الاقتصاد الأزرق يعيد الحياة إلى مجتمعات تعيش على الصيد

مبادرة مزارعي الأسماك تساعد على تطوير قدرات المزارعين وتعزيز ممارسات إدارة الأمن البيولوجي من خلال دمج نهج الصحة الواحدة.
السبت 2024/06/22
رزق مهدد

سيدني - يلعب الجنوب العالمي دورا هاما في ضمان الأمن الغذائي المائي الضروري لإطعام سكان العالم الذين تتزايد أعدادهم. ولذلك يجب أن تفيد مبادرات الاقتصاد الأزرق مجتمعات الصيد في الدول النامية والدول الجزرية الصغيرة، حيث ذكر عصام ياسين محمد، المدير العام لمنظمة وورلد فيش البحثية الدولية غير الربحية في بينانغ بماليزيا، أنها تواجه آثارا غير متناسبة لتغير المناخ.

وأضاف محمد، وهو أيضا المدير الأول لنظم الأغذية المائية في المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية، “يعتمد أكثر من ثلاثة مليارات شخص على الأغذية المائية كمصدر رئيسي للبروتين والمغذيات الدقيقة، ويعتمد ما يقرب من 800 مليون شخص على صيد الأسماك لكسب دخلهم. وينتج الجنوب العالمي جزءا كبيرا من الأغذية المائية في العالم وتسجل هذه المناطق 95 في المئة من القوى العاملة في قطاع الصيد”.

نشأ محمد في العاصمة الإريترية، أسمرة، الواقعة على ارتفاع 2325 مترا فوق مستوى سطح البحر. وأدرك قيمة الغذاء في وقت مبكر من حياته. وكان الأطفال مثله متحمسين للمساهمة في الأمن الغذائي في بلادهم التي نالت استقلالها عن إثيوبيا سنة 1991.

وقال إن “لإريتريا، الدولة الساحلية على البحر الأحمر، موارد سمكية وبحرية وفيرة. وكنا نعتقد أن هذه الموارد ستكون حاسمة في جعل البلاد آمنة غذائيا. ولذلك قرر البعض منا دراسة علم الأحياء البحرية وعلوم مصايد الأسماك”.

وعمل محمد في وزارة مصايد الأسماك بإريتريا، وكُلّف بتعزيز استهلاك الأسماك بين سكان المرتفعات الذين لا تجمعهم تقليديا أي صلة بالبحر. ثم أدرك تعقيد قيادة التغيير السلوكي في نظم الناس الغذائية، مع مراعاة التفضيلات الغذائية الثقافية.

أكثر من ثلاثة مليارات شخص على الأغذية المائية كمصدر رئيسي للبروتين والمغذيات الدقيقة

وقرر تلقي تدريب ليكون خبيرا اقتصاديا في مجال التنمية حتى يتمكن من مواجهة هذه المهمة الصعبة وفهم التفاعل بين البشر والنظام البيئي.

وصرّح بقوله “غيّر دمج علوم مصايد الأسماك مع الاقتصاد وجهة نظري وعمّق فهمي للتفاعل المعقد داخل النظم الاجتماعية والبيئية. حدد هذا مسيرتي المهنية، ولم أنظر إلى الوراء أبدا”. ويلتزم محمد بتحسين مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وسط تحديات تغير المناخ وتدهور الموائل والأمراض المائية.

وتؤثر التيارات المحيطية المتغيرة وارتفاع درجة حرارة المياه على الأرصدة السمكية والبنية التحتية الساحلية، وهو ما يؤدي إلى إغراق الأراضي وتغيير النظم الإيكولوجية البحرية، ويؤثر على إنتاجية بعض أنواع الأسماك ويجبرها على الهجرة إلى بيئات أنسب لها.

وقال محمد “في حين لا يزال بإمكان سفن الصيد التجارية الكبيرة ملاحقة هذه الأسماك وصيدها على بعد 20 كيلومترا، إلا أن ذلك يستحيل تقنيا وماليا على صغار الصيادين من أصحاب القوارب الصغيرة. يصبح تغير المناخ هنا قضية عدالة اجتماعية، حيث يؤثر على وصول المجتمعات الساحلية إلى الغذاء ويتسبب في فقدان سبل العيش والهوية الثقافية”.

وأضاف “نحاول في وورلد فيش مساعدة المجتمعات على التكيف مع المناخ بخلق فرص سبل عيش قابلة للتطبيق، بما يشمل تطوير سلالات الأسماك المقاومة لتغير المناخ، واعتماد ممارسات تربية الأحياء المائية المستدامة ومساعدة الحكومات على تعزيز سياساتها المتعلقة بمصايد الأسماك، لضمان ازدهار مجتمعات الصيد وتربية الأسماك المعتمدة على هذه الكائنات البحرية في ظل مناخ متغير”.

