التوترات الإقليمية في آسيا تعيد فكرة تأسيس "ناتو تركي" إلى الواجهة

التخطيط الدقيق والاستثمارات الكبيرة والبراعة الدبلوماسية ستكون ضرورية للإبحار في المشهد الجيوسياسي المعقد وإقامة تحالف عسكري فعال.
السبت 2024/06/22
مصالح أمنية واحدة

باكو - في عصر يتعرض فيه السلام والاستقرار العالميان لتهديد متزايد، عادت إلى الظهور فكرة تشكيل تحالف عسكري بين الدول الناطقة بالتركية على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبدافع من قيرغيزستان التي تقدمت بالمقترح مؤخرا لأذربيجان، يسعى هذا المفهوم إلى الاستفادة من التحالفات التاريخية، والقيم المشتركة، والمصالح المتبادلة لتعزيز الأمن الإقليمي.

وتاريخياً، لعبت التحالفات العسكرية أدواراً محورية في تشكيل المشهد الأمني العالمي والإقليمي. فمن منظمة حلف شمال الأطلسي إلى حلف وارسو المنحل الآن، كانت لهذه الكتل فعالية وتأثير متباين.

وبالنسبة إلى الدول الناطقة بالتركية، فإن الدافع لتشكيل كتلة عسكرية ينبع من عدم الاستقرار الإقليمي المستمر، بما في ذلك الفقر والصراعات العرقية والتوترات الجيوسياسية.

ويرى الصحفي الأذري فؤاد مختار أغبابالي أن احتلال أرمينيا للأراضي الأذرية، على الرغم من الاعتراف الدولي بهذه الأراضي باعتبارها أذرية، يؤكد الحاجة إلى آلية دفاع قوية.

وأظهر انتصار أذربيجان الحاسم في حرب ناغورني قرة باغ عام 2020 إمكانية بذل جهد عسكري موحد بين الدول التركية.

الدافع لتشكيل كتلة عسكرية ينبع من عدم الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك الصراعات العرقية والتوترات الجيوسياسية

ويمكن أن يضم التحالف في البداية أذربيجان وتركيا وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان، وجميعها تشترك في روابط لغوية وثقافية. ومن الممكن أن تتوسع هذه المجموعة الأساسية في نهاية المطاف لتشمل الدول الأخرى المهتمة الناطقة باللغة التركية.

وستكون القيادة المركزية، المشابهة لهيكل الناتو، ضرورية. وستساهم كل دولة عضو بأفراد عسكريين وموارد عسكرية، مع تناوب مسؤوليات القيادة بين الدول الأعضاء.

وعلى غرار المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي، يعتبر الهجوم على أحد الأعضاء هجومًا على الجميع، مما يضمن الدفاع الجماعي.

كما سيضمن التحالف الجهود المنسقة لمكافحة الإرهاب والتمرد والتهديدات العابرة للحدود وتقديم المساعدات أثناء الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية داخل الدول الأعضاء ونشر قوات مشتركة لمهام حفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة أو الولايات الإقليمية.

ويتطلب إنشاء وصيانة حلف شمال الأطلسي التركي استثمارات مالية كبيرة. واستناداً إلى ميزانية حلف شمال الأطلسي والقدرات الاقتصادية للدول الأعضاء المحتملة، تشير التقديرات الأولية إلى أن التكاليف السنوية يمكن أن تتراوح بين 1 و3 مليارات دولار، اعتماداً على نطاق العمليات وحجم التدريبات المشتركة وتطوير البنية التحتية.

وباعتبارها عضوًا في حلف شمال الأطلسي وتمتلك جيشًا قويًا، فإن مشاركة تركيا ستوفر الخبرة الإستراتيجية والعملياتية. ومن الممكن أن تساعد تجربتها في حلف شمال الأطلسي في تشكيل هيكل الحلف وتعزيز إمكانية التشغيل البيني مع قوات حلف شمال الأطلسي.

التحالفات العسكرية لعبت تاريخياً أدواراً محورية في تشكيل المشهد الأمني العالمي والإقليمي

وفي حين أن طموحات إيران وعلاقاتها الإقليمية معقدة، فإن موقعها كقوة مجاورة سيتطلب مشاركة دبلوماسية حذرة لتجنب التصعيد وضمان الاستقرار الإقليمي.

وباعتبارها قوة إقليمية مهيمنة تاريخياً، فإن رد روسيا على الكتلة العسكرية التركية سيكون حاسماً. وسيحتاج التحالف إلى مواصلة تشكيله دون إثارة صراع غير ضروري مع روسيا، وربما البحث عن قنوات دبلوماسية للحفاظ على توازن القوى.

وشهد العالم تحالفات عسكرية إقليمية من قبل، رغم أن أياً منها لا يوازي بشكل كامل حلف شمال الأطلسي التركي المقترح.

وعلى سبيل المثال، لدى مجلس التعاون الخليجي آلية للأمن الجماعي، لكن فعاليتها كانت محدودة.

ويشكل ميثاق الدفاع المشترك التابع لجامعة الدول العربية أيضًا نموذجًا، على الرغم من أنه شهد نجاحًا متنوعًا.

ويتعين على حلف شمال الأطلسي التركي المقترح أن يتعلم من هذه الأمثلة، وأن يضمن الإرادة السياسية القوية، والتمويل الكافي، والتنسيق الفعال بين الدول الأعضاء.

ورغم طموحه يرتكز الاقتراح الخاص بحلف شمال الأطلسي التركي، على الحاجة الإستراتيجية لتعزيز الأمن الإقليمي والتعاون بين الدول الناطقة باللغة التركية.

ومع احتمال أن تلعب أذربيجان دوراً قيادياً، مدعوماً بنجاحاتها العسكرية الأخيرة، فمن الممكن أن يقدم التحالف نموذجاً جديداً للاستقرار الإقليمي.

ومع ذلك، فإن التخطيط الدقيق والاستثمارات الكبيرة والبراعة الدبلوماسية ستكون ضرورية للإبحار في المشهد الجيوسياسي المعقد وإقامة تحالف عسكري فعال.

7