مفترق طرق في إدلب: هيئة تحرير الشام تواجه انقسامات داخلية وسط سخط شعبي

الاحتجاجات تأتي في وقت صعب بالنسبة لهيئة تحرير الشام، التي واجهت تحديات أخرى في الآونة الأخيرة.
الخميس 2024/05/30
حكم الجولاني على المحك

إدلب (سوريا) – بينما يركز العالم على الحرب الإسرائيلية في غزة، يشهد شمال غرب سوريا اضطرابات سياسية كبيرة يمكن أن تؤدي إلى قدر كبير من عدم الاستقرار.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، واجهت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، وهي جماعة إسلامية سنية مسلحة تحكم أكثر من 4.5 مليون شخص في منطقة إدلب، احتجاجات واسعة النطاق. ورفضا لسياسات الجماعة، دعا المتظاهرون إلى إقالة زعيمها أبومحمد الجولاني، وإطلاق سراح المعتقلين، وتحسين الظروف المعيشية.

وتأتي الاحتجاجات في وقت صعب بالنسبة لهيئة تحرير الشام، التي واجهت تحديات أخرى في الآونة الأخيرة أيضا، بما في ذلك اغتيال أحد أبرز شخصياتها، أبوماريا القحطاني، في الخامس من أبريل، والذي أطلق سراحه من سجن تديره هيئة تحرير الشام بعد أكثر من ستة أشهر من الاحتجاز بسبب ما وُصف بالتعاون مع جهات خارجية.

وتحولت هيئة تحرير الشام، بدءا من عام 2017، من جماعة جهادية تهتم في المقام الأول بقتال النظام السوري وحلفائه إلى نظام زبائني تتنافس فيه الفصائل الداخلية المختلفة على المكاسب المالية والنفوذ.

ويرى عروة عجوب، وهو طالب دكتوراه في جامعة مالمو في السويد، حيث يبحث في الخطاب الجهادي السني ودوره في حشد الدعم وإضفاء الشرعية على العنف بين الجماعات، في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط أن هيئة تحرير الشام تواجه الآن منعطفا حرجا، إذ تشكل الاضطرابات العامة واسعة النطاق والانقسامات الداخلية العميقة بين الشخصيات الأكثر نفوذا داخل الجماعة تحديا هائلا يهدد وحدة هيئة تحرير الشام وتماسكها. ويقول عجوب إنه إذا فشلت في تلبية المطالب العامة وسد الفجوة بين الفصائل المتنافسة، فإن مستقبل شمال غرب سوريا سيكون أكثر غموضا من أي وقت مضى.

الاضطرابات

إذا فشلت الهيئة في تلبية المطالب العامة وسد الفجوة بين الفصائل المتنافسة، فإن مستقبل غرب سوريا سيكون أكثر غموضا

أثار الغضب العام في مناطق مختلفة من إدلب مجموعة من العوامل، بما في ذلك الظروف المعيشية القاسية التي تواجه المجتمعات المحلية. وقد تفاقمت هذه الصعوبات بسبب عدم كفاية إيصال المساعدات إلى إدلب في أعقاب زلازل فبراير 2023، فضلا عن سوء الإدارة والفساد داخل هيئة تحرير الشام.

ويؤدي عدم الاستقرار الاقتصادي إلى تفاقم هذه القضايا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، إضافة إلى شح فرص العمل وقلة الدخل للعديد من المواطنين وفرض الضرائب والرسوم من قبل الهيئة العامة للزكاة التي تقوم بجمع الأموال والضرائب من المزارعين وأصحاب بساتين الأشجار المثمرة والتجار والصناعيين في إدلب، ما زاد من توتر الظروف المعيشية.

وتراجعت حكومة الإنقاذ السورية، التي تحكم من خلالها المجموعة في إدلب، عن بعض هذه الضرائب والرسوم في مواجهة المظاهرات، مما يسلط الضوء على الضغوط المالية التي تساهم في الاضطرابات.

