ممرات الطاقة بين إيران وروسيا مليئة بالمخاطر

إنشاء إيران لجسرين بريين محتملين انطلاقا من أراضيها إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، أحدهما في جنوب شرق تركيا والآخر في شمال غرب سوريا، قد يساعد طهران وحليفتها موسكو على تصدير الهيدروكربونات ونقل الأسلحة.
واشنطن - صدرت إعلانات مهمة في أيام متتالية الأسبوع الماضي قد تكون لها عواقب بعيدة المدى على أمن الشرق الأوسط والغرب في قادم السنوات إذا تم تنفيذها. الأولى كانت عرضا من إيران في الحادي عشر من مايو لإنشاء “ممر طاقة” من روسيا إلى الخليج الفارسي والثانية كانت إعلانا من تركيا في الثاني عشر من مايو بأنها مهتمة بشراء المزيد من الغاز والنفط من إيران وأن تحرك هذه الموارد فيما بعد عبر الدولة للوصول إلى شرق أوروبا.
ويرى المحلل الاقتصادي سايمون واتكينز في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي أن ذلك يعني شيئين: أولا، ستكون روسيا قادرة على تجاوز العديد من القيود الدولية الحالية باعتماد آليات إيران الراسخة لتجنب العقوبات المفروضة على تدفقات الغاز والنفط إلى تركيا ثم جنوب أوروبا وشرقها، وعبر العراق إلى بقية العالم.
وثانيا، ستتمكّن إيران من تسريع تقدم “الجسر البري” الذي طال انتظاره من طهران إلى البحر المتوسط، والذي يمكن من خلاله زيادة حجم ونطاق تسليم الأسلحة إلى جنوب لبنان ومرتفعات الجولان في سوريا لاعتمادها ضد إسرائيل والولايات المتحدة في صراعات الشرق الأوسط.
وليس من قبيل الصدفة أن اقتصاد إيران لا يزال قائما رغم العقوبات الدولية الهائلة المفروضة منذ الثورة الإسلامية في 1979.
وتمكنت عبر عدة آليات من الاستمرار في بيع نفطها وغازها إلى جنوب أوروبا وشرقها وإلى بقية العالم منذ ذلك الحين. وتعدّ هذه الأساليب متطورة وفعالة إلى درجة أنها أصبحت مصدر فخر وطني كبير لإيران.
خطط طهران وموسكو قد تكون لها عواقب بعيدة المدى على أمن الشرق الأوسط والغرب لسنوات قادمة إن بلغت مرحلة التنفيذ
وفي ديسمبر 2018 وخلال منتدى الدوحة، صرح وزير الخارجية الإيراني حينذاك محمد جواد ظريف “إذا كان هناك فن أتقناه في إيران، يمكننا تعليمه للآخرين مقابل ثمن، فهو فن التهرب من العقوبات”.
وتبقى حقول النفط المشتركة بين إيران والعراق نقاط الانطلاق للجزء الأكبر من تدفقات الطاقة غير القانونية.
ويواصل كلا الجانبين الحفر في نفس الخزانات، مما يعني استحالة معرفة مصدر أي نفط ناتج.
وتعيد إيران ببساطة تسمية نفطها (الخاضع للعقوبات) على أنه نفط عراقي (غير معاقب) بموافقة كاملة من بغداد التي تمارس طهران نفوذا هائلا عليها منذ فترة طويلة من خلال مختلف وكلائها الاقتصاديين والسياسيين والعسكريين.
ويصل النفط المُعاد تسمية مصدره حيثما ترغب إيران. وتتجاوز عملية التعتيم على مصدر النفط مجرد تغيير الوثائق الموجودة في مستندات الشحن.
وقال وزير النفط الإيراني بيجان زنغنه في 2020 “ما نصدّره ليس باسم إيران. يتم تغيير الوثائق مرارا وتكرارا، وكذلك المواصفات”.
ومن هذا المنطلق، عادة ما يصل النفط الإيراني (الذي أعيدت تسميته نفطا عراقيا) إلى واحدة من منطقتين رئيسيتين. الأولى هي آسيا، حيث تعدّ الصين المشتري الرئيسي، والثانية هي جنوب أوروبا وشرقها، وخاصة الموانئ الأقل صرامة في ألبانيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وصربيا ومقدونيا وكرواتيا وغيرها. كما يسهل نقل النفط عبر الحدود إلى أكبر مستهلكي النفط في أوروبا، بما في ذلك عبر تركيا.
إنشاء جسر بري إلى جنوب لبنان ومنطقة مرتفعات الجولان في سوريا سيكون له تأثير مضاعف هائل لقوة الحرس الثوري الإيراني في المنطقة
ويعمل العراق على إعادة بناء خط أنابيب النفط المباشر إلى مدينة جيهان الساحلية التركية، مما سيجعل طهران تعتبر هذا الطريق بين إيران والعراق وتركيا أكثر موثوقية.
وستتوفر جميع طرق العبور المعتمدة اليوم لنقل النفط الإيراني، إلى جنوب أوروبا وشرقها عبر العراق، لروسيا إضافة إلى الطرق المؤدية إلى آسيا، حيث تكافح موسكو لنقل نفطها بسبب العقوبات، على الرغم من كون آسيا (والصين خاصة) أقل قلقا بشأن الالتزام بأي عقوبات تقودها الولايات المتحدة من أوروبا.
