قرار تجنيد الحريديم يزيد فرص إسقاط الحكومة الإسرائيلية

يحفز قرار تجنيد اليهود المتدينين (الحريديم) إسقاط الائتلاف الحاكم في إسرائيل والتوجه لانتخابات مبكرة إذ أن انسحاب الحزبين الدينيين من الحكومة كفيل بذلك. وسبق للأحزاب الدينية أن هددت بالانسحاب من الحكومة إلا أن مساعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للتوفيق بين قرار المحكمة ومتطلبات شركائه في الحكم تؤجل الحسم.
القدس - قضت المحكمة العليا في إسرائيل بأنه يتعين على الحكومة البدء في تجنيد طلاب المعاهد اليهودية المتزمتين دينيا (الحريديم) في الجيش، في قرار ينهي إعفاء هذه الفئة منذ فترة طويلة من الخدمة العسكرية من المرجح أن يقوض ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويرى محللون أن هذا القرار "التاريخي" ربما لن يؤدي فورا إلى سقوط الائتلاف الحكومي برئاسة نتنياهو، ولكنه قد يمثل بداية السقوط، في ظل خلافات وانقسامات عديدة. ومع وجود فرصة أمام نتنياهو للسعي إلى التوصل لحل وسط يحافظ على تماسك الائتلاف الحاكم، قال النائب العام الإسرائيلي إنه يتعين البدء على الفور في تجنيد نحو 3000 من طلاب المعاهد الدينية المتزمتين دينيا.
وصار الإعفاء، المعمول به منذ عقود والذي أعفى على مر السنين عددا متزايدا من الأشخاص، نقطة شائكة بشدة في إسرائيل مع انخراط الجيش في حرب في قطاع غزة وتزايد حدة الصراع على الحدود مع لبنان. وخرج اليهود المتزمتون دينيا احتجاجا في القدس الأربعاء، للتعبير عن غضبهم إزاء الحكم الذي يشمل أيضا قطع التمويل الحكومي عن المعاهد التي لا يمتثل طلابها للتجنيد.
ويعول نتنياهو في تماسك حكومته على دعم اثنين من الأحزاب المتزمتة دينيا. وتحاول الحكومة بالفعل صياغة قانون يتوافق مع قرار المحكمة العليا دون إثارة غضب شركائه في الائتلاف. ولا يزال مشروع القانون قيد المناقشة في الكنيست (البرلمان)، ومن الممكن أن يقضي بتجنيد تدريجي لعدد متزايد من الحريديم في الجيش.
ويمكن للحكومة أن تروج لهذا القانون حال موافقة الكنيست عليه كدليل على أنها تنفذ حكم المحكمة مع توفير تعديلات قانونية من شأنها تخفيف التأثير على طلاب المعاهد الدينية من الحريديم. ولكن إذا تعثر مشروع القانون ولم يبق سوى الحكم القضائي فقد يضع ضغوطا إضافية على ائتلاف نتنياهو، ما قد يدفع إسرائيل نحو إجراء انتخابات جديدة.
ماذا يكمن وراء الخلاف؟
يعود إعفاء الحريديم إلى الأيام الأولى بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948 حينما أعفى الاشتراكي ديفيد بن غوريون، الذي كان أول رئيس للوزراء، نحو 400 طالب من الخدمة العسكرية ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية. وكان بن غوريون يأمل من خلال ذلك في حماية المعرفة والتقاليد اليهودية بعد أن كادت تُمحى خلال المحرقة النازية (الهولوكوست).
ومنذ ذلك الحين، صارت الإعفاءات مصدر إزعاج متزايد مع توسع الطائفة سريعة النمو لتشكل أكثر من 13 في المئة من سكان إسرائيل، وهي نسبة من المتوقع أن ترتفع إلى حوالي ثلث السكان في غضون 40 عاما بسبب ارتفاع معدل المواليد بينهم.
وترتكز معارضة الحريديم للانضمام إلى الجيش على إحساسهم القوي بالهوية الدينية، وهو شعور تخشى كثير من الأسر أن يضعف بفعل الخدمة في الجيش. ويؤدي بعض رجال الحريديم الخدمة العسكرية، لكن معظمهم لا يؤدونها، وهو شيء يشعر الكثير من العلمانيين الإسرائيليين بأنه يفاقم الانقسامات الاجتماعية.