وقد تفاقمت الاحتجاجات الأخيرة بسبب الحملة طويلة الأمد التي قامت بها هيئة تحرير الشام لاعتقال أصوات المعارضة، بما في ذلك أصوات الجماعة الإسلامية غير المسلحة، حزب التحرير، الذي يحظى بشعبية في جميع أنحاء شمال غرب سوريا. وتتهم هيئة تحرير الشام حزب التحرير بإثارة الرأي العام ضدها.

ومن العوامل الحاسمة الأخرى للاضطرابات هو خيبة أمل المتظاهرين من تعامل هيئة تحرير الشام مع ما يسمى بـ”قضية العملاء”. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، اعتقلت هيئة تحرير الشام أكثر من 400 من أعضائها ومسؤوليها، واتهمتهم بالتعاون مع كيانات خارجية مثل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وروسيا، والنظام السوري، وحزب الله.

ورغم أنه تم إطلاق سراح أغلبهم في نهاية المطاف بعد تبرئتهم من التهم، إلا أن العديد منهم تحدثوا منذ ذلك الحين عن التعذيب الشديد الذي تعرضوا له أثناء احتجازهم.

هيئة تحرير الشام تحولت بدءا من عام 2017 من جماعة جهادية تهتم في المقام الأول بقتال النظام السوري وحلفائه إلى نظام زبائني

ومن التحديات الأخرى التي واجهت هيئة تحرير الشام في الآونة الأخيرة انشقاق أبي أحمد زكور، الذي كان شخصية رئيسية داخل المجموعة، وإن كان يتمتع بنفوذ أقل من القحطاني. وهو معروف بمشاركته الواسعة في مناصب مختلفة منذ الأيام الأولى للجماعة، بما في ذلك دوره كزعيم لجبهة النصرة في حلب.

وكان زكور مسؤولا أيضا عن إدارة العلاقات العامة للجماعة، مع التركيز على اختراق فصائل الجيش الوطني السوري لإضعاف صفوفها.

وسهلت جذوره القبلية وعلاقاته مع فصائل ريف حلب تقدم هيئة تحرير الشام إلى عفرين دون مقاومة في أكتوبر 2022. وبعد الفرار إلى مدينة أعزاز التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري، سعت كتائب هيئة تحرير الشام إلى اعتقال زكور وعدد قليل من رفاقه. وتدخل الجيش التركي لإنقاذه.

وبعد هروبه، وجه زكور عدة اتهامات خطيرة ضد هيئة تحرير الشام وزعيمها، بما في ذلك أن الجولاني كان متواطئا في تفجير أغسطس 2016 في أطمة على الحدود التركية – السورية والذي أدى إلى مقتل العشرات من أعضاء الجيش السوري الحر والمدنيين.

صراع على السلطة

الهيئة تواجه منعطفا حرجا، إذ تشكل الاضطرابات العامة واسعة النطاق والانقسامات الداخلية العميقة بين الشخصيات الأكثر نفوذا داخل الجماعة تحديا هائلا يهدد وحدتها

في الوقت الحالي، تتوقف معايير تأمين الأدوار القيادية داخل هيئة تحرير الشام في المقام الأول على القرب من الجولاني، والذي يعتمد بدوره على رأس المال الاجتماعي للأعضاء، والذي يشمل عوامل مثل الانتماءات القبلية والنفوذ الإقليمي والشعبية بين المقاتلين.

وفي مقابل ولائهم، توفر قيادة هيئة تحرير الشام الموارد، والتي يمكن أن تكون مادية مثل الوظائف والعقود والمال، أو غير مادية مثل الحماية والنفوذ.

وتكشف نظرة فاحصة على البنية الداخلية لهيئة تحرير الشام أن المحسوبية تؤثر بشكل كبير على ديناميكياتها التنظيمية. ويتجلى هذا بشكل خاص في التيارات الثلاثة الرئيسية داخل هيئة تحرير الشام.

ويلعب كل من هذه التيارات، رغم اختلاف درجة تأثيرها، دورا متميزا في تعزيز قيادة هيئة تحرير الشام، وتوفير مستويات مختلفة من الدعم والشرعية.

