كيف تفوّق الروس بحرب الدعاية على الغرب

الاعتماد على أدوات مختلفة للتأثير على الجمهور محليا ودوليا.
الأحد 2024/05/19
الروس ربحوا المعركة الإعلامية

روسيا لا تكتفي في فرض نفسها كإمبراطورية صاعدة على فكرة الغزو المباشر فقط، ولكن تعطي أهمية كبيرة لحرب المعلومات والتشكيك في روايات الآخر وزرع مناخ من الشك يهز ثقة الجمهور بالمسلمات سواء في داخل روسيا أو خارجها.

موسكو- توجد فروق واضحة بين الدعاية الروسية والدعايات المتّبعة في الغرب. وتعتمد موسكو وقوتها الناعمة على المعلومات أو “التدابير النشطة” المرتبطة بأجهزة الأمن السوفييتية والروسية، وهي تعمد بالأساس إلى شن أعمال تخريبية ومدمرة لإضعاف معنويات العدو وزعزعة استقراره.

وتحاول روسيا تعزيز التناقضات بين أوروبا والولايات المتحدة بالترويج للرواية القائلة إن أوروبا مجبرة على استرضاء الولايات المتحدة على حساب مصالحها، وإن الأوروبيين لا يمكنهم الخروج من تبعيّة واشنطن. وتقوم دعايتها الحالية على فكرة انتشار “الإرهاق الأوكراني” بين السكان الأوروبيين الذين لم يعودوا يريدون مساعدة كييف أو قبول لاجئيها، وإن بعض تلك الدول ستبدأ بترحيل الأوكرانيين الذين هم في سن الخدمة العسكرية ليعودوا إلى بلادهم ويشاركوا في الحرب.

ويعتمد الكرملين “الدعاية الإيجابية” أو الترويج لصور ومفاهيم تبدو غير ضارة ذات طبيعة ثقافية وتاريخية من ذلك أداؤها في الحرب العالمية. وقد استغلت موضوعات “النصر على الفاشية” و”كفاح الشعب ضد النازية” لشيطنة المجتمعات الغربية وتبرير التدخل في أوكرانيا.

وأدان رؤساء ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا في بيان رسمي في ربيع 2020 روسيا بسبب تحريفها الأحداث التاريخية التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية. ووصفوا الرواية المشوّهة بـ”محاولة مؤسفة لتزوير التاريخ والتشكيك في أساس النظام الدولي المعاصر”.

لكن فهم الكيفية التي يستخدم بها الكرملين بعض الصور والمصطلحات و”الحقائق” في عملياته الإعلامية تبقى ضرورية لمكافحة فعاليتها. فمنذ ضم الاتحاد الروسي للقرم في 2014، اجتهدت موسكو لتصوير أوكرانيا دولة فاشية يجب انتزاع النازية منها. واكتسبت هذه الروايات زخما في إيران والصين وأجزاء من الجنوب العالمي وبين السكان الغربيين أنفسهم.

ومن خلال تحديد الإستراتيجيات الرئيسية التي تعتمد عليها موسكو، سيمكن للغرب صياغة أساليب أكثر فعالية لمواجهة عمليات التأثير الروسية وتقليل أيّ دعم عالمي لحرب الكرملين.

ضجيج المعلومات

◄ روسيا في عهد فلاديمير بوتين لم تدافع خلال العقد الأول من القرن الحالي عن أي أيديولوجيا معينة، بل عززت فكرة السخرية من الأفكار والتاريخ والروايات
روسيا في عهد فلاديمير بوتين لم تدافع خلال العقد الأول من القرن الحالي عن أي أيديولوجيا معينة، بل عززت فكرة السخرية من الأفكار والتاريخ والروايات

يمكن تقسيم الدعاية الروسية إلى أنواع أساسية من عمليات التأثير اعتمادا على النتائج المرجوّة منها. ويكمن “ضجيج المعلومات” مثلا في أيّ دعاية تهدف إلى التعتيم على الحقيقة، وتكون مصممة لتقويض قدرة الجمهور المستهدف على التفكير النقدي. ولا يهدف هذا النهج إلى خلق سرد محدد بين المستهدفين أو تشكيل معتقداتهم ووجهات نظرهم للعالم بل إلى خلق اعتقاد بأن الحقيقة الموضوعية غير موجودة، وأن أيّ معلومات يقدمها المسؤولون الحكوميون قد تكون ملفقة.

