تطبيع البحرين مع إيران يقلل من المخاطر الأمنية دون أن يزيلها

بعد قطيعة دامت ثماني سنوات استؤنفت العلاقات بين البحرين وإيران في خطوة تؤسس لتطبيع العلاقات بشكل كامل. وتعود الخلافات في جزء كبير منها إلى الاختلافات الأيديولوجية السياسية بينهما.
المنامة - يرى محللون أن احتمال تطبيع العلاقات بين البحرين وإيران سيقلل من بعض المخاطر الأمنية التي تواجهها المنامة وسط تهديد حرب إقليمية أوسع، لكن ذلك لن ينهي مخاطر الهجمات الإيرانية بالوكالة أو دعم طهران للمعارضة الشيعية في البحرين.
وأصدرت وزارتا الخارجية البحرينية والإيرانية بيانا مشتركا في 23 يونيو الجاري أعلنتا فيه انطلاق مناقشة خطوات تطبيع العلاقات.
وتبع هذا الإعلان اجتماع وزير الخارجية البحريني عبداللطيف بن راشد الزياني والقائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني على باقري كني.
وكانت زيارة الزياني إلى إيران بدعوة من باقري كني للمشاركة في الاجتماع الوزاري لحوار التعاون الآسيوي في 24 يونيو.
وجاء البيان بعد أسابيع من إرسال البحرين رسالة إلى طهران عبر روسيا تطلب فيها تطبيع العلاقات. كما أعرب العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال رحلاته الأخيرة إلى روسيا والصين عن اهتمامه بتحسين العلاقات مع إيران.
أخبار التعاون الوثيق بين البلدين في مجال الطاقة مثيرة للقلق بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها
وقال العاهل البحريني للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة إلى موسكو في 23 مايو الماضي، إنه “لا يوجد سبب للتأخير في تطبيع العلاقات” مع إيران.
ويرجح تقرير نشره موقع ستراتفور أن تسعى البحرين إلى التطبيع مع إيران لتهدئة التوترات الإقليمية باتباع الاتجاهات الموجودة مسبقا التي وضعتها دول عربية أخرى.
وتحتفظ البحرين بعلاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة. وبرزت مؤخرا في مشاركتها في عملية “حارس الازدهار” التي قادتها الولايات المتحدة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، وهم حلفاء إيران. كما تستضيف البحرين القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية والأسطول الخامس الأميركي، وتحافظ على علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية، منافسة إيران الإقليمية الرئيسية.
وتجعل هذه العلاقات البحرين هدفا رئيسيا لإيران ووكلائها، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة والصراع الإسرائيلي المتصاعد مع جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران.
ومن المرجح أن ترغب البحرين في تهدئة التوترات مع إيران وحلفائها الإقليميين من خلال التطبيع، على غرار السعودية، التي توصلت إلى اتفاق تطبيع بوساطة صينية في مارس 2023، والسودان الذي طبّع العلاقات مع إيران في أكتوبر 2023.
تاريخ من العلاقات المتقلبة
لطالما كانت إيران تصر على أن البحرين جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأنها المحافظة الـ14 لديها، حتى قبل الثورة الإسلامية التي جلبت رجال الدين الشيعة للحكم عام 1979.
وجرت مفاوضات قادها رئيس الوزراء البحريني السابق، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، مع شاه إيران محمد رضا بهلوي في نهاية الستينات أفضت إلى تنظيم استفتاء يحدد مستقبل الجزيرة الخليجية، وفقا لوكالة فرانس برس.
ونتج عن الاستفتاء الذي جرى عام 1970 بإشراف الأمم المتحدة، تصويت ساحق بأكثر من 96 في المئة لصالح استقلال البحرين في ظل حكم سلالة آل خليفة السنية، بحسب فرانس برس. ونالت البحرين استقلالها عن بريطانيا عام 1971.
