لبنان لم يعد مكانا مناسبا للاجئين السوريين

تصاعد المشاعر المعادية للاجئين في لبنان دفع المئات من اللاجئين السوريين إلى العودة إلى وطنهم خلال الشهرين الماضيين.
الجمعة 2024/06/14
مشاكل البقاء في لبنان فاقت مخاطر العودة

(إدلب) سوريا - غادر عدد مهمّ من السوريين بلدهم الذي مزقته الحرب وتدفقوا عبر الحدود إلى لبنان لأكثر من عقد، لكن تصاعد المشاعر المعادية للاجئين في هذا البلد دفع المئات من اللاجئين السوريين إلى العودة إلى وطنهم خلال الشهرين الماضيين.

وانطلقوا عبر طريق المهربين الذي تتخلله التضاريس الجبلية النائية. وهم يخوضون الرحلة على دراجات نارية أو سيرا على الأقدام، ثم يسافرون بالسيارة في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة في اتجاه شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة، ويتجنبون نقاط التفتيش أو يقدمون رشاوى لفتح طريقهم.

وكانت أعداد العائدين من لبنان منخفضة للغاية، حتى هذا العام، إلى درجة أن الحكومة المحلية في إدلب التي تديرها جماعة هيئة تحرير الشام المتمردة (جبهة النصرة سابقا) لم تتعقبهم رسميا.

وسُجل حتى الآن وصول 1041 شخصا من لبنان في مايو. وشكّل هذا ارتفاعا من 446 شخصا وصلوا خلال الشهر السابق. وقالت إدارة محلية مدعومة من تركيا تشرف على أجزاء أخرى من شمال غرب سوريا إن عدد الوافدين من لبنان في المنطقة ارتفع أيضا.

ولبنان الصغير الذي دمرته الأزمة هو البلد المضيف لأكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد الواحد في العالم. ونشر هذا مشاعر التوتر. وقد استقبل حوالي 780 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومئات الآلاف غير المسجلين.

ودعا المسؤولون اللبنانيون لسنوات إلى إعادة اللاجئين إلى سوريا أو إعادة توطينهم في مكان آخر، وخاصة منذ غرق البلاد في أزمة اقتصادية غير مسبوقة في 2019.

لبنان استقبل حوالي 780 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومئات الآلاف غير المسجلين

وجاء في تقرير نشرته وكالة الأسوشيتد برس أن التوترات اشتعلت في أبريل الماضي إثر مقتل باسكال سليمان المسؤول في حزب القوات اللبنانية المسيحي القومي على يد عصابة سورية. وقال مسؤولون عسكريون إن الجريمة وقعت أثناء محاولة سرقة سيارته في منطقة جبيل.

وأشعل ذلك أعمال عنف مناهضة للسوريين. وشنت الأجهزة الأمنية اللبنانية حملة على اللاجئين، وداهمت الشركات التي توظف عمالا سوريين لا يحملون وثائق وأغلقتها.

ورحّلت السلطات المئات من اللاجئين. كما نظمت الحكومة اللبنانية رحلات “عودة طوعية” للراغبين في التوجه إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، لكن القليل سجلوا. ويرجع العزوف إلى الخوف من انتقام الحكومة السورية وقوات الأمن.

ولا يزال معظم اللاجئين يفضلون لبنان رغم خطورة وضعه، ويخيّرونه على شمال غرب سوريا، الذي تسيطر عليها الجماعات المسلحة التي تتعرض لقصف منتظم تشنه القوات الحكومية السورية. كما يعانون انخفاض مساعدات المنظمات الدولية التي تقول إن الموارد وُجّهت إلى أزمات أحدث في مناطق أخرى من العالم.

وعاد وليد محمد عبدالباقي إلى إدلب في أبريل. واعتبر أن مشاكل البقاء في لبنان فاقت مخاطر العودة. وقال “كانت الحياة في لبنان جحيما، وخسرت ابني في النهاية”.

واختفى ابنه علي البالغ من العمر 30 عاما، والذي قال عبدالباقي إنه يعاني من انفصام الشخصية، لعدة أيام في مطلع أبريل بعد توجهه من وادي البقاع إلى بيروت لزيارة شقيقته والبحث عن عمل.