كما تساعد أبحاث وورلد فيش على الوقاية من الأمراض المائية التي تسبب خسارة سنوية عالمية تتجاوز 6 مليارات دولار، وذلك بضمان كون الأغذية المنتجة آمنة للاستهلاك البشري.

وقال محمد “تشمل جوانب الاستزراع السمكي الحاسمة أنه بمجرد تعرض الأسماك لمرض ما يمكن أن يهلك المخزون بأكمله. نعمل على تحسين عملية تشخيص صحة الأسماك من خلال مبادرة لاب إين إيه باكباك. وهي أداة رقمية مدمجة تمكن مزارعي الأسماك من تشخيص المرض بسرعة، والاتصال بمقدمي الخدمات للحصول على المشورة العلاجية، وتعلمهم كيفية التعامل مع الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية”.

وتساعد المبادرة مزارعي الأسماك على تطوير قدراتهم في تعزيز ممارسات إدارة الأمن البيولوجي من خلال دمج نهج الصحة الواحدة، الذي يعطي الأولوية لصحة الأسماك والبيئة والبشر.

Thumbnail

ويشكل التلوث البلاستيكي في المحيط إلى جانب الأمراض تهديدا كبيرا للحياة البحرية والنظم الإيكولوجية. وستجتمع الحكومات في الجولة الأخيرة من مفاوضات الأمم المتحدة للتوصل إلى معاهدة عالمية لإنهاء التلوث البلاستيكي في نوفمبر 2024.

وأضاف محمد “يبقى البلاستيك في المحيط، بمجرد دخوله فيه، إلى أجل غير مسمى. رأينا العديد من الحالات التي يضر فيها البلاستيك بالحياة البحرية، المصاصات العالقة في أنوف السلاحف أو الدلافين وآثار المواد البلاستيكية الدقيقة في أنسجة الأسماك. ويعني هذا أن البشر يستهلكون هذه المواد الضارة، ما يؤثر على صحتهم أيضا. ونحتاج إلى معاهدة ملزمة قانونا للتخفيف من التلوث البلاستيكي. نشهد اليوم إجماعا عالميا. ولكن يجب أن يتبعه اتخاذ إجراءات بشأن تقليل استخدام البلاستيك وحتى القضاء عليه وإنشاء نظام قوي لإدارة النفايات”.

وحذر محمد من أن الكثير من الدول المتقدمة تعطي الأولوية للمكاسب الاقتصادية قصيرة الأجل على حساب الاستدامة طويلة الأجل والحفاظ على النظام البيئي البحري العالمي. وقال “نحن بحاجة إلى إدراك رأس المال الطبيعي، أي الحياة البحرية والمحيطات والمسطحات المائية بصفتها بنية تحتية اقتصادية، وإعادة الاستثمار فيها لضمان استمرارها في إعالتنا في المستقبل”.

واعتبر البنك الدولي أن الاقتصاد الأزرق هو “الاستخدام المستدام لموارد المحيطات من أجل النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش والوظائف مع الحفاظ على صحة نظام المحيطات البيئي”.

وتتسرب الاستثمارات في مبادرات الاقتصاد الأزرق إلى البلدان النامية اليوم. وحدد بحث وورلد فيش تركيز 5.9 مليار دولار مخصصة لمبادرات الاقتصاد الأزرق على أوروبا وآسيا الوسطى من 2017 إلى 2021. وشملت 35 في المئة من المشاريع المدروسة مخاطر محتملة لخلق عدم المساواة الاجتماعية أو مفاقمته.

وصرّح محمد لخدمة إنتر برس بقوله “يجب أن تفيد استثمارات الاقتصاد الأزرق البلدان النامية والدول الجزرية الصغيرة. يجب أن يكون أولئك الذين هم أبعد ما يكون عن الركب قادرين على الاستفادة أكثر”.

وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن يصل إجمالي إنتاج مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية (باستثناء الطحالب) إلى أكثر من 200 مليون طن متري في2030.

وقال محمد “يوفر صغار المشغلين في الجنوب العالمي ما يصل إلى 50 في المئة من الأغذية المائية المستهلكة على مستوى العالم. ويعدّ ضمان استفادة هذه المجتمعات من الاستثمارات في الاقتصاد الأزرق ضروريا لتحقيق الرخاء المشترك ومعالجة آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي”.

16