"الحايك" يزين الجزائريات ببصمة أندلسية أم عثمانية

الجزائر - لا يزال "الحايك" يمثل بصمة أصلية تأبى الزوال، حيث تفتخر كل امرأة جزائرية بارتداء شتى أنواع هذا اللباس التقليدي في المناسبات، كما تحرص على نقل هذا الموروث الثقافي عبر الأجيال. فـ"الحايك" يعتبر لباسا تقليديا خاصا بالمرأة الجزائرية منذ قرون ورمزا لأناقتها وعفتها وهويتها ونضالها، ورغم انحصار ارتدائه منذ عقود إلا أن الكثير من المسنات بالمدن الكبرى لا زلن متمسكات به، كما أنه لا يزال من المستلزمات الضرورية للعروس في العديد من المناطق.
وقد فرض "الحايك" نفسه طيلة قرون مضت كلباس يعكس هوية المرأة الجزائرية وعلامة مميزة لها ولحشمتها ولنضالها أيضا في سبيل استقلال الجزائر، فهو قطعة واحدة بلون أبيض أو مائل للأصفر أو أسود تغطي جسد المرأة بالكامل سترا لها، وهناك أنواع وأسماء مختلفة لهذا الزي العريق وطرق متنوعة لارتدائه.
وتنقسم آراء الباحثين، بمناسبة شهر التراث، بين من يرجع أصول هذا اللباس إلى الأندلسيين ومن يعتبره عثماني الظهور، حيث يربط العديد من الباحثين ظهور “الحايك” بالجزائر والمنطقة المغاربية عموما بسقوط الأندلس وتوافد الأندلسيين على شمال أفريقيا فرارا من جرائم الإبادة، غير أن باحثين آخرين يرجعون ظهوره إلى العهد العثماني، مستشهدين بكتاب المؤرخ الإسباني دييغو دي هاييدو الذي أسر في الجزائر في القرن السادس عشر وتكلم في كتابه "طوبوغرافيا الجزائر وتاريخها العام" عن "الحايك" باعتباره رداء نسائيا جزائريا.
وترى باكوري فريدة، محافظة التراث بالمتحف الوطني الباردو، أن “الحايك انتقل إلى الجزائر وعديد مدن شمال أفريقيا بفعل توافد العائلات الأندلسية بعد سقوط غرناطة آخر إمارة أندلسية في 1492، حيث استقدم هؤلاء تقاليدهم وعاداتهم في اللباس والأكل والموسيقى وغيرها، ليتحول تدريجيا إلى لباس نساء الحواضر عبر مدن الجزائر مثل الجزائر العاصمة والبليدة وتلمسان".
وأضافت لوكالة الأنباء الجزائرية أن "الدلائل التاريخية تؤكد أن المرأة في الجزائر وشمال أفريقيا عموما قد امتلكت أزياء مشابهة للحايك إبان الفترة العثمانية وما قبلها، وهي أزياء محتشمة، فضفاضة وواسعة، تغطي جسمها ورأسها تماشيا مع التقاليد الاجتماعية والمعتقدات الدينية السائدة”.
وهناك عدة أنواع من "الحايك" بالجزائر أبرزها "المرمة" الذي اشتهرت به مناطق وسط الجزائر مثل العاصمة والبليدة، وهو ينسج من الحرير الأصلي الرفيع أو الممزوج بالكتان أو الصوف، وهناك أيضا “العشعاشي” بتلمسان، و”الملاية” السوداء بقسنطينة، و”الكسا” بالغرب الجزائري، و”الملحفة” بالجنوب وغيرها، وفق باكوري فريدة.
ولفت الباحث في تراث مدينة البليدة، يوسف أوراغي، إلى وجود ثلاثة أنواع من الحايك تشتهر بها مدينة البليدة ومنطقة متيجة عموما وهي "المرمة" وهو أجودها وكانت ترتديه نساء العائلات الميسورة، وكذا “التخليلة”، و”الكسا”، وهي مصنوعة من مواد كالحرير والصوف ذات جودة عالية أو ممزوجة بمواد أخرى، حيث تمتلك المرأة البليدية “تقنيات خاصة” للتعرف على جودة وأصالة المادة التي ينسج بها “الحايك”.
