الإعلام المصري يستثمر أزمات الدول لتبرئة الحكومة

مقارنات بين أزمات داخلية ونظيرتها في دول أخرى تثير حفيظة الجمهور.
السبت 2024/06/22
ليست مصر وحدها

تحاول وسائل الإعلام المصرية التابعة للدولة على مدار أشهر الاتكاء على أزمات الدول الأخرى المماثلة لأزمات مصر لاسيما انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار لتبرير عدم قدرة الحكومة على معالجتها.

القاهرة - أوحى التركيز الإعلامي في مصر على ما تعانيه دولة الكويت من انقطاع الكهرباء في بعض المناطق لتخفيف الأحمال، بوجود أهداف خفية تجاوزت حدود التغطيةالتقليدية، حيث منحت رسائله أولوية لإقناع الجمهور بأن أي بلد، غني أو فقير، يمكن أن يتعرض لهذه الأزمة من دون أن تواجه الحكومة انتقادات حادة، كما يحدث مع الحكومة المصرية منذ بدء أزمة انقطاع الكهرباء.

وجاء تسليط الضوء من جانب بعض وسائل الإعلام المصرية على مشكلة الكهرباء في الكويت وبعدها الإكوادور ضمن محاولات البحث عن ثغرات خارجية لالتماس الأعذار للحكومة في مواجهة ما تعانيه البلاد من مشكلات محلية.

وحمل هذا التوجه إسقاطات تشير إلى أن الحكومة بريئة من أزمة انقطاع الكهرباء، لأنها مدفوعة لتخفيف الأحمال كما تفعل الكويت أو الإكوادور، طالما أن هناك ظروفا خارجة عن إرادتها، تستدعي اتخاذ مثل هذا القرار، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ولا داعي لتحميل المؤسسات الرسمية فوق طاقتها أو اتهامها طوال الوقت.

وغاب عن تغطية الإعلام القاهري أن ظروف انقطاع الكهرباء في الكويت تختلف عن نظيرتها في مصر، حيث وصلت درجات الحرارة لما يفوق قدرة الشبكات على الاستمرار طوال اليوم، وتعهد مسؤولون هناك بأن تتوقف خطة تخفيف الأحمال فور زوال السبب المرتبط بارتفاع الحرارة.

حسن علي: الوعي في تزايد وأي مقارنة منقوصة تحمل تضليلا
حسن علي: الوعي في تزايد وأي مقارنة منقوصة تحمل تضليلا  

وبررت الحكومة في مصر الأزمة التي بدأت منذ صيف العام الماضي بعدم وجود سيولة دولارية لاستيراد الوقود، وتحدث مسؤولون عن وجود مشكلة مرتبطة بالتوسع التنموي الذي أثر سلبا على الكهرباء الموجهة للمنازل، وأقرت الحكومة أنها تقوم بتخفيف الأحمال لتوفير مليار دولار سنويا بدلا من رفع أسعار الكهرباء.

وحاولت منابر إعلامية مملوكة للحكومة المصرية على مدار أشهر مضت، البحث عن أي ثغرة خارجية يمكن الاتكاء عليها لتبرير أزمة انقطاع التيار الكهربائي، وجاءت المشكلة التي حدثت في الكويت لتهتم تلك المنابر بتغطيتها بطريقة حاولت من خلالها إقناع الجمهور بأنه يعيش أوضاعا مماثلة تقريبا لما يحدث في دول عربية غنية.

وافتقد الخطاب الإعلامي الموجه للمصريين إلى الواقعية عند مقارنة أسباب أزمة الكهرباء وأبعادها، حيث ركزت التغطية على مشكلة الارتفاع القياسي في درجات الحرارة التي قادت الحكومة الكويتية لتخفيف الأحمال، مع أن انقطاع التيار في مصر لم يتوقف، صيفا أو شتاء، وتم توظيف ما يحدث في الكويت لأهداف سياسية.

ومع كل أزمة تضرب بلدا بعينه تشبه ما يحدث في مصر، على مستوى الغلاء أو نقص بعض السلع أو ارتفاع سعر العملة الأجنبية، يتحول الأمر إلى مادة خصبة في الإعلام للإيحاء بأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي مستقر، والحكومة لم تفشل كما تدّعي بعض الأصوات المعارضة، وهو خطاب يواجه بتحفظ بلغ حد السخرية.

وتظل المعضلة الحقيقية في طريقة تسويق الرسالة إلى الجمهور المصري، وأصبح من الواضح وجود إصرار على تبرير الاصطفاف الإعلامي خلف الحكومة، ولو في طريقة تبرير كل مشكلة محلية، مع أن دور الصحف والبرامج أكبر من البحث عن شماعة لإخفاقات بعض المؤسسات بقدر ما يرتبط الأمر بتوصيف الأزمة من كل جوانبها كي يقتنع الناس بأنهم شركاء في الحل.

