نهج واعد لتطوير أقراص منع الحمل للرجال

يحاول الباحثون منذ مدة طويلة تطوير حبوب منع حمل للذكور تكون نظيرة للحبوب الخاصة بالنساء، وذلك باستخدام الطرق نفسها والاشتغال على هرمون الذكورة. وقد أجرى الباحثون الأميركيون اختبارا على الفئران حددوا من خلاله جزيئا صغيرا من شأنه أن يثبط البروتين المسؤول عن الخصوبة لدى كل من الرجال والفئران. ويرون أن الأهم من ذلك هو أن تأثير منع الحمل كان قابلا للعكس.
واشنطن ـ كشف باحثو كلية بايلور الأميركية للطب عن نهج جديد غير هرموني “خاص بالحيوانات المنوية” يوفر خيارا واعدا لمنع الحمل الذكوري.
وقال الدكتور مارتن ماتسوك، مدير مركز اكتشاف الأدوية ورئيس قسم علم الأمراض والمناعة في بايلور: “ركزنا على نهج جديد يتضمن تحديدَ جُزَيْءٍ صغير من شأنه أن يثبط ‘سيرين ـ ثريونين كيناز 33’، وهو بروتين مطلوب خصيصا للخصوبة لدى كل من الرجال والفئران”.
وأظهرت الأبحاث السابقة أن “سيرين ـ ثريونين كيناز 33 ” ضروري لتكوين الحيوانات المنوية الوظيفية. ويؤدي تعطيل جين “سيرين ـ ثريونين كيناز 33 ” لدى الفئران إلى جعلها عقيمة بسبب الحيوانات المنوية غير الطبيعية وضعف حركة الحيوانات المنوية. وعند الرجال، يؤدي وجود طفرة في ذلك الجين إلى العقم الناجم عن عيوب الحيوانات المنوية نفسها دون الإضرار بالخصية.
وقال ماتسوك: “لذلك يعتبر ‘سيرين ـ ثريونين كيناز 33’ هدفا قابلا للتطبيق مع الحد الأدنى من المخاوف المتعلقة بالسلامة فيما يتعلق بوسائل منع الحمل لدى الرجال”.
واكتشف الباحثون مثبطات قوية خاصة بـ”سيرين ـ ثريونين كيناز 33″، ونجحوا في إنتاج نسخ معدلة منها لجعلها أكثر استقرارا وفعالية وانتقائية.
وقالت المعدة الأولى للدراسة، الدكتورة أنجيلا كو: “من بين هذه النسخ المعدلة، تبين أن المركب (سي دي دي ـ 2807) هو الأكثر فعالية”.
وأوضح المعد المشارك، كورتني إم ساتون: “بعد ذلك، قمنا باختبار فعالية (سي دي دي ـ 2807) في نموذج الفأر الخاص بنا. قمنا بتقييم العديد من الجرعات وجداول العلاج ثم حددنا حركة الحيوانات المنوية وعددها لدى الفئران، وكذلك قدرتها على تخصيب الإناث”.
في عام 2018 أجريت تجربة سريرية على حبوب منع حمل جديدة تؤخذ عن طريق الفم، شارك فيها 83 رجلًا
وتبين أن المركب (سي دي دي ـ 2807) عبر حاجز الدم في الخصية، قلل من حركة الحيوانات المنوية وأعدادها وخصوبة الفئران بجرعات منخفضة، دون ظهور علامات التسمم من العلاج أو تراكم المركب في الدماغ.
وأضاف ساتون: “الأهم من ذلك، أن تأثير منع الحمل كان قابلا للعكس. فبعد فترة من عدم استخدام المركب (سي دي دي)، استعادت الفئران حركة الحيوانات المنوية وأعدادها وأصبحت خصبة مرة أخرى”.
وقال ماتسوك: “في السنوات القليلة المقبلة، هدفنا هو مواصلة تقييم مثبط ‘سيرين ـ ثريونين كيناز 33’ والمركبات المشابهة لـ(سي دي دي ـ 2807)، لتحديد فعاليتها كوسيلة لمنع الحمل الذكوري القابلة للعكس”.