وقال الأمين العام للإدارة الأوراسية في وزارة الخارجية الإيرانية مجتبى داميرشيلو، خلال الأسبوع الماضي “يجدر النظر في اعتماد البنية التحتية الحالية وإنشاء بنية تحتية جديدة للوصول إلى الأسواق الإقليمية. وقد انطلق التعاون في هذا الصدد ونحن نمتلك رؤية واضحة”.
وربما أخبرت روسيا إيران بروح المعاملة بالمثل المباشرة لهذه الصفقة، أن قيام البنية التحتية الإقليمية هذه في إيران ثم العراق في اتجاه تركيا سيتعزز بمشروع مماثل في سوريا.
وهذا يعني إنشاء جسرين بريين محتملين لإيران من البر الرئيسي إلى شواطئ البحر المتوسط، يكون أحدهما في جنوب شرق تركيا والآخر في شمال غرب سوريا.
وتتمثل إحدى الآليات الرئيسية التي قد تمكن من تحقيق ذلك في الإنعاش المخطط له لخط أنابيب النفط بين العراق وسوريا الذي يبلغ طوله 825 كيلومترا والذي يربط منطقة كركوك العراقية بمرفأ بانياس السوري على البحر المتوسط.
وشهد أكتوبر 2023 موافقة شخصيات بارزة من الحكومة العراقية ووزارة النفط وشركات الطاقة على استئناف العمل في خط الأنابيب هذا، ثم مناقشات مفصلة حول الجداول الزمنية للعمل وتكلفة إعادة البناء.
وأكد مصدر رفيع المستوى في صناعة النفط يعمل مع وزارة النفط العراقية خلال تلك الفترة أن العراقيين لم يكونوا وحدهم الذين شاركوا في هذه المناقشات حول رابط البنية التحتية الرئيسي بين بلادهم وسوريا، ولكن الإيرانيين والروس كانوا موجودين أيضا.

وأضاف أن “خطط إعادة هذا الرابط موجودة منذ يونيو 2017، عند الحديث عنه بصفته ‘خط أنابيب إيران – العراق – سوريا’ وينظر إليه في سياق مماثل لخطة خط أنابيب الغاز التي تحمل هذا الاسم”.
وكانت الخطط تقضي بأن تمتد خطوط الأنابيب من كركوك العراقية إلى مرفأ بانياس المطل على ساحل البحر المتوسط في سوريا عبر مدينة حديثة في العراق، بسعة أولية تبلغ 300 ألف برميل يوميا. وكان من المقرر أن تشارك روسيا في كلتا الخطتين، ولم تتغير هذه النقطة.
وسيكون لإنشاء جسر بري إلى جنوب لبنان ومنطقة مرتفعات الجولان في سوريا تأثير مضاعف هائل لقوة الحرس الثوري الإيراني في المنطقة ولقوات حزب الله الوكيلة له في لبنان وحماس في فلسطين، حيث سيمكن اعتماده في الهجمات على إسرائيل.
وكانت سياسة إيران الأساسية منذ ثورتها الإسلامية في 1979 موجهة دائما نحو إثارة صراع أوسع في الشرق الأوسط بما من شأنه أن يجر الولايات المتحدة وحلفاءها إلى حرب لا يمكن الفوز بها من النوع الذي شهدته في العراق وأفغانستان.
وكان الهدف الإيراني هو توحيد الدول الإسلامية في العالم ضد ما تعتقد أنه معركة وجودية ضد التحالف الديمقراطي اليهودي المسيحي الغربي، مع كون الولايات المتحدة في مركزه.
وتتماشى مصلحة روسيا في مثل هذه الخطة مع هدف سياسة موسكو الخارجية الواسعة المتمثل في خلق الفوضى حيثما أمكن ذلك، ثم عرض حلولها الخاصة في النهاية.
وتمنح سوريا في ظل نظام الرئيس بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران، بأربع مزايا إستراتيجية ضخمة لموسكو.
وباختصار، تعدّ سوريا أولا أكبر دولة على الجانب الغربي من هلال السلطة الشيعي الذي تطوره روسيا منذ سنوات كقوة مقابلة لمجال نفوذ الولايات المتحدة الذي كان يتركز على المملكة العربية السعودية (لإمدادات المحروقات) وإسرائيل (للأصول العسكرية والاستخباراتية).
وثانيا، تتمتع البلاد بخط ساحلي طويل على البحر المتوسط يمكن لروسيا من خلاله إرسال منتجات النفط والغاز (سواء التي تتبعها أو الخاصة بحلفائها، وخاصة إيران) للتصدير المالي، بالإضافة إلى الأسلحة والمواد العسكرية الأخرى للتصدير السياسي.
وثالثا، تبقى سوريا مركزا عسكريا روسيا حيويا، ذات ميناء بحري رئيسي (طرطوس)، وقاعدة جوية رئيسية (اللاذقية) ومحطة تنصت رئيسية (خارج اللاذقية مباشرة).
ورابعا، يُبرزهذا لبقية الشرق الأوسط قدرة روسيا على التحرك إلى جانب القوى الاستبدادية في جميع أنحاء المنطقة.