يوم أصبحت السيارة ذاتية القيادة حقيقة

لا أعتقد أننا سنشاهد قريبا سيارات ذاتية القيادة تجوب شوارع مدن العالم الثالث، فالأمر يتطلب بنية تحتية معقدة ليس هناك مجال للاستثمار فيها بمنظور عشر سنوات قادمة.
الجمعة 2024/06/28
بداية النهاية للسيارات التقليدية

علاقتي مع السيارات لم تكن يوما مبنية على الحب. ورغم اجتيازي اختبار القيادة من المحاولة الثانية وبعد عدد محدود من الدروس، إلا أن الود المفقود بيني وبين هذه الزواحف المعدنية لم يرمم يوما.

أول سيارة اشتريتها (مستعملة من نوع فوكسهول) كان عليّ أن أقودها بمفردي من شمال لندن إلى مدينة برايتون الساحلية حيث أقيم. كان ذلك يتطلب اجتياز مدينة لندن ساعة الذروة، إضافة إلى 70 كيلومترا على الطريق السريع، وهي رحلة تصعب على سائق متمرس، ما بالك بمبتدئ مثلي.

ولزيادة الأمر سوءا كان الجو عاصفا والمطر يصب بغزارة تصعب معها الرؤية على الطريق المزدحم.

أخيرا، كانت سعادتي بالغة وتنفست الصعداء وأنا أركن السيارة أمام المنزل وأشعر أنني أتممت مغامرة عبرت خلالها المحيط وحيدا على ظهر قارب شراعي.

والآن، بعد 45 عاما كلما تذكرت الرحلة حمدت الله على سلامتي.

البداية التي يمكن وصفها بالدرامية، اقتنيت بعدها ثلاث سيارات؛ فورد فييستا، وغولف، وفورد فوكوس.. إلّا أنّ مجموع الساعات التي أمضيتها وراء المقود لم يتجاوز 200 ساعة.

اقتناء أربع سيارات لم يبدل موقفي من قيادة السيارة، خاصة وأنا أقيم في بلد تعتبر فيه قيادة السيارة مغامرة.

خلال السنوات القليلة الماضية حرصت على متابعة أخبار شركة تسلا لصاحبها الملياردير أيلون ماسك، الذي كان أول من وعدنا بطرح سيارة ذاتية القيادة.

لا أخفي أني أكن إعجابا كبيرا لماسك، وجرأته في خوض المغامرات، رغم وعوده المتعلقة بالسيارات ذاتية القيادة التي كثيرا ما انتهت تجاربها الأولية بالفشل.

اليوم (الأربعاء) سعدت بخبر يقول إن مركبات غوغل ذاتية القيادة (وايمو) تخطت أخيرا حدود المختبرين وطلائع المستخدمين لتكون متاحة للمستهلكين في مدينة سان فرانسيسكو في وقت لاحق من هذا العام. وكانت الشركة قد عممت بعد ثلاث سنوات من الاختبارات، خدماتها للمستهلكين في فينيكس، وهي مدينة بولاية أريزونا تتمتع بتنظيم وطقس مشمس في الغالب.

الوضع في مدينة سان فرانسيسكو مختلف، حيث يتعين على السائق القيادة على تلال شديدة الانحدار بوجود مسارات للدراجات وقطارات الترامواي وأحوال جوية متقلبة.

مع انتشار الخبر كان هناك ما يقرب من 300 ألف شخص ينتظرون الحصول على السيارة “المعجزة”، أي أكثر من ربع سكان المدينة.

بالطبع لست واحدا من هؤلاء، فأنا أقيم في شمال أفريقيا ويفصلني عن  الولايات المتحدة المحيط، وكاليفورنيا على الشاطئ الغربي للولايات المتحدة، وليس لدي مخطط للانتقال والعيش هناك.

لا أعتقد أننا سنشاهد قريبا سيارات ذاتية القيادة تجوب شوارع مدن العالم الثالث، فالأمر يتطلب بنية تحتية معقدة ليس هناك مجال للاستثمار فيها على الأقل بمنظور عشر سنوات قادمة.

رغم ذلك، لن أدع أي شيء يفسد فرحتي، وأنا أشهد بداية النهاية للسيارات التقليدية.

بعد أن أمضيت أكثر من نصف قرن أنتظر اللحظة التي يتحقق فيها الخيال العلمي، أصبحت السيارة ذاتية القيادة حقيقة.

انتظاري الطويل لم يذهب هباء.. السيارة ذاتية القيادة أصبحت حقيقة، وإن لم يكن لدي أي نيّة لاقتنائها، هذه المرة ليس بسبب فقدان الودّ، بل لأن الوقت تأخر كثيرا.

18