الأردن ينضم إلى قائمة أعداء الثيوقراطية في إيران

عمان لا تملك سوى الاعتماد على قواتها الأمنية ومخزونها من الدعم المحلي ومناوراتها السياسية لمواجهة التهديدات.
الجمعة 2024/06/07
مخاطر أمنية تتربص باستقرار الأردن

إيران ووكلاؤها بذلوا كل ما في وسعهم لزعزعة استقرار الأردن خلال حرب غزة، بدءا من التحريض على الاحتجاجات وزيادة تهريب المخدرات والأسلحة إلى تصاعد التهديدات المسلحة من العراق.

عمّان - بعد مرور سبعة أشهر على الحرب في غزة، لا تعلن الدول العربية عن علاقاتها المستمرة مع إسرائيل. وعلى الرغم من الازدراء الشعبي واسع النطاق لإسرائيل في المنطقة، إلا أن الاتصالات الهادئة لا تزال مستمرة.

والدليل الأكثر وضوحا على التعاون العربي المستمر مع الدولة اليهودية جاء في الثالث عشر من أبريل، خلال الهجوم الصاروخي والطائرات بدون طيار غير المسبوق الذي شنته إيران.

وفي تلك الليلة، وتحت رعاية الولايات المتحدة، شاركت عدة دول عربية بدرجات متفاوتة في مساعدة إسرائيل على تعقب واعتراض وهزيمة أكثر من 300 قذيفة إيرانية كانت تستهدف إسرائيل. وربما ليس من المستغرب، من بين الدول العربية المعنية، أن تخصص طهران انتقاداتها القاسية للأردن.

ووضعت حرب غزة الأردن في موقف محفوف بالمخاطر. ولم تكن المملكة في سلام مع جارتها إسرائيل منذ عام 1994 فحسب، بل تحتفظ عمان بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وتلعب المملكة الهاشمية “دورا خاصا” في إدارة الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس، وحوالي 60 في المئة من سكانها من أصل فلسطيني.

ليس هناك الكثير مما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتعزيز مرونة المملكة في مواجهة التهديدات الإيرانية
ليس هناك الكثير مما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتعزيز مرونة المملكة في مواجهة التهديدات الإيرانية

وانتشرت الاحتجاجات في الأردن في كل مكان منذ بدء الحرب في أكتوبر. وفي حين يبدو أن المملكة قادرة على التعامل مع المظاهرات، فإن التركيز الإيراني المتزايد على الأردن يثير القلق.

ويقول ديفيد شينكر، مدير برنامج روبين للسياسة العربية في تقرير نشرته مؤسسة هوفر، إن طهران ترى أن الأردن ضعيف وتسعى إلى استغلال الحرب لزعزعة استقراره.

وفي الفترة التي سبقت الهجوم الإيراني في الثالث عشر من أبريل، حذرت طهران الأردن من التدخل. وذكرت وكالة فارس للأنباء التابعة للنظام أن إيران “تراقب تحركات الأردن”، وإذا تدخلت “فستكون الهدف التالي”.

وفي أعقاب الضربة، يبدو أن إيران نظمت حملة إعلامية وعبر الإنترنت ضد الأردن لدوره في إسقاط طائرات بدون طيار إيرانية والسماح للطائرات الإسرائيلية والأنظمة المضادة للصواريخ بالاشتباك فوق أراضي المملكة. كما زعمت الحكومة الدينية أن عمان استضافت مركز قيادة عمليات التحالف لإحباط الهجوم.

ورد الأردن على انتقادات إيران من خلال التقليل من أهمية العلاقة مع إسرائيل، وبدلا من ذلك وضع القضية في إطار مسألة سيادة.

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي “مهما كانت الأجسام… التي تنتهك مجالنا الجوي والتي نعتقد أنها تشكل خطرا على الأردن سنفعل كل ما في وسعنا لإنهاء هذا التهديد وهذا ما فعلناه”. وفي الوقت نفسه، بدا أيضا وكأنه يلوم إسرائيل على القصف الإيراني، مشيرا إلى ضرورة “التعامل مع سبب كل هذا التوتر، وهو العدوان الإسرائيلي على غزة”.

وفي محادثات مع نظيره الإيراني الراحل حسين أمير عبداللهيان بعد وقت قصير من الثالث عشر من أبريل، سعى الصفدي إلى اتباع مسار أكثر تصالحية.