وعقب وصول مؤسس الثورة الإسلامية، روح الله الخميني، إلى السلطة في طهران، أعلنت البحرين في نهاية عام 1981 إحباط محاولة انقلاب مدعومة من إيران.
وبعد سنوات من الهدوء في المنامة، وعودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران إلى مستوى السفراء عام 1991، عادت للبحرين اضطرابات قادها شيعة عام 1994 طالبوا بإعادة البرلمان المنتخب الذي حل عام 1975، وإلغاء قانون أمن الدولة الذي يعطي السلطات صلاحيات واسعة في الاعتقالات دون محاكمات.
وآنذاك، اتهمت البحرين إيران بشكل علني بدعم المظاهرات التي دعت إليها تيارات شيعية، وتدريب مسلحين لقلب نظام الحكم، مما أدى إلى توتر شديد في العلاقات الدبلوماسية.
وفي عام 1996، قالت البحرين إنها أحبطت مؤامرة أخرى للإطاحة بالحكومة وتنصيب زعماء إسلاميين، وأنها استدعت سفيرها لدى طهران، وخفضت تمثيلها الدبلوماسي بالعاصمة الإيرانية إلى قائم بالأعمال.
لكن العلاقات تحسنت بعد تولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم عام 1999 وإجرائه إصلاحات سياسية واسعة حولت البحرين من إمارة إلى مملكة، بما في ذلك إعادة البرلمان المنتخب وإلغاء قانون أمن الدولة.
قبل ذلك، وصل إلى سدة الحكم في طهران رجل الدين الإصلاحي محمد خاتمي الذي كانت سياساته ترتكز على الانفتاح على دول الخليج.

وشهدت تلك الحقبة تبادلا للزيارات بين قادة البلدين بعدما زار ملك البحرين طهران للمرة الأولى منذ ثورة 1979، في ما زار الرئيس الإيراني الأسبق خاتمي البحرين عام 2003 بعد سنة من رحلة الملك حمد التي التقى خلالها المرشد الأعلى، علي خامنئي، صاحب القول الفصل في إيران.
ورغم الاختلافات بين البلدين، فإن العلاقات الدبلوماسية ظلت مستمرة على مستوى السفراء حتى عام 2011 عندما تصدت البحرين بالقوة لاحتجاجات اندلعت على هامش الربيع العربي طالب خلالها متظاهرون، والكثير منهم ينتمي إلى الأغلبية الشيعية، بالتغيير السياسي الذي وصل أحيانا إلى إسقاط النظام الملكي، بحسب رويترز.
وألقت البحرين باللوم على إيران في تأجيج الاضطرابات، وهو اتهام نفته طهران، طبقا للوكالة ذاتها.
وفي 15 مارس 2011، استدعت البحرين سفيرها لدى طهران احتجاجا على الانتقادات الإيرانية بعد نشر قوات درع الجزيرة في المملكة. واتخذت إيران في اليوم التالي تدبيرا مماثلا من خلال استدعاء سفيرها لدى المنامة.
وبعد عام ونصف العام، استأنف السفير البحريني لدى إيران مهامه، لكن الخارجية الإيرانية أعلنت أن طهران لن تعيد سفيرها إلى البحرين في ظل ما وصفته بـ”استمرار قمع الاحتجاجات السلمية” للشعب البحريني.
في 15 مارس 2011 استدعت البحرين سفيرها لدى طهران احتجاجا على الانتقادات الإيرانية بعد نشر قوات درع الجزيرة في المملكة
واستمر التوتر بين البلدين في السنوات اللاحقة. ففي عام 2015، أعلنت البحرين أنها صادرت أسلحة قادمة من إيران “عن طريق البحر”.
وآنذاك، قالت وزارة الداخلية البحرينية في بيان “تم إحباط عملية تهريب عن طريق البحر لكمية من المواد المتفجرة شديدة الخطورة، بجانب عدد من الأسلحة الأوتوماتيكية والذخائر”.