ويتألف تيار شرق حلب داخل هيئة تحرير الشام من كتلتين متقاربتين: الكتلة الشرقية وكتلة حلب. وتتألف الكتلة الشرقية بشكل أساسي من أعضاء من المناطق العشائرية الشرقية في سوريا موالين للقحطاني. وكان تأثيره واضحا عندما احتفل المئات من أعضاء ومسؤولي هيئة تحرير الشام علنا بإطلاق سراحه وزاروه لإظهار دعمهم.

ومن الشخصيات البارزة في هذه الكتلة عضو مجلس شورى هيئة تحرير الشام مظهر لويس، الذي لعب، وفقا لمصدر مطلع، دورا رئيسيا في تأمين إطلاق سراح القحطاني من خلال التوسط مع الجولاني كما المسؤول الأمني في محافظة إدلب أبومحجن الحسكاوي. أما الجزء الثاني من تيار شرق حلب، أي كتلة حلب، فيضم مقاتلين من عشائر ريف حلب الموالية لأبي أحمد زكور. وفي حين يتمتع تيار شرق حلب بدرجة كبيرة من النفوذ المتأصل في علاقاته القبلية، إلا أنه مقيد بسيطرته المحدودة على الموارد الاقتصادية.

وعلى العكس من ذلك، فإن تيار الشام – إدلب متأصل بعمق داخل هيئة تحرير الشام ويمارس سيطرة كبيرة على كل من الجماعة والموارد الإقليمية. وتشكل كتلة بنش جزءا كبيرا من تيار الشام – إدلب، وتتكون بشكل رئيسي من مقاتلين من منطقة إدلب، وخاصة بلدة بنش. وتلعب شخصياتها القيادية، الأخوان قتيبة بدوي، المعروف أيضا باسم المغيرة بنيش، وحذيفة بدوي، المعروف أيضا باسم أبي حفص بنيش، أدوارا محورية. ويتمتع الأول بنفوذ كبير على معبر باب الهوى مع تركيا، في حين استقال الأخير، الذي كان قائدا للواء “طلحة بن الزبير”، أحد الألوية العسكرية الـ12 التابعة لهيئة تحرير الشام، بعد إطلاق سراح القحطاني.

الاحتجاجات الأخيرة تفاقمت بسبب الحملة طويلة الأمد التي قامت بها هيئة تحرير الشام لاعتقال أصوات المعارضة

ويضم تيار الشام – إدلب أيضا كتلة الشام التي يتزعمها أبوأحمد حدود، النائب الأول للجولاني ومدير الأمن العام، إلى جانب عبيدة نظمت، الذي يُزعم أنه المسؤول عن القبض على القحطاني والموالين له.

وبالإضافة إلى ذلك، تضم هذه الكتلة أيضا المسؤول المالي في هيئة تحرير الشام أبوماجد الشامي، وهو متزوج من شقيقة زوجة الجولاني. وبينما تعاني كتل هذا التيار من خلافات داخلية، إلا أنها تمكنت من التوحد ضد تيار شرق حلب.

وأخيرا، هناك تيار الجولاني، الذي يتألف من شخصيات مؤثرة اقتصادياً حافظت على ولائها لزعيم الجماعة، متجنبة التوترات بين الكتل. ومن بين هؤلاء مصطفى قديد، الذي يسيطر على جزء كبير من اقتصاد إدلب ويعتبر الممثل الاقتصادي للجولاني في المنطقة.

ويرى عجوب أن الوقت وحده هو الذي سيكشف الهوية الحقيقية لقاتل القحطاني. ومع ذلك، قد يؤدي مقتله إلى اضطرابات داخلية كبيرة داخل هيئة تحرير الشام.

وإذا فشلت هيئة تحرير الشام في النأي بنفسها بشكل مقنع عن الاغتيال، فهناك احتمال أن ينشق أتباع القحطاني، وخاصة أولئك من المنطقة الشرقية، وهذا من شأنه أن يقوض التماسك الداخلي للجماعة ويهدد وحدتها.

وقد تكون لغياب القحطاني أيضا تداعيات عملياتية. وبدونه، قد تكافح هيئة تحرير الشام لمواجهة التهديدات بفعالية، مما قد يؤدي إلى زيادة أنشطة الجماعات المتنافسة في المنطقة، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية.

6