انسحاب بيني غانتس من حكومة الحرب يوسع حقل الألغام السياسي في إسرائيل

بنيامين نتنياهو أمام خيارات ضيقة في مواجهة ضغوط اليمين المتطرف.
الجمعة 2024/06/14
ننتظر ونراقب

يزيد انسحاب القائد العسكري بيني غانتس، المحسوب على يمين الوسط في حكومة الحرب الإسرائيلية، من تضييق خيارات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مواجهة ضغوط شركائه اليمينيين المتطرفين في الائتلاف الحاكم. كما أنه يزيد من تعقيد مساعي الولايات المتحدة لوقف الحرب.

واشنطن - يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من توسع حقل الألغام السياسي في إسرائيل ويفضلون تجنب التدخل المباشر في القضايا الحساسة محليا. لكن التداعيات السياسية لاستقالة القائد العسكري السابق بيني غانتس، ولاسيما تعزيز اليمين المتطرف، ستجعل من الصعب تجنب التدخل.

وفي 9 يونيو أعلن القياديان في “حزب الوحدة الوطنية” الوسطي في إسرائيل، رئيسا الأركان العسكريان السابقان بيني غانتس وغادي آيزنكوت، استقالتهما من ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ما أدى إلى تقليص الأغلبية الضيقة للحكومة التي كانت تتمتع بها قبل حرب غزة والتي بلغت 64 مقعداً في الكنيست المؤلف من 120 عضواً.

وقال غانتس عند شرح قراره إن الائتلاف غير قادر على تحقيق “نصر حقيقي” وألقى اللوم مباشرةً على نتنياهو، متهماً إياه بتفضيل السياسات الشخصية على الصالح الوطني. كما دعا إلى إجراء انتخابات مبكرة لكي يتمكن الجمهور من اختيار قيادة جديدة للتعامل مع العديد من القضايا الملحة في إسرائيل. ورداً على ذلك انتقد نتنياهو علانية غانتس على خلفية انسحابه من الحكومة خلال حرب متعددة الجبهات.

ويقول ديفيد ماكوفسكي، مدير مشروع كوريت حول العلاقات العربية – الإسرائيلية، في تقرير نشره معهد واشنطن إن هذه الخطوة تمثل نهاية “حكومة الطوارئ” التي أعقبت 7 أكتوبر الماضي، والتي ركزت السلطة ضمن “حكومة حرب” مختارة فضلت المعتدلين مثل غانتس وغادي آيزنكوت بينما همشت ظاهرياً شخصيتين من اليمين المتطرف، هما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

وكان لغانتس وآيزنكوت تأثير واسع النطاق في الأشهر الأولى من الحرب من خلال ربط دخولهما في التحالف بشرط واحد واضح، وهو أن يركز الجيش جهوده على حماس في غزة، وليس على توسيع النزاع ليشمل حزب الله في لبنان، كما يريد بن غفير وسموتريتش والعديد من الشخصيات الأخرى.

ولعب الجنرالان أيضاً دوراً رئيسياً في تحقيق وقف إطلاق النار قصير المدى مع حماس في نوفمبر والذي شهد إطلاق سراح 105 رهائن. ومع ذلك، وبمرور الوقت، بدا أن نفوذ غانتس يتضاءل، وبدأ يعتقد أنه لا يستطيع إقناع نتنياهو بالإعلان عن إستراتيجية “اليوم التالي” في غزة، ناهيك عن الاستعداد لها. ومن جانبه أصبح نتنياهو مقتنعاً بأن غانتس وآيزنكوت سيستقيلان في مرحلة ما على أي حال، فركز بدلاً من ذلك على دعم جناحه الأيمن وإبقاء حكومته ناشطة.

التأثير المحتمل على الحرب

ديفيد ماكوفسكي: الخطوة تمثل نهاية "حكومة الطوارئ" التي أعقبت 7 أكتوبر الماضي
ديفيد ماكوفسكي: الخطوة تمثل نهاية "حكومة الطوارئ" التي أعقبت 7 أكتوبر الماضي

بينما هدد سموتريتش وبن غفير مراراً وتكراراً بالاستقالة من الحكومة إذا توصلت إلى صفقة رهائن ثانية أو اتخذت خطوات سياسية أخرى غير مستساغة في نظرهما، حاول نتنياهو تهدئتهما، ما أدى إلى تقويض أي نفوذ معتدل متبقّ. وإثر استقالة غانتس فقد نتنياهو غطاءه السياسي. فلم يعد بإمكانه إلقاء اللوم على الضغوط الوسطية على خلفية اتخاذ قرارات في زمن الحرب لا تحظى بشعبية لدى قاعدته اليمينية أو شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف.

وفي المقابل يعزز القرار موقف بن غفير وسموتريتش اللذين سبق أن طالبا بالمزيد من النفوذ في عملية صنع القرار في زمن الحرب. وإذا نجحا في الضغط على نتنياهو لتفكيك حكومة الحرب وإعادة السلطة إلى الحكومة الأمنية الأوسع نطاقاً، حيث يتمتع كلا الوزيرين بعضوية كاملة، فسيتعاظم نفوذهما بشكل كبير.