لذلك يروّج هذا النمط لفكرة أن أيّ مزاعم حول الجرائم التي ارتكبها الكرملين مزيفة، ومن تأليف الأعداء، وهي في الحقيقة أكاذيب بحتة.

وتقول كسينيا كيريلوفا في تقرير لفائدة مؤسسة “جيمس تاون” إن روسيا تدّعي أن الغرب زيّف مشاهد القتلى والجرحى في أوكرانيا، وتؤكد على أنها “مقاطع فيديو مفبركة بدماء اصطناعية وأن الجرحى هم ممثلون”. كما تبقى المعلومات حول العقوبات وغيرها من الحقائق حول الحرب غامضة.

وأقنعت دعاية الكرملين العديد من الروس بأن الغرب يشن حربا إعلامية ونفسية واسعة النطاق ضد بلادهم قبل وقت طويل من الغزو. واعتاد معظم الروس على هذه الفكرة لدرجة أنهم ظلوا مقتنعين بروايات بلادهم حول الحرب.

وتشمل جهود الدعاية الروس لخلق مثل هذه البيئة تأليف نسخ بديلة من الواقع. وتقوم بالتشكيك في الآراء الموثوقة وجميع مصادر المعلومات، كما تدحض حتى أكثر الأطروحات براءة. ويشعر المستهلكون لذلك بأنهم لا يستطيعون الوثوق بأيّ شخص، وتتخذ “الحقيقة” بهذا بعدا أكثر ذاتية.

وهيمنت هذه الدعاية داخل المجتمع الروسي وخارجه خلال السنوات الخمس عشرة الأولى من العقد الحالي.

ولاحظ المؤرخ الروسي إيفان كوريلا أن روسيا في عهد فلاديمير بوتين لم تدافع خلال العقد الأول من القرن الحالي عن أيّ أيديولوجيا معينة، بل عززت فكرة السخرية. واعتبر أن هذا الموقف “يتناقض مباشرة مع أيّ محاولة للترويج لأيديولوجيا تعتمد على ثقة واسعة في نظرة عالمية معينة”، مما يؤدي في النهاية إلى طيف واسع من الانتهازية الأيديولوجية.

وأبرز باحث الدعاية الروسي بيتر بوميرانتسيف في ديسمبر 2014 وصول أشخاص من ذوي القومية السوفييتية إلى السلطة، وقد اعتادوا على “التفكير والإيمان المزدوجين”. وخلقوا مجتمعا انتصرت فيه الادعاءات من خلال الانتخابات المزيفة، والصحافة “المستقلة”، والأسواق “الحرة”، وفكرة العدالة.

◄ الكرملين يعتمد "الدعاية الإيجابية" أو الترويج لصور ومفاهيم تبدو غير ضارة ذات طبيعة ثقافية وتاريخية من ذلك أداؤها في الحرب العالمية

وأكد بوميرانتسيف اعتماد الكرملين لهذه التكتيكات الآن على المسرح العالمي، ساعيا إلى زرع الفتنة و”تضليل” العدوّ من خلال حرب المعلومات. وأضاف “نجد في جوهر هذه الإستراتيجية فكرة أنه لا يوجد شيء اسمه الحقيقة الموضوعية. ويمكّن هذا الكرملين من استبدال الحقائق بمعلومات مضللة”.

وتكمن النتيجة الرئيسية التي تحققها هذه التكتيكات في تسامح السكان الروس مع المعلومات الكاذبة.

كما تمكّن خبراء الدعاية من تشويه عملية التحقق من الحقائق بإستراتيجية “ضجيج المعلومات”. وفي 2020، شن ألكسندر مالكيفيتش، رئيس لجنة الغرفة المدنية الروسية لتنمية مجتمع المعلومات والإعلام والاتصال الجماهيري، حملة إعلامية شاملة “لمحاربة التضليل”. واتّبع بهذا أساليب خصومه. وبعث موقعا لمكافحة المعلومات “المضللة” حول كوفيد – 19.