وإثر ذلك، أعلنت البحرين أنها قررت استدعاء سفيرها المعتمد في طهران للتشاور، احتجاجا على تصريحات “عدائية” صدرت عن عدد من المسؤولين الإيرانيين بحقها.
وبقيت العلاقات مقطوعة منذ يناير عام 2016 عندما أعلنت المنامة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران والطلب من دبلوماسييها مغادرة إيران خلال 48 ساعة وذلك بعد أقل من 24 ساعة على اتخاذ السعودية إجراء مماثلا.
وجاء قرار المنامة “بعد الاعتداءات الآثمة الجبانة” على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، معتبرة أنها “انتهاك صارخ لكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتجسد نمطا شديد الخطورة للسياسات الطائفية التي لا يمكن الصمت عليها أو القبول بها”، بحسب السلطات البحرينية.
وأضعفت الحكومة السنية في البحرين بشكل كبير معارضتها الشيعية بعد أن حظر القضاء حزبين معارضين رئيسيين في عامي 2016 و2017، هما حزب الوفاق وحزب الوعد.
وتدهورت المعارضة البحرينية أكثر بعد أن سحبت الحكومة جنسية رجل دين شيعي بارز واتخذت المزيد من الإجراءات الصارمة ضد جماعات المعارضة الشيعية.
وأصدر العاهل البحريني في أبريل 2024 عفوا عن أكثر من 1500 سجين، جلهم من المعارضين السياسيين الذين سجنوا بعد احتجاجات 2011 المناهضة للحكومة.
ويعدّ إطلاق سراح السجناء علامة على تصور المنامة تضاؤل خطر تجدد الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تقودها المعارضة ذات الأغلبية الشيعية.
فرص وتحديات
من المرجح أن تختار البحرين تطبيع العلاقات مع إيران للحد من خطر استهداف طهران أو حلفائها لها. لكن هذا لن يمحو نقاط الضعف الأمنية في البحرين.
ويعتقد مراقبون أن تبقى المنامة حذرة من طهران بسبب دعمها للاضطرابات الداخلية البحرينية.
ولم يضع البيان المشترك بين البحرين وإيران جدولا زمنيا لتوقيع اتفاق تطبيع كامل، لكن الدولتين لم تكونا لتعلنا ذلك على الملإ ما لم تحصل لديهما قناعة بأنهما ستتوصلان إلى اتفاق.
ومن المرجح أن تعيد البحرين وإيران فتح سفارتيهما بعد التقارب، لكن من غير المرجح أن تحققا إنجازات اقتصادية أو سياسية كبيرة.
ومثل دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي حسنت علاقاتها مع إيران، من المرجح أن تستفيد البحرين من تحسن العلاقات الدبلوماسية لتهدئة التوترات الإقليمية وحماية نفسها في حالة إعادة التصعيد.
وعلى سبيل المثال، من المرجح أن يوفر التقارب للبحرين بعض الوقاية أمنيّا من التصعيد الحوثي، حيث من المرجح أن تثني إيران حلفاءها عن استهداف البلدان التي تطبع العلاقات معها. لكن تطبيع العلاقات مع إيران لن ينهي تهديد الوكلاء الإيرانيين مثل الحوثيين الذين يستهدفون البحرين في سيناريو تصعيد إقليمي كبير.
ورغم انخفاض مخاطر الاحتجاجات المحلية، من المرجح أن تبقى المنامة حذرة من النفوذ الإيراني في الشؤون الداخلية، فمن غير المرجح أن تتخلى إيران عن القضية الشيعية في البحرين إذا اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة مرة أخرى.
ومن المرجح أن تواصل إيران تقديم الدعم السياسي والخطابي للمنشقين الشيعة في البحرين في هذا السيناريو، وتحاول تقديم الدعم المالي لهم وتزويدهم سرّا بالأسلحة، رغم أن الاستخبارات البحرينية وقوات الأمن نجحت في الحد من قنوات الدعم هذه خلال السنوات الأخيرة.