ولدى نتنياهو خيارات أخرى. فبإمكانه الإبقاء على إطار حكومة الحرب مع وزير الدفاع يوآف غالانت واثنين من المقربين منه، هما وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر وزعيم حزب “شاس” أرييه درعي، مع إشراك وزير الخارجية يسرائيل كاتس ووزير الزراعة آفي ديختر، الرئيس السابق لجهاز الأمن العام “الشاباك”. لكن خبرة هذين الأخيرين لا تضاهي الخبرة العسكرية الرفيعة التي يتمتع بها غانتس وآيزنكوت، وبالتالي لا يمكنهما أن يحلا محلهما.

وفي غضون ذلك لا يخفي بن غفير وسموتريتش رغبتهما في إفشال محاولة الرئيس الأميركي جو بايدن التوصل إلى اتفاق جديد بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار، والذي تأمل واشنطن أن يتطور إلى انسحاب إسرائيلي من غزة. فقد دفعا باتجاه احتلال عسكري إسرائيلي واسع النطاق وبناء مستوطنات يهودية في القطاع، واصفين الصفقة المحتملة

بأنها “استسلام”، ما اضطر نتنياهو إلى التصريح علناً بأن إعادة التوطين “غير واردة على جدول الأعمال”. كما أنهما يعارضان التطبيع مع السعودية بوساطة أميركية إذا كان ذلك يعني منح  تنازلات حتى تجاه فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. وقد استخدم سموتريتش منصبه لإضعاف السلطة الفلسطينية بصورة أكثر وزعزعة استقرار الضفة الغربية من خلال خفض تحويلات عائدات الضرائب، ودعا إلى اتخاذ إجراءات “حاسمة” ضد السلطة الفلسطينية بعد ساعات فقط من استقالة غانتس.

◙ نتنياهو لم يعد بإمكانه إلقاء اللوم على الضغوط الوسطية في اتخاذ القرارات التي لا تحظى بشعبية لدى شركائه

ومن المرجح أن تتفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن التوسع الاستيطاني وعنف المستوطنين وقضايا أخرى متعلقة بالضفة الغربية إذا استمر سموتريتش بدفع الحكومة في اتجاه متشدد. وفي ظل هذه التحديات يواجه نتنياهو اختباراً فورياً: هل سيقف إلى جانب الأجهزة الأمنية، التي يقال إنها مشككة للغاية في أهداف بن غفير وسموتريتش المتعلقة بالأمن القومي؟ إذا استسلم رئيس الوزراء لليمين المتطرف من أجل ضمان بقائه على الصعيد السياسي، فستخشى عدة شخصيات أن تكون النتيجة حرباً متسرعة في لبنان، وانقسامات أعمق مع واشنطن، ونهاية لآمالهم في التوصل إلى اتفاق مع الرياض يمكن أن يعزل إيران.

من الناحية النظرية يمكن أن تظل الحكومة الحالية المؤلفة من 64 مقعداً سليمة إلى حين إجراء انتخابات الكنيست المقبلة المقررة في عام 2026. ولكن من الناحية العملية يكاد يكون من المؤكد أن عدة حقول من الألغام السياسية ستقلص فترة ولايتها، أبرزها الفشل في تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية ضد حماس.

أما السؤال الرئيسي الآخر فيتعلق بما إذا كانت استقالة غانتس وآيزنكوت ستعزز الاحتجاجات العامة المستمرة ضد الحكومة، كما توقع بعض المحللين. ما هو عدد المتظاهرين الذين يستطيع غانتس المتحفظ نسبياً حشدهم مقارنة بشخصيات المعارضة متصلبة الرأي مثل يائير لابيد وأفيغدور ليبرمان؟ بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن ستطلاعات الرأي تظهر أن الإسرائيليين يفضلون باستمرار إجراء انتخابات مبكرة، فإن أعداد مؤيدي نتنياهو ارتفعت من أدنى مستوياتها على الإطلاق مباشرةً بعد السابع من أكتوبر، لذلك من السابق لأوانه استبعاده.

وربما يتمثل التحدي المحلي الأكثر حساسية الذي يواجهه في مشروع القانون المقترح، الذي طالب به شركاؤه المتدينون من أجل تأمين الإعفاء الدائم لناخبيهم من التجنيد العسكري. ومع ذلك يدرك الجمهور الأوسع نطاقا الحاجة إلى المزيد من الطاقة البشرية العسكرية منذ السابع من أكتوبر، وتظهر استطلاعات الرأي عداء واسع النطاق تجاه مشروع القانون حتى لدى حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، فضلاً عن زيادة دعم المعارضين الثابتين للإعفاء مثل ليبرمان.