وكان يتم التفريق بين النساء في عدة أمور اجتماعية من خلال طريقة ارتداء “الحايك” أيضا، فهناك مثلا لفة “بوعوينة” وهناك “الحايك” الذي يرفق بـ”العجار” وهو نقاب مطرز يغطي الجزء الأسفل من الوجه، وهذا الاختلاف في طريقة ارتدائه لا يميز البليدة فقط وإنما العديد من المدن الجزائرية الأخرى، بحسب أوراغي.
وأوضح أنه “بالرغم من أن الحايك انتقل إلى الجزائر بعد سقوط غرناطة من طرف النساء الأندلسيات.. إلا أنه تم تطويره وتطعيمه بعناصر جديدة وإعطاؤه صبغة وروحا جزائرية خالصة”، غير أنه أسف للوضعية التي آل إليها اليوم، حيث أصبح يقتصر ارتداؤه على عدد قليل جدا من المسنات، أو في الأعراس، لافتا في هذا السياق إلى “الحويك” (تصغير للحايك) الذي يغطى به رأس العروس عند خروجها من بيت والديها إلى بيت زوجها، باعتباره “رمزا للشرف والحشمة”.
◙ آراء الباحثين منقسمة حول أصول "الحايك" بين من يرى أنه أندلسي المنشأ ومن يعتبره عثماني الظهور فيما تربطه الشهادات بسقوط الأندلس وتوافد الأندلسيين على شمال أفريقيا
وينبغي “تصنيف الحايك كتراث وطني” باعتباره “رمزا للهوية الوطنية”، وفقا للباحث في التراث، لخضر شولي، مضيفا أنه “قد حافظ على استمراريته خلال فترة الاستعمار الفرنسي وبعد الاستقلال، ولكنه بدأ في التراجع منذ ثمانينات القرن الماضي”.
ولقد شكل “الحايك” خلال مختلف مراحل المقاومات الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي والثورة التحريرية وسيلة للنضال، باعتبار أن المجاهدات كن ينقلن تحته القنابل والأسلحة والأموال، كما كان الفدائيون يتنكرون به للقيام بعمليات فدائية في المدن، وقد كان أيضا رمزا كبيرا للهوية الجزائرية ببعدها الإسلامي.
ويعتبر فيلم “معركة الجزائر” (1966) للمخرج الإيطالي جيللو بونتيكورفو، والذي يحكي عن بطولات الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي، من أهم الأعمال السينمائية التي أبرزت “الحايك” الجزائري عالميا، من خلال تسليط الضوء عليه كزي نسائي جزائري باعتباره رمزا للهوية الوطنية، ولدوره الكبير أيضا في المقاومة الشعبية.
وقد خصص المناضل والنفساني والفيلسوف المارتينيكي فرانز فانون، الذي عاش وعمل بالبليدة، في كتابه “العام الخامس للثورة الجزائرية” (1959) وصفا للثقافة الجزائرية في نهاية الخمسينات والأوضاع التي قادت إلى نجاح الثورة الجزائرية، متطرقا بالخصوص إلى الدور الذي لعبه “الحايك” في المقاومة الثقافية للمستعمر الفرنسي وتمسك النساء الجزائريات به رغم كل محاولات استهدافهن من قبل المستعمر.
وتبرز أيضا في هذا الإطار “الملاية” القسنطينية السوداء، إذ تقول بعض الروايات إن نساء قسنطينة قد حزنّ على مقتل الحاكم صالح باي في 1792 فغيّرن لون الحايك إلى الأسود حدادا عليه، وقد لعبت “الملاية” بدورها دورا كبيرا في مقاومة المستعمر الفرنسي ليس فقط بقسنطينة وإنما بمنطقة الشرق الجزائري ككل.