◙ معارضة الحريديم للانضمام إلى الجيش ترتكز على الهوية الدينية، وهو شعور يخشى أن يضعف بفعل الخدمة في الجيش
ولا يعمل الكثير من رجال الحريديم لكسب المال، بل يعيشون على التبرعات والمعونات الحكومية وعلى أجور زوجاتهم اللائي تعمل الكثيرات منهن بأجور زهيدة غالبا. ويعيش اليهود الحريديم في الغالب في أحياء معظم سكانها من المتدينين ويكرسون حياتهم لدراسة الدين. وبالنسبة للعلمانيين الإسرائيليين الملزمين بالخدمة في الجيش والذين تسهم ضرائبهم في دعم الحريديم، فإن الإعفاءات تثير لديهم شعورا بالاستياء منذ فترة طويلة. وتزايد هذا الاستياء منذ اندلاع الحرب في غزة.
وينظر الكثير من الإسرائيليين إلى الحرب على حركة حماس على أنها معركة وجودية من أجل مستقبل الدولة. وانضم نحو 300 ألف من قوات الاحتياط إلى القتال. وتشير استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد. وبالنسبة لنتنياهو، فالمخاطر كبيرة. فمع أن الرأي العام يبدو مؤيدا لإلغاء الإعفاء، تضم حكومته حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسرها.
وفي السابق، تعهد الحزبان المتزمتان دينيا، وهما حزب يهودية التوراة المتحدة وحزب شاس، بالتصدي لأي محاولات لإلغاء الإعفاء. وأظهر البعض داخل حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو عدم الارتياح أو المعارضة للإعفاء، منهم وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو جنرال سابق وعضو بارز في الليكود.
ويقول المحلل بصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية نداف إيال، إن قرار المحكمة “أدخل نتنياهو في حالة كاملة من الذعر”. واستدرك إيال “هذا لا يعني أن الحكومة ستسقط، ما الذي ينتظر اليهود المتطرفين بالضبط بعد الانتخابات، باستثناء الخيار الواقعي المتمثل في تشكيل حكومة وحدة دونهم؟”.
وأردف “في المقابل مع نتنياهو، الحريديم أكثر ارتياحا حتى يقول أحد الحاخامات لينكسر وينهار البناء كله. نحن لسنا بعيدين عن ذلك” أي احتمال سقوط الحكومة. وتابع “عصر الخداع انتهى، ويوضح الحكم أنه ليس من الممكن الاحتفاظ بجيش كبير لحمايتنا، في ظل تهرب قطاعات متزايدة من الشعب”، أي عدم خدمة المتدينين بالجيش.
غضب على الأرض
يعتبر الصحفي الإسرائيلي المتدين (من الحريديم) يسرائيل كوهين أن “الشارع الحريدي سيقرر مصير الحكومة". وقال كوهين لوسائل إعلام محلية “منذ قرار المحكمة العليا، نرى أن هناك نوعا من النقاش، تبنى أعضاء الكنيست الأرثوذكس المتطرفون موقفا أكثر اعتدالا". وتابع “لم يتوقع الجمهور الحريدي قرار المحكمة العليا.. وحاليا الحريديم يتساءلون: ما البديل (في حال سقوط الحكومة)؟ وهو لن يكون أفضل".
وأضاف “يكفي حاخام واحد أو عدد قليل من الحاخامات لقيادة خطوة أكثر راديكالية، أي غضب على الأرض من شأنه أن يسبب ضغطا شعبيا وعندها يمكننا أن ندخل في ديناميكية تفكيك الحكومة".
ومنذ 2017 فشلت الحكومات المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد الحريديم، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانونا شُرّع عام 2015 وقضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمسّ بـ"مبدأ المساواة". ومنذ ذلك الحين، دأب الكنيست على تمديد إعفائهم من الخدمة العسكرية، ومع نهاية مارس الماضي انتهى سريان أمر أصدرته حكومة نتنياهو بتأجيل تطبيق التجنيد الإلزامي للحريديم.
اقرأ أيضا:
• نتنياهو أمام ثلاثة خيارات: القضاء على حماس، حل الحكومة أو إنقاذ الصهيونية