كيف تغير الجيش الإسرائيلي

عقيدة "الضاحية" تضفي الشرعية على تدمير البنية التحتية المدنية في مواجهة العنف السياسي والمقاومة المسلحة.
الاثنين 2024/06/24
أيديولوجيا التطرف الديني تغزو الجيش الإسرائيلي

القدس- يعدّ تشكيك المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري العلني لتعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حرب غزة بتدمير حماس، ترديدا لرسالة الجيش قبل ثلاثة عقود إلى رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في مطلع التسعينات.

وقال رئيس الأركان آنذاك دانيال شومرون لرابين “يمكننا حل هذا ولكن ليس بسعر أنت أو نحن على استعداد لقبوله. هذه مشكلة سياسية. تحلها أنت”.

وقدم هاغاري خلال الأسبوع الماضي حجة مماثلة فيما يتعلق بحماس. وقال إن “فكرة تدمير حماس هي ببساطة ذر للرمال في أعين الجمهور… حماس هي فكرة، حماس هي حزب سياسي… كل من يعتقد أننا نستطيع القضاء على حماس مخطئ”.

ويبقى الجيش ورئيس الوزراء على خلاف حول رفض نتنياهو التخطيط لكيفية حكم غزة بمجرد انتهاء الحرب. وحذر ضباط كبار من أن إسرائيل تخاطر بخسارة مكاسبها في الحرب. ويتّهم منتقدو نتنياهو بأن له مصلحة في إطالة أمد الأعمال العدائية.

ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي أن الصراعات بين الجيش ونتنياهو تعمق الاختلافات العميقة القائمة بين صفوف المجندين تحت إمرة هاغاري وشومرون.

وخلقت الأعمال الوحشية التي ارتكبتها القوات المسلحة تحت قيادة شومرون جمهورا إسرائيليا متعاطفا مع حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني رغم جهود الجيش الوحشية لقمع الانتفاضة.

وأدى هذا آنذاك إلى اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل والتخلي عن الكفاح المسلح وإبرام اتفاقات أوسلو. وكانت تلك أيام انضمام حزب شاس المحافظ المتطرف إلى حكومة رابين اليسارية بقيادة حزب العمال قبل الاتفاقات.

i

واقتبس الصحفي أنشيل فيفر من ديفيد لانداو، رئيس تحرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية الراحل قوله في 1993 إن “الحريديم (المحافظون المتطرفون)، بقيادة شاس، كانوا في طليعة تحرك إسرائيل نحو السلام والمصالحة الإقليمية”.

ويبقى شاس اليوم جزءا من حكومة نتنياهو القومية المتطرفة والمحافظة. ويعدّ جيش هاغاري قوة مسلحة زادت وحشية بعد أكثر من نصف قرن من احتلال الأراضي الفلسطينية الذي صُمم للإذلال والإكراه والترهيب.

وهو جيش يلتزم بعقيدة “الضاحية”، التي صاغها الجنرال غادي آيزنكوت لأول مرة في 2008. وآيزنكوت هو رئيس الأركان السابق الذي استقال مؤخرا مع وزير الدفاع السابق بيني غانتس من حكومة الحرب المنحلة الآن.

وتضفي عقيدة “الضاحية”(التي سميت على اسم معقل ميليشيا حزب الله الشيعية اللبنانية في بيروت) الشرعية على التدمير الهائل للبنية التحتية المدنية في مواجهة العنف السياسي والمقاومة المسلحة حيث حوّلت إسرائيل جزءا كبيرا من الضاحية إلى كومة من الأنقاض خلال حربها مع حزب الله سنة 2006.

وتعتبر عقيدة تدمير البنية التحتية ومنازل المدنيين بقوة غير متناسبة أمرا ضروريا في الحروب غير المتكافئة التي يسيطر فيها العدو على أراض مأهولة بالسكان الداعمين له.

ومع تصاعد التوتر مع حزب الله الأسبوع الماضي، أكد الرئيس التنفيذي لمنتدى الأمن الإسرائيلي، المقدم يارون بوسكيلا، على كون “هذا الوقت المناسب لاتخاذ إجراءات ضد حزب الله ولبنان كدولة ومهاجمة البنى التحتية المدنية حتى يخضع حزب الله أيضا لضغوط اجتماعية وشعبية داخل لبنان. نحن في حالة حرب. أي هدف داخل لبنان يسبب ضغطا على المجتمع اللبناني هو هدف مشروع. يمكن أن يكون مطارا أومناطق طاقة أوغيرها”.

وهدد نتنياهو حزب الله في ديسمبر قائلا إنه إذا اختار أن يبدأ حربا شاملة، فإنه سيحول بمفرده بيروت وجنوب لبنان إلى غزة وخان يونس.

وعندما قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بعد عشرة أيام من 7 أكتوبر “إنها أمة بأكملها المسؤولة عن الهجوم “، كان يردّد أفكار أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن عندما كان وزيرا للدفاع في 2018 أنه “لا يوجد أبرياء في غزة”.

وأدلى ليبرمان بتصريحاته بينما أطلقت القوات الإسرائيلية الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية على المتظاهرين السلميين على الجانب الغزي من الحدود.

yy

وتشير تصريحات هرتسوغ وليبرمان إلى أن تطور البيئة الإسرائيلية، التي ترفض رؤية الفلسطينيين كبشر وتضفي الشرعية على لغة العنصرية والإبادة الجماعية،وهي تعود إلى ما قبل هجوم 7 أكتوبر. وهذه بيئة يشجعها الحاخامات المتشددون والسياسيون القوميون المتطرفون.