وقال لبعداللهيان إن الأردن يريد “علاقات جيدة مع طهران، لكن ذلك يتطلب، من بين أمور أخرى، وقف التدخل في شؤون الأردن”.

وأضاف “لا يمكن لإيران ولا لأي شخص آخر أن يحاسبنا عما يفعله الأردن، أو ما يقدمه الأردن، أو ما قدمه الأردن تاريخيا لفلسطين”.

وبعد أسبوعين، وفي غياب أي تقدم على هذه الجبهة، استدعى الصفدي السفير الإيراني للشكوى من “الإهانات” للأردن من قبل “وسائل الإعلام الإيرانية، بما في ذلك وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية”.

ومع ذلك، فإن تدخل إيران في الشؤون الأردنية يتجاوز الانتقادات العلنية والإهانات. وفي الواقع، الأمر الأكثر إشكالية هو أن التدخل الإيراني في المملكة يمتد إلى وكلاء طهران وحلفائها الإقليميين، الذين أصبحوا منذ أكتوبر منشغلين بشكل متزايد بمحاولة زعزعة استقرار الأردن.

من المرجح أن يلعب التعاون الأمني الأردني – الإسرائيلي المستمر والهادئ دورا مهما في المساعدة على تأمين المملكة

وانتقد حزب الله اللبناني، على سبيل المثال، الأردن لمواجهته الهجوم الإيراني على إسرائيل.

وبعد أيام على الغارة، حذر نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم من أن سكان الدول العربية الذين دعموا إسرائيل في الثالث عشر من أبريل “سيحاسبون”. كما هددت الميليشيا العراقية الشقيقة لحزب الله اللبناني، كتائب حزب الله، وهي ميليشيا في الحشد الشعبي مدعومة من إيران، المملكة.

وفي أوائل أبريل، أعلنت كتائب حزب الله أنها تستعد لتجهيز 12 ألف مقاتل في المملكة بالأسلحة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ التكتيكية لنشرها ضد إسرائيل. وقال أحد مسؤولي كتائب حزب الله “دعونا نبدأ أولا بقطع الطريق البري الذي يصل إلى الكيان الصهيوني”.

وتشكل هذه التهديدات مصدر إزعاج للمملكة الهاشمية، لكن أنشطة وكلاء إيران الآخرين لها تأثير مباشر أكثر.

فإغلاق باب المندب، وتعطيل الشحن التجاري في البحر الأحمر من قبل وكلاء إيران في اليمن (الحوثيين)، له تأثير ضار على ميناء الأردن الوحيد، ميناء العقبة.

وانخفضت حركة الحاويات إلى العقبة بنسبة 23 في المئة تقريبا في الأشهر الأولى من عام 2024 مقارنة بعام 2023. وانخفض إجمالي الصادرات في فبراير بنسبة 36 في المئة تقريبا مقارنة بالعام السابق وانخفضت إيرادات ميناء العقبة بشكل حاد.

لا عجب أن ترفض عمان على الفور اقتراح استضافة قيادة حماس على أراضيها إذا اضطرت إلى مغادرة قطر

وفي الوقت نفسه، ارتفعت صادرات المخدرات غير المشروعة إلى الأردن من سوريا، الشريك الإستراتيجي لطهران.

وشهد عام 2024 ارتفاعا كبيرا في عدد الشحنات المحظورة من الكبتاغون المهربة عبر الحدود الشمالية للمملكة.

ويقوم الجيش الأردني على نحو متزايد بإسقاط طائرات بدون طيار تنقل المخدرات من سوريا، ويشترك في تبادل إطلاق النار مع عصابات المخدرات على طول الحدود. وبعد شهرين على بدء حرب غزة، قصفت القوات الجوية الأردنية مصنعا للكبتاغون في سوريا.

ومما يزيد الطين بلة أن هذا التهريب من سوريا إلى الأردن يركز بشكل متزايد على نقل الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الخفيفة، ولكن أيضا الأسلحة المضادة للدبابات وقاذفات الصواريخ والمتفجرات والألغام المضادة للأفراد.

وفي حين أن بعض هذه الذخائر، التي ينقلها عملاء تابعون لإيران، ستبقى في المملكة، فإن الغالبية العظمى منها تمر عبرها، متجهة إلى الضفة الغربية، التي تسعى طهران أيضا إلى إغراقها بالأسلحة على أمل تآكل الأمن الإسرائيلي.