وما يعيب تغطيات الإعلام في القاهرة لبعض الأزمات المحلية ومقارنتها بمثيلاتها الخارجية أنها لا تكترث بأوجه الاختلافات السياسية والاقتصادية، كأن هناك تعمدا لإقناع الناس بأن دعم الحكومة لعبور المشكلة فرض عين على كل منبر إعلامي، لأن هناك منغصات يعيشها مواطنون في دول أخرى من المفترض أنها أفضل حالا وأكثر رفاهية من الناحية الاقتصادية.

وتلك النبرة، لا تُجدي نفعا مع جمهور لا يرى من إعلامه سوى الدفاع عن الحكومة طوال الوقت، وهي التي سيعاد تشكيلها بعد أيام قليلة، وأن انتقدها يكون ذلك في ظروف معينة أو وفق المساحة الممنوحة له، لذلك يصل الخطاب الإعلامي بطريقة مصطنعة وموجهة أحيانا، ويتم التعامل بأسلوب يحمل قدرا من الكيدية، مع أنه لو قام بتغطية أي أزمة خارجية بشكل مهني قد يؤدي الغرض المطلوب بشكل غير مباشر.

وتقود الانتقائية الإعلامية عند مقارنة الأمور بين مصر ودول أخرى إلى إثارة الشكوك في مصداقية الرسالة الموجهة للناس، لأن هناك شبهة تعمد لاختيار ملف أو قضية وتجاهل أخرى سياسية أو اقتصادية واجتماعية، وكلما كانت الوسيلة غير مستقلة تفقد الكثير من الثقة في توجهاتها عندما تحاول تقديم خطاب قائم على المقارنة المنقوصة.

وقال حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس ورئيس جمعية حماية المشاهد المصري إن دور الإعلام ليس تبرير المشكلات لتحسين الصورة العامة، بل نقلها بوجهتي النظر، ومحاولة البحث عن حلول لها من خبراء ومتخصصين ومواطنين، مع ضرورة نقل وجهات نظر الشارع في المشكلة بطريقة متوازنة، لأن التنفيس الإعلامي عن الناس وقت الأزمات متنفس مهم.

منابر إعلامية مملوكة للحكومة المصرية تبحث عن أي ثغرة خارجية يمكن الاتكاء عليها لتبرير أزمة انقطاع التيار الكهربائي

وأضاف لـ”العرب” أن المقارنة الإعلامية بين الواقع المصري ونظيره في أي بلد آخر يسيء للإعلام، لأن مستوى الوعي في تزايد، وأي مقارنة منقوصة تحمل تضليلا إعلاميا، وعندما لا يجد الناس معاناتهم في التغطيات الإعلامية مقابل التهوين من كل مشكلة، سوف يتشككون في التوجهات العامة، فالمهنية الحقيقة أن تنقل أحداثا خارجية دون مآرب سياسية مرتبطة بالداخل.

ويغيب عن بعض المنابر الإعلامية في القاهرة نقل وجهتي النظر الإيجابية والسلبية، إذ يمكن تقديم الرسالة بطريقة مرنة وخطاب مقنع للناس يقومان على التعمق والتحليل وتوظيف لغة الأرقام، ومع أن مصر تأثرت فعلا بالأزمة الاقتصادية الراهنة مثل غيرها من غالبية دول العالم، لكن توقف المقارنة عند عنصر واحد لهدف معين ضرب ما تبقى من مصداقية للإعلام.

وتبدو تلك الانتقائية غير مقتصرة على منابر بعينها، وأصبحت جزءا من السياسة التحريرية للكثير من الصحف والبرامج التلفزيونية، حيث يتم التركيز على معاناة المواطنين في دول مختلفة والصرعات التي ضربت بعضها، بغرض تخفيف الضغوط عن الحكومة المصرية، على أمل أن يقتنع الناس بأن بلدهم ليس في غاية السوء، وأن الكل في الهم سواء بسبب الأزمة الاقتصادية.

ويقلل خبراء الإعلام من جدوى تركيز الخطاب الراهن على أزمات الخارج لامتصاص غضب الداخل، لأن الجمهور المصري ليس بالسذاجة التي تدفعه إلى تصديق رسائل لتغيير رؤيته في الحكومة ومنابرها، كما أن الاكتفاء بمقارنات بين أوضاع محلية وخارجية ليشعر الناس بالرضا يعكس انفصال الإعلام عن واقع المجتمع.

وحال استمر الإعلام المصري على نفس الوتيرة، ففرص ترميم العلاقة مع الجمهور قد تصبح بالغة الصعوبة، لأن هناك تصميما على تغييب الحقائق والسعي لتقديم واقع خيالي عبر عقد مقارنات واهية، ولن يتحقق الغرض من الرسالة الإعلامية بقدر ما قد يجلب ذلك الخطاب المزيد من الإحباط في المستقبل، وارتفاع منسوب السخط ضد الحكومة والإعلام معا عندما يجد الناس أوضاعهم كما هي.

5