استقرار الحكومة

إذا سقطت الحكومة أو دعا نتنياهو إلى إجراء انتخابات مبكرة، فمن غير الواضح مدى احتمال أن يحل محله غانتس كرئيس وزراء
☺إذا سقطت الحكومة أو دعا نتنياهو إلى إجراء انتخابات مبكرة، فمن غير الواضح مدى احتمال أن يحل محله غانتس كرئيس وزراء

وتتداول المحكمة العليا حاليا الطعون المقدمة بشأن الإعفاء، ومن الواضح أن القضاة نفد صبرهم من طلبات الحكومة المتكررة لتأجيل إصدار قرار منذ شهر مارس، عندما انتهى أجل التنازل عن إخطارات التجنيد. وقد تمت الموافقة على قراءة أولية لمشروع القانون هذا الأسبوع، ولكن من غير المرجح أن يتم طرحها للتصويت النهائي في الكنيست قبل جلسة الخريف. ومن المثير للاهتمام أن غالانت كان عضو الائتلاف الوحيد الذي صوت بـ“لا” خلال القراءة الأولية.

وإذا سقطت الحكومة أو دعا نتنياهو إلى إجراء انتخابات مبكرة، فمن غير الواضح مدى احتمال أن يحل محله غانتس كرئيس وزراء. فهو يتفوق على نتنياهو في استطلاعات الرأي حول مدى ملاءمته لهذا المنصب، ويتصدر حزبه آخر استطلاعات الرأي. لكن جزءاً كبيراً من قوته يأتي من ناخبي يمين الوسط الذين ينظرون إليه كمرشح وحدة عازم على وضع البلاد في المقام الأول. وفي الحملة الانتخابية قد يواجه منافسة شديدة من أجل هؤلاء الناخبين، بما في ذلك من رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت ورئيس الموساد السابق يوسي كوهين.

من ناحية السياسة الخارجية كانت علاقات نتنياهو مع إدارة بايدن متوترة حتى مع وجود غانتس وآيزنكوت، إلا أنهما كانا يضطلعان بدور ضابط معتدل للحكومة، وكان من الممكن أن تحتد الخلافات السياسية إلى حد كبير بدونهما. فبين واشنطن وتل أبيب خلافات واضحة حول قضايا متعددة، من بينها صفقة الرهائن المقترحة، والتخطيط الإستراتيجي لـ”اليوم التالي”، والتصعيد العسكري المحتمل ضد هجمات حزب الله المتزايدة في الشمال، وإجراءات سموتريتش المستمرة ضد السلطة الفلسطينية.

وبناءً على ذلك سيكون من المنطقي أن تركز واشنطن على إشراك غالانت. فنظراً لاعتماد إسرائيل على الدعم الأمني الأميركي، فإن وزراء دفاعها عادةً ما يكونون أكثر إدراكاً من المسؤولين الآخرين للضرورة الإستراتيجية للحفاظ على العلاقات الثنائية الوثيقة. ويصح ذلك بشكل خاص وسط الجدل القائم حالياً حول تزويد القوات الإسرائيلية بالقنابل الثقيلة خلال الحرب. وبالإضافة إلى ذلك دفع غالانت نحو زيادة المساعدات الإنسانية لغزة (مردداً موقف غانتس) والانخراط بشكل وثيق مع إدارة بايدن بشأن الحملة العسكرية في رفح.

ووفقاً لمسؤولين أميركيين فضل غالانت إجلاء العديد من المدنيين من رفح قبل بدء العملية ثم التحرك بشكل منهجي عبر المنطقة لإتاحة المزيد من الوقت لعمليات الإجلاء. وقد نُقل فعلياً ما يقدر بمليون شخص من سكان رفح، وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية تعتقد أن ظروفهم المعيشية الحالية غير ملائمة، إلا أنها لم تنتقد إسرائيل علناً على هذه الجبهة، وبدلاً من ذلك اعترفت بأن العمليات القتالية المكثفة لم تبدأ إلا بعد أن أصبح المدنيون بمنأى عن الخطر إلى حد كبير.وفي البداية ركزت إسرائيل على فرض سيطرتها على ممر فيلادلفيا الحيوي على طول الحدود بين مصر وغزة وتدمير الأنفاق العابرة للحدود، ما أدى إلى تأخير دخولها إلى الأجزاء الأكثر كثافة سكانية في رفح.

وفي المرحلة القادمة سيدرك المسؤولون الأميركيون جيداً أنهم يواجهون حالياً حقل ألغام سياسيا في إسرائيل ويفضلون تجنب التدخل المباشر الذي يمكن أن ينفجر ويؤدي إلى أزمة ثنائية واسعة النطاق. لكن التداعيات السياسية المحتملة لاستقالة غانتس -وخاصة تعزيز موقف أعضاء الائتلاف اليميني المتطرف- ستجعل من الصعب على واشنطن أن تتجنب تماماً الإعلان عن وجهة نظرها حيال بعض القضايا الحساسة المتعلقة بالحرب، لاسيما مع اقتراب الانتخابات الأميركية في نوفمبر. وسيتوجب على نتنياهو أن يختار بين الوقوف إلى جانب غالانت والمؤسسة الأمنية أو الاستسلام لسموتريتش وبن غفير.

6