حضور كبير للنخيل في تراث مصر ومأثورها الشعبي

يخصص أطلس المأثورات الشعبية المصرية التابع للهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة ملتقاه الثاني هذا العام لتدور دراساته في فلك موضوع "النخيل في التراث والمأثور الشعبي"، كما صدر في القاهرة كتاب حمل العنوان ذاته، ويتضمن ثلاثة محاور خصصت للحديث عن حضور النخيل في العادات والتقاليد والأدب الشعبي والصناعات والحرف المرتبطة به. وللنخيل حضور بارز في تراث مصر ومأثورها الشعبي.
الأقصر (مصر) - يتفرّد النخيل بحضور كبير في التراث والمأثور الشعبيين في مصر، ويحظى باهتمام كبير من قبل الباحثين والمؤسسات المعنية بجمع وتوثيق ودراسة التراث الثقافي المادي وغير المادي. وفي إطار ما يتمتع به النخيل من مكانة في التراث المصري بكل صوره، فقد خصص أطلس المأثورات الشعبية المصرية (التابع للهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة) ملتقاه الثاني هذا العام لتدور دراساته في فلك موضوع "النخيل في التراث والمأثور الشعبي".
وفي هذه المناسبة، صدر في القاهرة كتاب حمل ذات العنوان، جمعت فيه الإدارة المركزية للدراسات والبحوث "أبحاث الملتقى الثاني لأطلس المأثورات الشعبية المصرية". واشتمل الكتاب على ثلاثة محاور؛ الأول حمل عنوان "النخيل في العادات والتقاليد والممارسات الشعبية"، وتضمن خمس دراسات، والمحور الثاني جاء بعنوان "النخيل في الأدب الشعبي"، وتضمن ثلاث دراسات، وأما المحور الثالث فكان عنوانه "الصناعات والحرف المرتبطة بالنخيل"، وتضمن أربع دراسات.
وقدم الدراسات التي احتواها الكتاب مجموعة من الأكاديميين بالجامعات المصرية، والباحثين بأطلس المأثورات الشعبية المصرية، حيث تناولوا بالدراسة والبحث جوانب مختلفة حول حضور النخيل في التراث الشعبي بالبلاد.
وتصدر الكتاب تمهيدا وثلاث مقدمات، وفي التمهيد قال عمرو البسيوني، رئيس الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، إن للنخلة دورا بالغ الأهمية في الحضارة المصرية والعربية، وهذا الدور والأهمية يبرزان على مر العصور، لافتا إلى حضورها في الثقافة وفي الاقتصاد أيضا من خلال ما ارتبط بها من حرف وصناعات وسلالات من التمور جعلت النخلة شريكا أساسيا في الحياة قديما وحديثا.
وجاء في مقدمة أولى كتبتها الدكتورة حنان موسى، رئيسة الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، بالهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، أن أهمية التراث الشعبي تكمن في قوة تأثيره على الواقع المعاش، وأنه لا حياة لمجتمع لم يتأصل بموروثه. ونوّهت “موسى” إلى أن موضوع هذا الكتاب (النخيل) هو أحد رموز التراث المتجذرة في الأرض كالتراث ذاته، وأن الهدف من الدراسات الواردة على صفحات هذا الكتاب هو السعي لتقديم ما يخدم المكتبة الثقافية والواقع المعاش.
وفي مقدمة ثانية، رأى الدكتور عبدالعزيز طنطاوي، رئيس جامعة الوادي الجديد، والذي ترأس الدورة الثانية من ملتقى أطلس المأثورات الشعبية المصرية، إن النخيل يُعد من رموز الهوية الثقافية، بجانب كونه موردا اقتصاديا، ويحتل مكانة مهمة في الثقافة والاقتصاد والتنمية المستدامة. وشدد على ضرورة التوعية بأهمية دور النخيل وثقافته في صون الهويّة الوطنية للشعوب.
وقالت الدكتورة الشيماء الصعيدي، مديرة أطلس المأثورات الشعبية المصرية، في ثالث المقدمات التي تصدرت الكتاب، إن النخلة تتغلغل في وجدان الجماعة الشعبية، وهي ميراث ثقافي عربي مشترك ومتوارث منذ بدء الخليقة. وتتناول محاور ودراسات كتاب “النخيل في التراث والمأثور الشعبي”، العديد من الموضوعات بينها؛ مكانة النخلة باعتبارها من أقدم الأشجار التي عرفها الإنسان، ومكانتها في الأديان السماوية، ومكانتها لدى العرب كونها شجرة الحياة.
وكذلك حضورها في الحضارات القديمة، مثل الحضارة المصرية، والحضارة البابلية، والحضارة السومرية، والحضارة اليونانية والأرمينية، وكيف اتخذت تلك الحضارات من النخلة شعارات ورموزا متعددة، ودور النخيل في بناء الهويّة الثقافية، وكذا استخدامات النخلة ومنتجاتها في الممارسات العلاجية الشعبية.
وترصد لنا محاور ودراسات الكتاب، حضور النخلة في الآداب الشعبية من أمثال وأشعار وقصص، وكيف تجلى ذلك الحضور في الأدب الشفاهي والمكتوب، والفصيح والعامي. وبحسب صفحات الكتاب، فإن النخلة تمثل دربا من دروب الشعر المختلط بالموسيقى، ولأن المصريين لا يستغنون عن الغناء بكل أشكاله، واعتادوا على الغناء في الأفراح والأتراح وفي كل المناسبات، فقد كانت النخلة حاضرة في كل أشكال الغناء لديهم.