وتفاخر غانتس، وزير الدفاع السابق، الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه سيكون رئيس الوزراء المقبل، بأن “أجزاء من غزة أعيدت إلى العصر الحجري” خلال حرب عام 2014 حين كان رئيسا للأركان.

ويؤطر هذا مقاطع فيديو لجنود إسرائيليين يحتفلون بموت سكان غزة والدمار الذي لحق بالقطاع ويسخرون من المدنيين الأبرياء بما يردد صدى تصريحات الإبادة الجماعية الصادرة عن القادة والسياسيين الإسرائيليين.

وفي أحد مقاطع الفيديو التي صُوّرت في القطاع والتي عادت إلى الأنظار مؤخرا، اتهم المقدم دافيد ليفي، قائد لواء غيفعاتي والمحارب القديم في الضفة الغربية، بأن هجوم 7 أكتوبر نفذته “حيوانات العرب ذات الساقين، الذين يطلق عليهم في كذبة تاريخية اسم الفلسطينيين… سترسل الإبادة الكاملة وحدها الرسالة إلى بقية الذين يرغبون في أخذ روح الأمة الإسرائيلية”.

ولا يلطّف أعضاء حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو كلماتهم. وقال عضو الليكود في الكنيست، أرييل كيلنر، إن حرب غزة “ستكون انتصارا عندما يخسرون الأرض. عندما يتحول بيت الإسلام إلى بيت اليهود. لن يكونوا قادرين على إنكار النصر. سيكون ذلك انتصارا، انتصارا حقيقيا”.

وتشكك عقيدة الضاحية، وصور الدمار الذي لحق بغزة، ومنشورات جنود الجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصريحات المسؤولين والسياسيين والشخصيات الدينية والمنتقدين، في التأكيدات الإسرائيلية بأن جيشها هو من بين “الأكثر أخلاقية” في العالم.

ودرست إدارة الرئيس الأميركي بايدن معاقبة “نيتسحيهودا” (يهودا الأبدي)، وهي وحدة دينية قومية متطرفة تضم في عضويتها مستوطنين من الضفة الغربية، وترمز إلى التحول في الجيش الإسرائيلي الذي يفسر، إلى جانب عقيدة الضاحية، سلوك إسرائيل الحربي.

وتعكس “نيتسحيهودا”، المرتبطة بانتهاكات متعددة للقانون الدولي أثناء خدمتها خلال جل فترة وجودها في الضفة الغربية، التأثير المتزايد الذي يحظى به القوميون والمحافظون المتطرفون في الجيش.

وكانت المدارس التلمودية الدينية المدعومة من الحكومة، أو يشيفوتهسدر، مسؤولة عن تعليم الكثيرين في سلك ضباط القوات المسلحة لأكثر من عقدين.

وكان الجنرال عوفر وينتر، القائد السابق في لواء غيفعاتي وخريج مدرسة دينية، وهو الذي أشعل نقاشات خلال حرب غزة 2008-2009 لمّا وصفها بأنها تنفيذ “للإرادة الإلهية”.

وقاد وينتر قواته في الصلوات داعيا “يا رب إسرائيل، اجعل مهمتنا ناجحة، لأننا على وشك أن خوض معركة من أجل شعبك، ضد عدو يلعن اسمك”.

uy

وفي مرحلة ما، عرضت مدرسة بني ديفيد الإعدادية ما قبل الخدمة في الجيش اقتباسا على جدارها عن أحد معلميها، الحاخام جوزيف كالنر، يعتبر فيه “جميع اليهود العلمانيين خونة ويمكن للدولة أن تفعل أي شيء لمعاقبتهم، بما في ذلك إطلاق الرصاص على رؤوسهم”.

ونصحت الشرطة الإسرائيلية، التي يشرف عليها وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، الأسبوع الماضي مكتب المدعي العام بتعليق قضية ضد الحاخام إلياهو مالي.

وتلقى المعهد الديني التوراتي ييشيفاة شيرات موشيه في يافا وهو من مؤيدي إعادة التوطين الإسرائيلي الدائم لغزة على أسس دينية، والذي يديره الحاخام إلياهو مالي، دعما حكوميا بقيمة 800 ألف دولار في 2023.

ويهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين مازالوا يقيمون فيما يعرف اليوم بضاحية تل أبيب الجنوبية، والتي كانت ذات يوم المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في فلسطين.

وفي حديثه في مارس في مؤتمر ليشيفوتهسدر، قال مالي مستشهدا بالكتاب المقدس (التوارة)، إن القاعدة الأساسية عند خوض حرب مقدسة (غزة في هذه الحالة) هي عقيدةعدم استثناء أي أحد. واعتبر “هذا منطق واضح جدا. إذا لم تقتلهم، فسيحاولون قتلك. مخربو اليوم هم أبناء الحرب السابقة الذين أبقيناهم على قيد الحياة”.

وتابع “إرهابيو اليوم هم أبناء العملية السابقة التي تركتهم أحياء. النساء هن أساسا من ينتجن الإرهابيين. ليس فقط الصبي البالغ من العمر 14 أو 16 عاما،أو الرجل البالغ من العمر 20 أو 30 عاما هو الذي يحمل سلاحا ضدك وضد جيل المستقبل. لا يوجد فرق حقا”.

6