وعثرت عليه عائلته في نهاية المطاف في مركز للشرطة في بلدة بعبدا. وكان على قيد الحياة لكن “جسده كان أسود وأزرق”، على حد تعبير عبدالباقي.

المسؤولون اللبنانيون يلومون السوريين على ارتفاع معدلات الجريمة ويدعون إلى فرض المزيد من القيود عليهم

وذكرت بعض التقارير التي نشرتها جماعات ناشطة أنه تعرض للضرب على يد عصابة عنصرية، لكن عبدالباقي أكد أن مخابرات الجيش اللبناني اعتقلت ابنه لأسباب غير واضحة. وقال إن علي وصف تعرضه للضرب والتعذيب بالصدمات الكهربائية، وتوفي بعد عدة أيام.

وقال فيصل دلول، الطبيب الشرعي الذي فحص علي، إنه كان مصابا بجروح “سطحية” متعددة، وكانت نتائج فحوصات رأسه وصدره طبيعية، وخلص إلى أن وفاته كانت طبيعية.

وأثّر هذا على عبدالباقي الذي اقترض 1200 دولار لدفع أجرة المهربين لنقله مع ابنه البالغ من العمر 11 عاما إلى شمال غرب سوريا، في رحلة شاقة عبر الجبال سيرا على الأقدام.

وقال “أمضينا أسبوعا على الطريق وكنا خائفين طوال الوقت”. ويقيم الآن مع أقاربه في إدلب. وقد تضرر منزلهم في غارة جوية ثم أفرغه اللصوص.

وقال محمد حسن، مدير مركز وصول لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية تتابع أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، إن “موجة منسقة من خطاب الكراهية والعنف ضد اللاجئين، يبررها القادة السياسيون” تدفع البعض إلى المغادرة خوفا من ترحيلهم قسرا.

الحكومة اللبنانية نظمت رحلات "عودة طوعية" للراغبين في التوجه إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، لكن القليل سجلوا

وحذر المسؤولون اللبنانيون من الهجمات الفردية على اللاجئين، لكنهم يلومون السوريين بانتظام على ارتفاع معدلات الجريمة ودعوا إلى فرض المزيد من القيود عليهم.

وقال حسن إن الطريق من لبنان إلى إدلب “تسيطر عليه عصابات تهريب لبنانية وسورية مرتبطة بميليشيات محلية وعابرة للحدود”. وأكد أنه لذلك غير آمن.

وترتفع مخاطر هذا الطريق خاصة لأولئك المطلوبين للاعتقال في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية لتهربهم من الخدمة العسكرية أو لانتمائهم الحقيقي أو المشتبه به إلى المعارضة.

وانتقل رمزي يوسف من محافظة إدلب الجنوبية إلى لبنان قبل الحرب الأهلية السورية للعمل. وبقي لاجئا بعد اندلاع النزاع.

وعاد إلى إدلب العام الماضي مع زوجته وأطفاله، ودفع ألفي دولار للمهربين، هربا من “العنصرية وضغوط الدولة والانهيار الاقتصادي في لبنان وانعدام الأمن”.

وتقرر إيقاف الأسرة عند نقطة تفتيش في حلب، حين أدرك الجنود أنها كانت في لبنان. وقال يوسف إنه نُقل بين عدة فروع عسكرية واستُجوب.

وقال “تعرضت للتعذيب كثيرا، على الرغم من أنني كنت خارج البلاد منذ 2009 ولم تجمعني أي علاقة بالحرب. وحمّلوني مسؤولية أشخاص آخرين، وهم من أقاربي”.

ونفت الحكومة السورية تقارير عن التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء في مراكز الاحتجاز وتتهم الحكومات الغربية بشن حملات تشويه ضدها ودعم “الإرهابيين”.

وأطلِق سراح يوسف في النهاية، وأرسل إلى الخدمة العسكرية الإلزامية. لكنه هرب بعد أسابيع وشق طريقه إلى إدلب مع عائلته. وقال إنه لم ينظر إلى الوراء.

وأضاف “صدقوني، أنا سعيد رغم الفقر والعيش في خيمة. ولم أندم حتى الآن على عودتي من لبنان”.

7