إنشاء مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط: إن لم يكن الآن، فمتى؟

على مدى العقود القليلة الماضية أنشئت خمس مناطق خالية من الأسلحة النووية، مع التزام الدول الموقعة بعدم حيازة أسلحة نووية داخل الأراضي المشمولة. وكانت هنالك أيضا مبادرات لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، بما في ذلك الأسلحة النووية لكنها لم تحقق تقدما حتى اليوم.
واشنطن - يرى محللون أن أحد أهم الأهداف المرغوبة في الدبلوماسية العالمية في ما يتعلق بنزع السلاح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل هو إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
وتقول شرفيشتا أجايكومار، وهي زميلة مشاركة في مركز الأمن والإستراتيجية والتكنولوجيا، في تقرير نشرته مؤسسة البحوث والمراقبة إن نظرا لتاريخ المنطقة المضطرب الذي يتسم بالصراع وانعدام الثقة العميق، إلى جانب حالات نشر الأسلحة الكيميائية في الماضي، فإن احتمال عودة استخدام أسلحة الدمار الشامل يظل أمرا معقولا بشكل مثير للقلق.
ومن المعالم الحاسمة في هذا الصدد مؤتمر استعراض وتمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1995 حيث وافقت الأطراف الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط بحلول عام 2020. ومع ذلك، حتى الآن، لم يتم إحراز أي تقدم كبير، ومع الأنشطة الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وهجمات إيران على إسرائيل ورد إسرائيل عليها، صار تعزيز نزع السلاح أكثر إلحاحا.
وساهمت الديناميكيات السياسية والمخاوف الأمنية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الصراع العربي - الإسرائيلي الذي طال أمده، في التعقيدات المحيطة بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وقد شاركت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في تسهيل المناقشات وتعزيز الحوار بين دول المنطقة لتعزيز فكرة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ومع ذلك، فقد ثبت أن التوصل إلى اتفاق شامل أمر صعب بسبب التوترات الجيوسياسية، والاعتبارات الأمنية، والمشهد السياسي الإقليمي الأوسع.
ومع ذلك، فإن الأسلحة النووية ليست الاعتبار الوحيد في المناطق المعرضة للاضطرابات السياسية فالأسلحة البيولوجية مثيرة للقلق أيضا. ومثل المناطق الأخرى، يخضع الشرق الأوسط للأنظمة والالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسامة. ومع ذلك، لم توقع إسرائيل على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، مستشهدة في الكثير من الأحيان بعدم الاستقرار السياسي المحلي وتأثيره على الابتكار.
وفي حين بذلت إسرائيل جهودا لضمان السيطرة على استيراد وتصدير العوامل البيولوجية والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، فإن عدم الاستقرار في هذه المنطقة والتقارير المختلطة من جانب الولايات المتحدة لا يضمنان نوايا إسرائيل.
وبالمثل، ظلت مسألة الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط مصدر قلق كبير، وقد بُذلت جهود لمعالجة انتشار واستخدام هذه الأسلحة في المنطقة. وعندما لم يتم عقد مؤتمر عام 2012 لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، صدر بيان من واشنطن في نوفمبر 2012 يوضح الأوضاع في الشرق الأوسط وعدم اتفاق الأطراف على ما هي الشروط المقبولة.
وقد فسر الكثيرون ذلك بأنه عدم اهتمام إسرائيل بتلقي الانتقادات على أفعالها. وبعد مرور عقد من الزمان، لم يتغير شيء، وأثرت العديد من التطورات والأحداث الحيوية على الاهتمام العالمي. وفي ديسمبر 2023، اتُهمت إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض خلال هجماتها على حماس. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها توجيه مثل هذا الاتهام. وفي عام 2008، خلال العملية العسكرية التي أقرتها إسرائيل في قطاع غزة، تم توجيه اتهامات مماثلة. وفي حين أنكرت إسرائيل استخدام قذائف الفسفور الأبيض في ذلك الوقت أيضا، أكدت تقارير منظمات حقوق الإنسان أن قذائف الفسفور الأبيض قد تم استخدامها بالفعل.
وما زالت المحاولات الرامية إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط مستمرة ولكنها لم تسفر عن أي نتائج. وأكد الخبراء من بين الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في الكثير من الأحيان أن عدم التوصل إلى إجماع حول معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية يرجع أيضا إلى محاولة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وفي حين يختلف بعض الأكاديميين والمحللين، إلا أن الرأي الأول كان الأكثر شعبية.
ومن الممكن مواصلة بعض الجهود لتعزيز الحوار الدائر حول إنشاء مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. ويمكن أن تشمل هذه المبادرات الدبلوماسية تعزيز الحوار وبناء الثقة بين دول الشرق الأوسط. وقد يشمل ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية، التي شاركت بالفعل بشكل كبير في الحركة ضد التسلح النووي.
وبالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية، فإن الدعم الدولي والمساعدات الفنية والمالية والسياسية لدول الشرق الأوسط الراغبة في السعي إلى التوصل إلى اتفاقيات منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل من الممكن أن تشجع نزع السلاح الإقليمي. ولا بد أيضا من تعزيز المساءلة والتحقق والتفتيش. وهذا يعني إنشاء نظام قوي للتحقق من الالتزام باتفاقيات المناطق الخالية من أسلحة الدمار الشامل. ويمكن أن يشمل ذلك عمليات تفتيش منتظمة من قبل المنظمات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وغيرها من الهيئات ذات الصلة.
وكما هو الحال في أي مناطق صراع أخرى، فإن الهجمات السيبرانية، إلى جانب الاستخدام المتزامن لأسلحة الدمار الشامل، من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع. وحتى في الهجوم على حماس، كانت الخطوة الأساسية هي الهجوم السيبراني في أكتوبر 2023. وفي الآونة الأخيرة، زُعم أن مجموعة قرصنة مرتبطة بإسرائيل قامت باختراق وتقييد 70 في المئة من محطات الوقود في إيران.
◙ الديناميكيات السياسية والمخاوف الأمنية في الشرق الأوسط بما في ذلك الصراع العربي - الإسرائيلي ساهمت في التعقيدات المحيطة بإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل
وإذا ظلت الهجمات السيبرانية أداة، فمن الممكن أن تؤدي إلى تصعيد التوترات على الأرض ومهاجمة البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك شبكات الكهرباء، وأنظمة الهاتف، وأنظمة النقل، والسجلات الطبية. وأحد المخاوف الرئيسية في الهجمات السيبرانية هو احتمال نشر معلومات مضللة لخلق التوترات. ومع ذلك، فإن فقدان السيطرة على التدابير الأمنية المحلية الخاصة بأسلحة الدمار الشامل هو نتيجة متطرفة يجب أخذها في الاعتبار.
ورغم أن التركيز يظل منصبا على تشجيع الامتثال، فإن إنشاء مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل سوف يكون أمرا صعبا. وبينما ينظر إلى برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي غير المعلن على أنه تهديد من قبل بعض دول المنطقة، فإن الأنشطة النووية الإيرانية تعتبر أيضا أحد الاعتبارات في هذه المنطقة. ولمواجهة مثل هذه النتائج، فإن اتباع هذا النهج يتطلب من كافة دول المنطقة الالتزام بجهود منع الانتشار النووي. وإذا لم تشترط كل الدول الامتثال، فقد يشعر المنافسون بأنهم مضطرون إلى اللجوء إلى التسليح من أجل أمنهم.
وقد شهدنا بالفعل معاهدات إقليمية لمنع انتشار الأجهزة النووية. وتحظر معاهدة راروتونغا التجارب النووية وإلقاء النفايات المشعة في البحر. ويتضمن اتفاق نزع السلاح النووي الكوري حظرا محددا على تخصيب اليورانيوم وفصل البلوتونيوم. وتفرض معاهدة بليندابا حظرا على الهجمات ضد المنشآت النووية، على غرار الاتفاقية الثنائية لعام 1988 بين الهند وباكستان.
وتؤكد معاهدة آسيا الوسطى على ضرورة المعالجة البيئية المتعلقة بالأنشطة النووية السابقة على أراضي الدول الأعضاء وتفرض الالتزام ببروتوكول إضافي. وبالإضافة إلى إنشاء أنظمة تحقق راسخة وضمان الامتثال الإقليمي، يمكننا أيضا التعلم من المناطق الحرة الأخرى وتكييفها مع الظروف الإقليمية، مع الاعتراف بأن كل منطقة لها ظروفها واهتماماتها الخاصة. ولا بد من تصميم اتفاقيات المناطق الخالية من أسلحة الدمار الشامل بحيث تتمكن من التعامل مع التحديات والديناميكيات الأمنية الفريدة في الشرق الأوسط.
ويجب التأكد من أنه بينما يمتثل الجميع على المستوى الإقليمي للمساءلة العالمية، إذا تم الاستشهاد بالابتكار والأمن والطب كذريعة مضادة، فإن السلطات المختصة تضمن عدم وجود استخدام مزدوج، دون الحاجة بالضرورة إلى إزالة أي عوامل نووية أو كيميائية أو بيولوجية. ويشكل إنشاء مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط مطلبا ملحا، ليس فقط لاستقرار المنطقة بل وأيضا للأمن العالمي. ومن الأسلحة النووية إلى الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، فإن التهديد بخسارة الأرواح والسلام الدولي أكبر من أن يؤدي إلى تأخير الحلول التي يمكن أن تقلل الضرر في الشرق الأوسط.