ونشر “النشطاء الاجتماعيون” نظرية المؤامرة في عصر الوباء حول “الرقائق الدقيقة” وادّعوا أن المعلومات المتعلقة بتفشي الأمراض أو إغلاق المستشفيات كانت مضللة. ولم يكن “كاشفو الأقنعة” المزيفون مهتمين بتقديم أدلة على استنتاجاتهم، معتقدين أن القارئ العادي لن يتحقق من المعلومات.

وتترك مثل هذه الجهود انطباعا بأن الحقيقة الموضوعية غير موجودة، وأن مجال المعلومات يبقى عالما من المرايا التي توهم الرائي على كلا الجانبين. ويعجز الشخص العادي بهذا عن الوثوق بأي تحليل.

ويمكن وصف المرحلة الوسيطة بين السخرية وأيديولوجية المجتمع بأنها من صنع “الجغرافيا السياسية” التي اعتمدتها روسيا منذ 2014. وبرر الكرملين استخدامه للأساطير الدعائية، مثل التصريح الذي صدر في 2015 بأنه “لا يوجد أفراد عسكريون روس في أوكرانيا”، بحجة أنها تحقق “فوائد جيوسياسية” للبلاد.

وأصبح الأيديولوجيون الموالون للكرملين في 2014 يؤكدون أن الجيوسياسية الروسية تعدّ “القوة الدافعة للتحولات في عالم متعدد الأقطاب”.

وكان أولئك الأكثر صراحة هم من دعوا علنا إلى أن تعوّض الجغرافيا السياسية الأيديولوجيا. ونجح هؤلاء الدعاة في غرس مصطلح ذي محتوى أيديولوجي كبير، بحجة كون هذه الجغرافيا السياسية “نظرة عالمية، وأن المعيار الأساسي هو المواجهة بين الحضارات البحرية والبرية”.

وسعت روسيا إلى تحويل “الجغرافيا السياسية” إلى مفهوم هجين. ويعدّ تبرير الأنهج الجيوسياسية العنيفة باعتبارها مفيدة لروسيا من جهة أمرا خبيثا، وخاصة ببدء الحروب وقتل المدنيين. ومن المتوقع أن يعتبر الجمهور المستهدف لمثل هذه الدعاية أن مثل هذا السلوك على الساحة الدولية مفيد لروسيا. وأطلق على هذه الظاهرة قبل ست سنوات اسم “السخرية الأيديولوجية”، أي تأسيس “الجغرافيا السياسية” التي لا تزال أيديولوجية في جوهرها.

اللعب على التناقضات

◄ خبراء الدعاية تمكّنوا من تشويه عملية التحقق من الحقائق بإستراتيجية "ضجيج المعلومات"
خبراء الدعاية تمكّنوا من تشويه عملية التحقق من الحقائق بإستراتيجية "ضجيج المعلومات"

نجح الكرملين في غرس السخرية داخل بلده، لكنه اعتمد على الصعيد الدولي إستراتيجية مختلفة لعملياته الإعلامية، وهي اللعب على التناقضات. وتشمل العملية تعزيز التناقضات الموجودة بالفعل في مجتمعات معينة، ومفاقمة الصراعات بين مختلف البلدان. ولا يحاول الكرملين خلق صورة متماسكة للعالم لضحايا دعايته، بل يسعى إلى تقسيم البلدان الأخرى وزعزعة استقرارها لخدمة أهدافه الخاصة.

وتتصرف روسيا علنا في بعض الأحيان من خلال الكشف عن الجروح القديمة والتناقضات التاريخية أو الإشارة إلى ممارسات مجموعات ضد مجموعات أخرى.

وحذر معهد دراسة الحرب في 2024 من أن روسيا تستغل تكتيك “الراية الكاذبة” في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية غير المعترف بها في مولدوفا. وأكد أن الكرملين قد يجدد جهوده لاستغلال الإقليم لخلق عدم استقرار في مولدوفا بهدف تقويض صادرات الحبوب الأوكرانية على طول الساحل الغربي للبحر الأسود.

وغالبا ما يفضل الكرملين تنظيم مثل هذه العمليات متظاهرا بالتصرف نيابة عن مواطني البلدان التي يستهدفها. وتشمل الأمثلة على هذا “مصنع المتصيدين” الشهير الموصوف بالتفصيل في لائحة اتهام المستشار الأميركي روبرت مولر ضد 13 روسيا متهمين بالتدخل في الانتخابات بالولايات المتحدة.

