمدها الملايين من الناس في مرمى النيران.
وأكدت الأمم المتحدة أن “الأسلحة الخفيفة” تعدّ أولا أسلحة مصممة لاستخدام شخصين أو ثلاثة أشخاص يعملون معا، على الرغم من أن شخصا واحدا قد يحمل بعضها ويستخدمها.
وتشمل الأسلحة المدافع الرشاشة الثقيلة، وقاذفات القنابل اليدوية المحمولة، والمدافع المحمولة المضادة للطائرات، والمدافع المحمولة المضادة للدبابات، والبنادق عديمة الارتداد، والقاذفات المحمولة للصواريخ المضادة للدبابات وأنظمة الصواريخ، والقاذفات المحمولة لأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات، وقذائف الهاون التي يقل عيارها عن 100 مليمتر.
وتشمل الحروب الأهلية الحالية، المعتمدة إلى حد كبير على الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، أفغانستان وميانمار وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي وليبيا ومالي والصومال والسودان وجنوب السودان واليمن. كما تُعتمد في الحربين الرئيسيتين في أوكرانيا وغزة.
ولكن هذين الصراعين المدمرين يشهدان استخدام الروس والإسرائيليين أسلحة أكثر تطورا، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمروحيات القتالية والطائرات المسيرة وصواريخ جو- أرض وناقلات الجنود المدرعة والدبابات، وغيرها.
وقالت ناتالي جاي غولدرينغ، التي تمثل ﻣﻌﻬﺪ ﺃﻛﺮﻭﻧﻴﻢ ﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ ﻧﺰﻉ ﺍﻟﺴﻼﺡ في عملها في الأمم المتحدة بشأن قضايا الأسلحة التقليدية وتجارة الأسلحة، لخدمة إنتر برس إن العديد من العقبات تعترض التنفيذ الكامل لبرنامج عمل الأمم المتحدة، سواء أثناء المؤتمر الاستعراضي أو إثره. وتبدو مجموعتان من هذه العقبات ملحوظتين بشكل خاص في مؤتمر هذا العام. وتبقى المجموعة الأولى من العقبات خارجية.
ويشير ضاليف دين، مدير مكتب الأمم المتحدة، إلى أن برنامج عمل المنظمة الأممية يعد في نهاية المطاف وثيقة سياسية، مصممة ليكون تنفيذها على المستوى المحلي في المقام الأول.
وقال إنه يجب أن تكون للدول الإرادة السياسية لتنفيذ الالتزامات الواردة في برنامج عمل الأمم المتحدة والوثائق الختامية لمختلف اجتماعات الدول التي تعقد كل سنتين ومؤتمرات المراجعة.
وقد تحتاج الدول الأصغر حجما والأقل موارد إلى مساعدة مالية لتتمكن من تنفيذ بعض أجزاء برنامج عمل الأمم المتحدة.
وتعدّ بعض الدول الصغيرة لذلك غير راغبة في قبول البرامج والسياسات التي تخشى أن يكلف تنفيذها أموالا طائلة، حتى مع احتمال توافر المساعدة الدولية.
وأضاف أن “التحدي السياسي معقد بسبب الأدوار الرئيسية التي تلعبها صناعة الأسلحة. وتدفع حوافز مالية لمصنعي الأسلحة لبيع أكبر عدد ممكن منها. ويمكن للدول التي تصدّر الأسلحة أن تعتمد على قوة هؤلاء المصنعين، وبعض هؤلاء عازمون على حماية أرباحهم لدرجة أنهم يحضرون هذه المؤتمرات ويتحدثون فيها ويسلطون ضغوطات”.
وقال إن العقبة الرئيسية الثانية داخلية. وذكر أن “عملية برنامج العمل تقوم عموما على ممارسة توافق الآراء. يبدو هذا نظريا أمرا جديرا بالثناء… لماذا لا نريد أن يهيمن التوصل إلى توافق في الآراء على العملية؟ ولكن توافق الآراء يعني فعليا الإجماع في هذه العملية. وهذا يعني أن صوتا سلبيا واحدا يمكن أن يمنع التغيير أو التقدم”.
وأضاف أن عملية توافق الآراء تضع هذه المؤتمرات والاجتماعات أمام خيار غير مريح بين وجهتين رئيسيين. ويتمثل أحد الاحتمالات في وثيقة ختامية قوية، يتم التوصل إليها من خلال التصويت، ولكنها تفتقر إلى توافق الآراء. ويتمثل احتمال آخر في وثيقة ختامية أضعف، يتم التوصل إليها من خلال توافق الآراء.
وتابع “يمكن لمؤيدي خطة العمل الدولية، وربما يجب عليهم، تصميم وثيقة ختامية طموحة تفي بشكل أفضل بوعد برنامج عمل الأمم المتحدة وتتطلب التصويت على بعض الفقرات الأكثر إثارة للجدل إذا بدا أن الإجماع لن يكون ممكنا. ويمكن القول إن أسوأ نتيجة هي أن يقبل مؤيدو خطة عمل الأمم المتحدة القوية الكثير من التنازلات بخصوص النص ولا يتوصلون بعد إلى توافق في الآراء”.
وقال غوتيريش إن الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة تفاقم الجريمة والنزوح والإرهاب. وتستخدم من مناطق النزاع إلى المنازل، للتهديد بالعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس وارتكابه”.
