غضب أنقرة وواشنطن يدفع أكراد سوريا لتأجيل الانتخابات المحلية

القامشلي (سوريا) - دفعت موجة غضب وانتقادات من خصومها وداعميها، الإدارة الذاتية الكردية إلى تأجيل انتخابات للمجالس البلدية كانت تعتزم تنظيمها في شمال سوريا وشرقها الأسبوع المقبل.
وكانت تلك الخطوة قد أثارت غضب تركيا الخصم اللدود لأكراد سوريا والتي تنفذ من حين إلى آخر غارات جوية على معاقلها أو هجمات تشنها فصائل سورية موالية لأنقرة. كما أثارت غضب الولايات المتحدة أبرز داعميها.
وكان يُفترض أن تجري الانتخابات في 11 يونيو الحالي، لكن المفوضية العليا للانتخابات في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية أعلنت تأجيلها إلى أغسطس القادم "استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة" فيها.
وأوضحت أن تلك الأحزاب اعترضت "على ضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية" في هذه الانتخابات التي كان يفترض أن يشارك فيها حوالي 18 حزبا ومستقلون، وفق ما قال صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي أبرز الأحزاب الكردية في الإدارة الذاتية.
وقال مسلم الخميس إن "المفوضية العليا للانتخابات ذكرت كل الأسباب" التي استدعت التأجيل، نافيا أن تكون هناك "أسباب أخرى"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أنّ مفوضية الانتخابات "ربما أخذت الظروف السياسية بعين الاعتبار".
وبعد عقود من التهميش في ظل حكومات سورية متعاقبة، أعلن الأكراد إثر اندلاع النزاع إقامة "إدارة ذاتية" بعد انسحاب قوات النظام من مناطق يشكلون غالبية سكانها في شمال البلاد وشرقها، من دون مواجهات. وبنوا مؤسساتهم الخاصة.
وتوسعت مناطق سيطرتهم تدريجا لتشمل ربع مساحة البلاد بعدما خاض المقاتلون الأكراد الذين يقودون قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا، معارك عنيفة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية.
وجاء التأجيل وسط انتقادات صدرت على أكثر من مستوى، رغم إصرار مسؤولين محليين على أن الانتخابات "شأن داخلي"، هدفها النهوض بالواقع الخدمي في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، الموزعة على سبع مقاطعات، يقيم فيها أكراد وعرب.
وكانت تركيا التي تسيطر على شريط حدودي طويل في شمال سوريا، سارعت إلى التنديد بما وصفته بأنه "أفعال عدوانية" ضدها "تحت ذريعة الانتخابات" عند الإعلان عن موعدها.
ونقلت قناة "تي أر تي" التركية الحكومية عن مصدر أمني قوله الخميس إن "الموقف الذي أعربت عنه تركيا قد أتى ثماره"، في تعليق على تأجيل الانتخابات.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مناورة عسكرية في إزمير نهاية الشهر الماضي "لن تسمح تركيا أبدا للمنظمة الانفصالية بإقامة دولة إرهابية" قرب حدود بلاده، ملوحا "بالتصرف مجدداً" في مواجهة محاولة "فرض أمر واقع".
وشنّت القوات التركية بين العام 2016 و2019 ثلاث هجمات واسعة في سوريا استهدفت المقاتلين الأكراد، فيما تعتبر أنقرة حزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز أحزاب الإدارة الذاتية، امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا ضدها منذ عقود، كما تُصنّف الوحدات الكردية، الذراع العسكرية للحزب، "منظمة إرهابية".
وخفّف مسلم في وقت سابق من أهمية التهديد التركي، معتبرا أن أنقرة "لا تحتاج لأسباب وحجج لمهاجمة مناطقنا"، في حين لم تتردد واشنطن، حليفة أنقرة في حلف شمال الأطلسي والداعمة الرئيسية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في دعوة الإدارة الذاتية للتراجع عن الانتخابات أيضا.
وقال نائب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل في بيان الأسبوع الماضي "لا نعتقد أن الظروف الملائمة لمثل هذه الانتخابات متوافرة في شمال شرق سوريا في الوقت الحاضر"، موضحا أن بلاده حثّت "الجهات الفاعلة في شمال شرق سوريا بما في ذلك الإدارة الذاتية على عدم المضي قدما في الانتخابات في الوقت الحالي".
وفي حين لم يصدر عن دمشق التي تأخذ على الأكراد نزعتهم "الانفصالية" وتلقيهم دعما أميركيا، أي موقف إزاء الانتخابات، إلا أن مكونات سورية عدة انتقدت ما وصفته بـ"التفرد بالقرار"، وهو اتهام يرفضه مسلم.
وعلى المستوى الداخلي، قاطع حزب المجلس الوطني الكردي الذي يشوب التوتر علاقته مع أحزاب الإدارة الذاتية، الانتخابات. ورأى عبدالله كدو، ممثل المجلس في الهيئة السياسية للائتلاف الوطني، أبرز تشكيلات المعارضة في المنفى، أن مشروع الانتخابات "يفتقر إلى الشفافية والتشاركية، مع عدم توفر البيئة الحيادية الآمنة اللازمة".
واعتبر أن الانتخابات ليست "إلا حلقة جديدة من سلسلة السياسات الفردية الاقصائية التي تنفذها سلطات الإدارة الذاتية" في مجالات عدة لانتزاع "اعتراف بها، أي شرعية من الخارج".
وليست هذه أول انتخابات للإدارة الذاتية خلال السنوات الماضية، لكنها الأولى التي كان ينبغي أن تشمل جميع مناطق سيطرتها، ففي العام 2015، اقتصرت انتخابات المجالس البلدية على مقاطعة الجزيرة، أي الحسكة. وفي عام 2017، على ثلاث مقاطعات فقط.
وكان يفترض أن يشارك أكثر من "5 آلاف مرشح" و"نحو مليوني ناخب"، وفق ما أكدت الرئيسة المشتركة للمفوضية العليا للانتخابات روكن ملا ابراهيم.
وقبل التأجيل، قال سلمان مصطفى بارافي المرشح للمرة الأولى عن حزب الوحدة، أحد أحزاب الإدارة الذاتية "هدفنا تحسين الخدمات اليومية"، موضحاً أنّ "البلديات هي من المؤسسات الرئيسية لأنها تجمع الخدمات كافة من نظافة وتوفير مياه وصيانة وتجديد الطرق".