وارتبطت النخلة في الغناء المصري بالثورة مثل أغنية “يابلح زغلول”، وبالحب والمحبين مثل أغنية “يانخلتين في العلالي يابلحهم دوا”، و”ياجريد النخل العالي”، وغير ذلك من ألوان الغناء. وكما تدلنا صفحات الكتاب، فقد تميزت الأغاني التي ارتبطت بالنخيل ببعض الصفات الفنية الخاصة، حيث تتجلى فيها آيات الشموخ مع الحب، وتُخاطب النخلة كأنثى حبيبة وليس كشجرة نباتية، كما تتميز كذلك بتدفقها اللغوي والوجداني في دلالة على قُرب النخلة من روح الشعراء.
وقد أفرد الموال، وهو لون غنائي شعبي يتم تأليفه بشكل تلقائي و ارتجالي، مساحة كبيرة للنخلة، وفي الكثير من المواويل تصير النخلة هي الأنيس والبديل للواقع المُر. ونتعرف من صفحات كتاب “النخيل في التراث والمأثور الشعبي”، على أن للنخلة حضورها في الشعر العامي، وهو أحد روافد الفن الشعبي، منذ بداياته.
ويُبرز لنا الكتاب كيف كانت النخلة رمزا للسمو في قصيدة الشاعر الراحل صلاح جاهين “النخل في العالي والنيل ماشي طوالي”، وفي دليل على رمزية النخلة في الحس الشعبي نجد الشاعر عادل صابر قد اختار لأحد دواوينه عنوان “مصلوب على النخل”، فيما كتب الشاعر فؤاد حداد “عرق النخيل ملا أملى وما مله” لتصير النخلة صانعة الأمل ومهدئ الروح فمعروف أن عرق النخيل من الخمر وهي أحيانا تصير رمزا صوفيا دالا على النشوة والسكينة.
ويُحدثنا الباحث في الأدب الشعبي سفيان صلاح هلال عبر صفحات الكتاب، عن الكثير من مظاهر حضور النخلة في الآداب الشعبية، ويلفت إلى أنه كان للنخلة حضورها في الأغنية والموال الشعبيين بمصر. وفي شعر العامية، كان لها حضورها أيضا في القصص الشعبي المصري والعربي، حيث كانت حاضرة في الحكاية الشعبية والتراث الروحي منذ القدم باعتبارها من رعايا حتحور في الحضارة المصرية القديمة، وتم تقديسها على أرض العراق، وارتبطت أول حكاية عن خلق النخلة بالكحل، ربما للربط بين جمال العيون بالكحل، وجمال المكان بالنخل وذلك بحسب صفحات الكتاب.
◙ النخيل يُعد من رموز الهوية الثقافية، بجانب كونه موردا اقتصاديا ويحتل مكانة مهمة في الثقافة والاقتصاد والتنمية المستدامة
الكتاب الذي شارك في إعداد دراساته الدكاترة؛ سامح شوقي، ووائل محمد المتولي إبراهيم، وجيهان سيد عبدالعال، وهند أشرف عباس، وأمينة عبدالله سالم، وعماد محمد فؤاد، وحمدي سليمان، والباحثون؛ مصطفى كامل مصطفى، وعزة رياض عوض الله، وسفيان صلاح هلال، ومصطفى كمال شلبي، وحسن سعد حسن، وأحمد محمود أبوطالب، استعرض أيضا حضور النخيل في التراث الشعبي العربي، والقصص الشعبية الموجهة للأطفال، والحكايات الخرافية مثل حكاية “أم الخضر والنخلة” والشائعة في مملكة البحرين، وحكايات أخرى تندمج مع الأسطوري أو الديني، مُتخذة طابعا تربويا عن طريق إثارة الخيال لدى الطفل بطريقة بدائية تعتمد على الترغيب والترهيب للسيطرة على النشء.
وعرفت مصر النخيل في العصر الحجري القديم، منذ 20 ألف سنة قبل التاريخ، وذلك بمنطقة الواحات الخارجة بالوادي الجديد. وقد سبق العثور على بقايا جذوع النخيل بهذه المنطقة، وهي تنتسب إلى العصر الحجري القديم الأعلى. وتم العثور على مومياء من عصر ما قبل التاريخ ملفوفة في حصير من سعف النخيل بمقبرة أثرية بجهة الرزيقات قرب مركز أرمنت بمحافظة قنا. كما تم العثور على نخلة صغيرة كاملة بإحدى مقابر سقارة بمحافظة الجيزة من عصر الأسرة الأولى (3200 سنة قبل الميلاد).
وأكد المؤرخون أن اسم "البلح" ورد ضمن قرابين الدول القديمة (2780 ـ 2260 سنة قبل الميلاد)، مشيرين إلى أن الاسم الهيروغليفي للتمر هو "بنر أوبنرت" ومعناها "الحلاوة".وكثرت زراعة النخيل في منطقة طيبة (الأقصر الآن) وما حولها وجنوبها وفي الواحات وسيناء، بالإضافة إلى منطقة شرق الدلتا حيث مدينة “بر رمسيس” وهي صان الحجر الحالية بمحافظة الشرقية، وحول “أون” وهي منطقة المطرية وعين شمس وعزبة النخل والمرج حاليًا.