كما تمنع وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى الفئات الأكثر ضعفا. وتعرض أرواح قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام وموظفيها المدنيين للخطر.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن الوضع يزداد سوءا، حيث تجعل التطورات الجديدة في تصنيع وتكنولوجيا وتصميم الأسلحة الصغيرة (مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد) إنتاجها غير القانوني والاتجار بها أسهل من أيّ وقت مضى.
وقالت ريبيكا بيترز، مديرة شبكة العمل الدولية المعنية بالأسلحة الصغيرة، في مقال افتتاحي في مجلة وقائع الأمم المتحدة، إن “ألف شخص يموتون كل يوم متأثرين بجروح ناجمة عن طلقات نارية، ويصاب ثلاثة أضعاف هذا العدد بجروح خطيرة. وإذا صنفت حالات الوفيات والإصابات والعجز الناجمة عن الأسلحة الصغيرة على أنها مرض، فستُعتبر وباء”.
لكن وسائل الإعلام والتصور الشعبي يميلان إلى الإشارة إلى أن العنف المسلح لا يتجاوز كونه نتيجة حتمية للقسوة البشرية أو الحرمان، وليس مشكلة صحية عامة يمكن منعها أو الحد منها على الأقل.
وقالت بيترز “تختلف ظروف العنف المسلح بشكل كبير، وسيكون اقتراح حل واحد تبسيطا للوقائع. تشتد الحاجة إلى نهج شامل، يعكس الطبيعة المشكلة متعددة الأوجه، لخفض الوفيات المروعة والإصابات في العالم”.
لكن مجازر المدارس الثانوية في الولايات المتحدة، والعصابات المسلحة في البرازيل، أو العنف الجنسي المنهجي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تشترك جميعها في توفّر الأسلحة (أو الأسلحة الصغيرة، كما تعرف في دوائر الأمم المتحدة).
وأضافت بيترز أن الخطوات العملية نحو الحد من توفر الأسلحة الصغيرة وإساءة استخدامها يمكن تصنيفها في أربع نقاط:
1– تخفيض المخزون الحالي.
2 – الحد من إمدادات الأسلحة الجديدة.
3 – إغلاق البوابات بين الأسواق القانونية وغير القانونية.
4 – الحد من الدافع للحصول على الأسلحة (الطلب).
وقدّمت غولدرينغ مزيدا من التفصيل، وقالت إن مسألة ما إذا كان ينبغي إدراج الذخيرة في برنامج عمل الأمم المتحدة أو كيفية إدراجها يعدان مثالا رئيسيا على صعوبة التوصل إلى توافق في الآراء. وأكدت أن هذا كان الحال منذ المفاوضات الأولية لبرنامج عمل الأمم المتحدة، عندما أبدت الولايات المتحدة وعدد قليل من الدول الأخرى استعدادها لمنع توافق الآراء بشأن هذه المسألة. ولا تزال تلك المعركة مستمرة في هذه الجلسة.
وقالت غولدرينغ إن “رئيسة المؤتمر الاستعراضي كانت الدبلوماسية المقتدرة من كوستاريكا، الممثلة الدائمة ماريتزا تشان فالفيردي. إذا كان بإمكان أيّ شخص أن يسهّل صياغة وثيقة ختامية قوية والتوصل إلى توافق في الآراء في نفس الوقت، فمن المحتمل أن تكون تشان. لكنها مهمة شاقة. أنا معجبة بمهارتها وتفانيها، لكنني أعتقد أن الهوة بين مؤيدي برنامج عمل الأمم المتحدة والمعيقين قد تكون واسعة جدا”.
واعتبرت السفيرة تشان، في مناقشة الوثيقة الختامية لقمة المستقبل في سبتمبر 2024، أنه “لا يمكن أن يبقى ميثاق المستقبل راسخا في لغة الماضي. والإجماع أن يكون نتيجة عمل دؤوب ولن يأتي من تلقاء نفسه. ويجب أن يسود الطموح في النص، ويجب ألا تُعيق تحفظات الأقلية تقدم الأغلبية”.
وأضافت غولدرينغ إن “هذا قد يشير إلى أنها ستكون على استعداد لحشد أصوات لتجنب تقويض المعرقلين للوثيقة. لكن الوقت هو وحده الذي سيخبرنا”.
الأسلحة الصغيرة تفاقم الجريمة والنزوح والإرهاب وتستخدم في مناطق النزاع للتهديد بالعنف الجنسي والعنصرية
وكانت تجارة الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة في العالم خلال التسعينات موضوعا مطروحا داخل أطر ضيقة على المستوى الدولي، ولم يُطرح على جدول أعمال السياسة الدولية البارز.
واجتهد عدد من المحللين والدعاة للفت الانتباه إلى هذه القضية التي ترافقت في ما بعد مع عمل الدبلوماسيين المتفانين في الأمم المتحدة وأماكن أخرى، وأصبحت الآن جزءا راسخا من العمل الدولي للحد من التكاليف البشرية الناجمة عن العنف المسلح.
وأضافت غولدرينغ “لسوء الحظ، يصعب، إن لم يكن من المستحيل، وضع مقاييس كميّة لفعالية برنامج عمل الأمم المتحدة. وغالبا ما نقيس المخرجات والأنشطة بدلا من النتائج. لا نعرف ببساطة الواقع المعاكس، أي ما كان سيكون عليه الوضع دون برنامج عمل الأمم المتحدة”.