وذكرت الوثيقة أن الروس استعملوا عناوين بريد إلكتروني وملفات تعريف بأسماء أميركيين غير موجودين ووزعوا رسائل مزيفة نيابة عنهم. وأنشأ هؤلاء المتصيدون منذ 2014 صفحات ويب للمنظمات التي تناضل من أجل قضايا مختلفة تسعى إلى توجيه الأميركيين العاديين ضد بعضهم البعض.

◄ الكرملين نجح في غرس السخرية داخل بلده، لكنه اعتمد على الصعيد الدولي إستراتيجية مختلفة لعملياته الإعلامية، وهي اللعب على التناقضات

وتُعتمد تكتيكات مماثلة لزرع الفتنة بين الدول الحليفة. وأعلن بوتين في 13 مارس، خلال مقابلة مع مقدم البرامج والدعاية في التلفزيوني الروسي المعروف ديمتري كيسليوف “إذا أرسلت بولندا قوات إلى أوكرانيا، فلن تغادر أبدا. إنهم يريدون إعادة الأرض التي يعتبرونها ملكا لهم”.

وفي يونيو 2023، قال رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية سيرجي ناريشكين بأن “حلم استعادة غرب أوكرانيا يعيش في وعي النخبة البولندية. وتتخذ بولندا سلسلة من الإجراءات لتحقيق هذا الحلم”. ويكمن هدف موسكو في هذه الحالة في تأجيج التوترات بين بولندا وأوكرانيا، اللتين أصبحتا حليفتين أوثق من أيّ وقت مضى في معارضة العدوان الروسي.

وتشمل أساليب موسكو المفضلة اللعب على الصراعات التاريخية بين البلدين لتعزيز الاختلافات. وكان أبرز مثال على هذا النهج استغلال مذبحة فولينيا (القتل الجماعي للبولنديين في فولينيا وغاليسيا الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية) التي تجتهد موسكو لإحياء ذكراها.

وتصور الدعاية الروسية بولندا على أنها “ضحية للنازية الأوكرانية” عندما يكون ذلك مناسبا، وتعلن الدولة الأوكرانية اليوم استمرارا لنظام هتلر النازي. وفي نفس الوقت، يرسم الكرملين صورة مختلفة تماما لبولندا باعتبارها المعتدي والمذنب ببدء الحرب العالمية الثانية، حتى أكثر من ألمانيا النازية.

وذكر ألكسندر أوليش، الخبير في معهد أوروبا الجديدة في وارسو، أن أيّ انتقاد للحكومة الروسية يكون صادرا عن الحكومة البولندية في هذا السياق يعتبر نكرانا للجميل في أحسن الأحوال، و”إرثا مظلما” و”بقايا فاشية” في أسوئها.

ويخدم الغرب مصلحة موسكو بإنكاره المشاكل الحقيقية. وإذا تواصل إنكار المشاكل الأساسية، فسيبقى من المستحيل حلها والقضاء عليها، ممّا يعني أن الجهات الفاعلة الخارجية ستستمر في خدمة أغراضها الخاصة.

وتعليقا على التدخل الروسي في انتخابات 2020، أشار غراهام بروكي، مدير مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي، إلى أن “حجم المعلومات المضللة المحلية ونطاقها وتأثيرها كان أكبر مما يمكن أن تفعله أيّ حكومة أجنبية بالولايات المتحدة”.

أيديولوجيات للتصدير

◄ روسيا في عهد فلاديمير بوتين لم تدافع خلال العقد الأول من القرن الحالي عن أي أيديولوجيا معينة، بل عززت فكرة السخرية من الأفكار والتاريخ والروايات
روسيا في عهد فلاديمير بوتين لم تدافع خلال العقد الأول من القرن الحالي عن أي أيديولوجيا معينة، بل عززت فكرة السخرية من الأفكار والتاريخ والروايات

قد تمثل “الأيديولوجيات للتصدير” في موسكو النوع الأكثر تطورا من عمليات التأثير. وتشمل تقديم نظرة عالمية متماسكة بإنشاء “أيديولوجيات مصغرة” (وجهات نظر عالمية فردية تستهدف مجموعات اجتماعية تتكون غالبا من أنصار وجهات النظر الراديكالية). وتعدّ العديد منها متناقضة بطبيعتها مع بعضها البعض ومع حقائق الحياة في روسيا نفسها. لكنها تستند إلى نفس المبدأ الأساسي الكامن في بثّ صورة محددة للنظام العالمي الذي يريد أعضاء مجموعة اجتماعية معينة أن يؤمنوا به.