ولكن الأمر الأكثر إشكالية بالنسبة للأردن هو تصرفات حماس، وهي عضو آخر في ما يسمى “محور المقاومة” الإيراني.

وفي الأشهر الأخيرة، وبتشجيع واضح من طهران، اتخذت حماس عدة خطوات تهدف على ما يبدو إلى تقويض الاستقرار في المملكة.

وفي اليوم العالمي للمرأة في شهر مارس، ألقى رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل خطابا عبر الإنترنت من قطر، دعا فيه الملايين من الأردنيين إلى النزول إلى الشوارع دعما لحماس. وفي اليوم نفسه، أصدر زعيم حماس في غزة محمد الضيف تسجيلا صوتيا يحث فيه العرب الذين يعيشون على حدود إسرائيل (أي الأردنيين) على الانضمام إلى القتال ضد الدولة اليهودية.

ومؤخرا، في الرابع والعشرين من أبريل، ألقى المتحدث باسم حماس أبوعبيدة، الذي أصبح الآن بطلا شعبيا في المملكة، خطابا بمناسبة مرور 200 يوم على حرب غزة.

Thumbnail

ودعا أبوعبيدة في خطابه الأردنيين إلى “تصعيد إجراءاتهم” و”رفع الصوت” ضد إسرائيل. وتشير التقارير الإعلامية إلى أنه وبعد فترة وجيزة، تجمع حشد كبير للاحتجاج أمام السفارة الإسرائيلية في عمان.

ويأخذ الأردن تحريض حماس على محمل الجد، ولا عجب إذن أن ترفض عمان على الفور اقتراح استضافة قيادة حماس على أراضيها إذا اضطرت إلى مغادرة قطر. وطردت المملكة حماس في أكتوبر 1999، قبل وقت طويل من تطور الحركة الإسلامية.

وفي أعقاب هجمات السابع من أكتوبر، يرى الأردن بشكل متزايد أن حماس تشكل تهديدا مدعوما من إيران. وفي عام 2004، بعد وقت قصير على الغزو الأميركي للعراق، تنبأ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بإنشاء “هلال شيعي” تهيمن عليه إيران.

وبعد مرور عقدين من الزمن، فإن هذا الهلال، الذي تسيطر عليه طهران ووكلاؤها، يمر عبر المملكة، كما أن حرب إسرائيل المستمرة مع حماس في غزة توفر لإيران فرصا لم تكن متاحة سابقا للحكم الديني للتسلل ومحاولة تقويض الاستقرار.

وحتى الآن، أثبتت قوات الأمن الأردنية براعتها في إدارة المظاهرات، واستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات عند الضرورة، وتجنب الأساليب الأكثر عنفا واستفزازا للسيطرة على الحشود وتفريقها. ومع ذلك، وعلى الرغم من النهج المدروس الذي اتبعته المملكة، فإن الطبيعة المستمرة للاحتجاجات والتعاطف العميق لدى جزء كبير من السكان مع معاناة الفلسطينيين في غزة لا يتركان للنظام الأردني مجالا كبيرا للخطأ.

وكما أظهر يوم الثالث عشر من أبريل، فإن مثابرة الأردن كشريك سلام مؤيد للغرب وقوة اعتدال تظل مصلحة أميركية أساسية في المنطقة.

ولسوء الحظ، ليس هناك الكثير مما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، بخلاف الحفاظ على دعمها المالي الكبير الحالي والتعاون الإستراتيجي الوثيق، لتعزيز مرونة المملكة في مواجهة التهديدات الإيرانية.

وفي حين أن سياسة الولايات المتحدة الأكثر قوة تجاه إيران والتي تزيد من تكلفة جهود طهران الرامية إلى زعزعة استقرار شركائها عبر وكلائها قد تكون مفيدة، فمن غير المرجح اعتماد هذا النوع من النهج في أي وقت قريب.

وكما حدث في الكثير من الأحيان في الماضي، سيتعين على الأردن الاعتماد على قواته الأمنية، ومخزونه من الدعم المحلي، ومناوراته السياسية للتغلب على العاصفة. ونظرا للتهديد الإيراني الحاد، فمن المرجح أن يلعب التعاون الأمني الأردني – الإسرائيلي المستمر والهادئ دورا مهما في المساعدة على تأمين المملكة.

6