وتُجرى حاليا تجارب على أول حبوب منع حمل للرجال على الإطلاق، لتضع قريبا المزيد من القوة بين أيدي الرجال لمنع الحمل غير المرغوب فيه بموثوقية عالية، بعد عشرات السنوات من اقتصار تلك الوسائل على النساء.
وتسعى التجارب إلى الإجابة على سؤال طبي أساسي: هل هذا الدواء آمن وفعال؟
وكانت حبوب منع الحمل للرجال رؤية مطروحة لعقود من الزمن، فمنذ السبعينات (أي بعد وقت قصير من إتاحة حبوب منع الحمل للنساء على نطاق واسع) حاول العلماء على فترات متقطعة تطوير وسائل منع حمل فعالة وطويلة الأمد للرجال، إلا أن الفكرة واجهت عقبات كثيرة.
وتعرقلت المحاولات الرامية إلى طرح وسيلة جديدة وفعالة لمنع الحمل في السوق بسبب عدد من العوامل، منها التمويل المحدود، والإجراءات التنظيمية المطوّلة، والتحديات البيولوجية، والقضايا المجتمعية مثل الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن الأشخاص الذين يمكنهم الحمل (أي النساء) يجب أن يتحملوا مسؤولية منع الحمل.

وبالإضافة إلى ذلك يقول بعض الخبراء إن نجاح حبوب منع الحمل لدى النساء قد يكون مسؤولا جزئيا عن التأخر في تطوير خيارات منع الحمل للرجال، فقد سيطرت وسائل منع الحمل عن طريق الفم، وكان تأثيرها على النساء عميقا لدرجة أنها غيرت من أنماط الحياة لديهن.
وحاول الباحثون طويلا تطوير نظير لهذه الحبوب للذكور باستخدام الطرق نفسها، والعمل على هرمون الذكورة، وتسببت هذه المحاولات في آثار جانبية غير مرغوب فيها مثل زيادة الوزن ونوبات الاكتئاب وزيادة مستويات الكولسترول، وهو ما يزيد من مخاطر أمراض القلب.
وعلى الرغم من أن ما يقرب من نصف حالات الحمل في جميع أنحاء العالم تكون غير مقصودة، انحصرت خيارات منع الحمل المتاحة للرجال في شكلين معتمدين: الواقي الذكري وقطع القناة الدافقة.
تنتظر شركة “كونترالاين” للتكنولوجيا الحيوية بولاية فرجينيا، التجارب السريرية لوسائل منع الحمل غير الهرمونية الجديدة للذكور التي تسمى “إيه دي إيه إم”، وهو “هيدروجِل” قابل للحقن صُمِّم لمنع الحيوانات المنوية من السفر عبر الأسهرين دون التأثير في الإحساس أو القذف، ويستمر مفعوله لمدة عام، وتصفه الشركة بأنه “لولب للرجال”، وكانت نتائجه الأولية واعدة، وبدا أنه فعال بنسبة 96 في المئة في منع الحمل.
وفي عام 2018 أجريت تجربة سريرية على حبوب منع حمل جديدة تؤخذ عن طريق الفم، وشارك فيها 83 رجلًا، وجمعت بين نشاط هرمون الأندروجين (هرمون الذكورة) وهرموني التستوستيرون والبروجستين اللازمين لإنتاج الحيوانات المنوية، وتأخذ الحبوب مرة واحدة يوميا. ولا تزال التجارب مستمرة على هذه الحبوب الهرمونية التي تسمى “دي إم إيه يو”، على الرغم من أن دراسة سابقة أجريت عام 2019 وجدت أنها آمنة عند استخدامها يوميا لمدة شهر مع استجابات هرمونية منخفضة تتفق مع وسائل منع الحمل الفعالة وعدم وجود آثار جانبية خطيرة.
ومع ذلك فإن هرمون التستوستيرون لا يوقف إنتاج الحيوانات المنوية تماما، كما أنه يرتبط أيضا بآثار جانبية خطيرة مثل زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بالإضافة إلى زيادة الوزن وحب الشباب وتغيرات المزاج مثل العنف وانخفاض الرغبة الجنسية.