وتخلق هذه الأيديولوجيات صورة العدو الذي تكرهه المجموعة المستهدفة المحددة بالفعل وتحرك مخاوفها. وتستهدف اليسار المتطرف الأميركي مثلا بتصوير الدولة مصدر كل المشاكل، وتستهدف القوميين بـ”المؤامرة اليهودية”، وتستهدف المتعصبين الدينيين بصورة “المسيح الدجال الليبرالي”. وتكمن النقطة الرئيسية عند بناء “الأيديولوجيات للتصدير” في العلاقة التي يقيمها الكرملين بين الظواهر والعمليات التي يعاديها هو والأعداء والمخاوف المذكورة أعلاه.

وتشمل أمثلة ذلك الأيديولوجيات التي خلقها الكرملين لمجموعات الشتات الروسي. ويُستهدف أحفاد المهاجرين البيض، الذين ينفرون من الماضي السوفييتي، بالصور والأيديولوجيات التي تؤكد على استمرارية روسيا الحديثة والإمبراطورية الروسية.

وتُصوّر مظاهر الهوية الوطنية الأوكرانية والتطلعات الموالية للغرب في دول ما بعد الاتحاد السوفييتي على أنها نتاج الشيوعية السوفييتية وليست وسيلة لمقاومتها. ووفقا لأيديولوجية الاتحاد العسكري الروسي الجديد، كان البلاشفة من “صنع أوكرانيا بالقوة”، ودعّم الشيوعيون الأوكرانيون الميدان الأوروبي، وليس ما يسمى بـ”روسيا الجديدة”.

في المقابل، لم تخف الدعاية الرسمية الموجهة داخل روسيا من حقيقة أنها كانت تحلم بـ”الانتقام الأحمر” في “روسيا الجديدة”، أي ظهور “شيوعيين حقيقيين” قادرين على مقاومة أوكرانيا. كما لم يخف ممثلو حركة الفوج الخالد في أوكرانيا حقيقة أنهم يدافعون عن الحفاظ على ذكرى أولئك الذين ماتوا في القتال ضد النازية الألمانية ولمعارضة إلغاء الشيوعية والحفاظ على الرموز السوفييتية.

ويجسد هذا التناقض الصارخ جوهر “الأيديولوجيات للتصدير”. وتُتهم الأقليات في روسيا نفسها (المسلمون وتتار القرم والمعارضون وغيرهم) بالإرهاب ولا تحظى بتأييد غالبية السكان، لذلك يجبر الاقتناع بـ”تورط المعارضة الروسية غير النظامية بأكملها في الإرهاب وقتل المواطنين” الكثير من الروس على تبرير أيّ قمع ضد المعارضين.

وتبقى الدعاية داخل روسيا مبنية على مبدأ “الأيديولوجيات للتصدير”، لكن جمهورها ليس مجموعة هامشية منفصلة بل جميع السكان. وساهم مبدأ إنشاء روابط زائفة وغرس استنتاجات مشوهة في حقيقة أن الأغلبية الروسية تقبل الحرب “بتفهّم” على الأقل، إن لم تكن تدعمها أيديولوجيا. وكان الجانب الأكثر نجاحا في هذا هو “ربط” العالم الغربي وأوكرانيا بالنازية الألمانية.

وتدرك الدعاية الروسية أن مفاهيم “الفاشية”، وبالتالي “المنتصرين على الفاشية”، تحمل صورا غنية عاطفيا بـ”الشر المطلق” و”الخير المطلق”. فتعوّض محتوى هذه المصطلحات بمهارة، وتنقل المشاعر والصور من الماضي إلى الحاضر. ويبرّر الكرملين بهذا عدوانه على أوكرانيا واصفا الأوكرانيين بـ”الفاشيين” ومؤكدا “استمرارية” ألمانيا النازية فيهم.

 

اقرأ أيضا:

      • الغرب يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا سريعا دون خاسر ولا رابح

      • هل خسر الغرب معركة أوكرانيا

7