الغرب يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا سريعا دون خاسر ولا رابح

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يريد أن يبدو متماسكا لكن الواقع يدفعه إلى الاعتراف بأن الوضع صعب، وأن تأخر وصول الأسلحة الغربية قد يمهد لروسيا طريق التقدم الميداني وتحقيق انتصارات خاصة في مدينة خاركيف الإستراتيجية. وحيرة زيلينسكي أقوى تعبير عن ارتباك أوروبا تجاه الحرب.
كييف- باتت الحرب في أوكرانيا تضغط على أوروبا بعد أن طالت أكثر من اللزوم ما يهدد باستنزاف دول القارة، وخاصة الدولة المنخرطة بشكل المباشر في التمويل والتسليح، لكنّ الأوروبيين لا يريدون أن تنتهي هذه الحرب إلى فائز أو خسائر وفوز روسيا وفق ما تشير إليه المجريات ستكون له تأثيرات كبيرة أوروبيا.
وعكست هذه المفارقة المقابلة التي أجراها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع وكالة فرانس برس الجمعة، حين أعرب عن خشيته من أن يكون الهجوم البري الذي بدأته روسيا في منطقة خاركيف بشمال شرق البلاد، مجرد تمهيد لهجوم أوسع نطاقاً في الشمال والشرق.
وتراجع حماس زيلينسكي واختفت تصريحات التي تلوّح بهزيمة الروس وتلقينهم الدروس، وبات منتهى هدفه تحقيق “سلام عادل” والحد من الخسائر ومنع سقوط أكبر المدن مع معرفته أن ما تضع روسيا عليه يدها من الصعب استرجاعه حربا أو تفاوضا.
ويجد الرئيس الأوكراني نفسه في موضع صعب بعد أن تخلى عنه الغرب، وخاصة الولايات المتحدة التي لا ترسل الأسلحة النوعية التي يطلبها، وخاصة صواريخ باتريوت، ولم تكن تبدي في السابق أيّ حماس لتحقيق مكاسب ميدانية لأوكرانيا، كما أنها لا تبدي حاليا أيّ انزعاج من تقدم روسيا ومخاطر سقوط مدن أوكرانية كبرى بيد الروس.
ومع إقراره بإمكان تحقيق الروس “اختراقات” على حساب جيش أوكراني منهك بعد عامين من الحرب ويعاني نقصاً في العديد والعتاد، أكد زيلينسكي أن كييف ستواصل القتال، وذلك في أول مقابلة مع وسيلة إعلام أجنبية منذ بدأت موسكو هجومها في خاركيف قبل أسبوع.
وأكد أنه على رغم تحقيق القوات الروسية تقدماً في خاركيف منذ بدء الهجوم المباغت فجر العاشر من مايو، إلا أن الوضع في هذه المنطقة بات أفضل من ذي قبل.
ورأى في الوقت عينه أن روسيا لا تحوز ما يكفي من القوات لمهاجمة كييف التي حاولت التقدم نحوها في مطلع الغزو في فبراير 2022 قبل أن تتراجع.
وبشأن المؤتمر “من أجل السلام” المقرر إقامته في سويسرا منتصف يونيو، دعا زيلينسكي الدول الغربية الحليفة لكييف إلى البحث ليس فقط عن إنهاء الحرب مع روسيا، بل أيضا عن “سلام عادل” لبلاده.
وقال “نريد أن تنتهي الحرب بسلام عادل بالنسبة إلينا… والغرب يريد فقط أن تتوقف الحرب بأسرع ما يمكن”.
وحذّر من أن نشر التجهيزات العسكرية الغربية الجديدة قد يتطلب أشهراً يمكن خلالها لروسيا أن تكسب في الميدان.
لكن شدّد على أن “أحداً لن يتنازل (عن القتال في أوكرانيا). أنا على ثقة بأنه مهما كانت الصعوبات التي نواجهها والاختراقات التي تتحقق، لن يكون ثمة اختراق شامل” في الجبهة.
وتابع “خططهم واضحة بالنسبة إلينا، واضحة بالنسبة إلى القيادة العسكرية. أعتقد أننا سنتدبر أمرنا بطريقة أو بأخرى”.
وأشار إلى أنه في هجوم خاركيف، الروس “أطلقوا عمليّتهم، وهي يمكن أن تضمّ موجات عدّة. وهذه هي الموجة الأولى”.
وقال زيلينسكي إنّ القوّات الروسيّة توغّلت ما بين خمسة إلى عشرة كيلومترات على طول الحدود الشماليّة الشرقيّة قبل أن توقفها القوّات الأوكرانيّة”. وأضاف “لقد أوقفناهم (…) لن أقول إنّه نجاح (روسي) كبير، لكن علينا أن (…) نقرّ بأنّهم هم من يتوغّلون في أرضنا، وليس العكس”.
واضطر نحو 10 آلاف شخص للفرار من منازلهم في منطقة خاركيف بشمال شرق أوكرانيا مذ بدأت روسيا هجوماً برياً مباغتاً قبل أكثر من أسبوع، وفق ما أفاد مسؤول محلي السبت.
◄ أوكرانيا في وضع صعب بعد أن تخلى عنها الغرب، وخاصة أميركا التي لم تسلمها أسلحة نوعية، وخاصة صواريخ باتريوت
وإذ أشار زيلينسكي إلى أنّ الوضع لم “يستقرّ” بعد، قال “رغم ذلك فإنّ الوضع تحت السيطرة وأفضل من اليوم الأوّل” للهجوم، وذلك بفضل التعزيزات المنتشرة.
وأكّد أنّ روسيا تريد مهاجمة خاركيف، ثاني أكبر مدينة في البلاد، على بُعد بضع عشرات الكيلومترات فقط من الجبهة. وكانت موسكو قد فشلت في الاستيلاء عليها عام 2022 وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة إنّه لا ينوي مهاجمتها “في الوقت الحالي”.
وأعلنت روسيا السبت أنها سيطرت على قرية قرب فوفشانسك في منطقة خاركيف بشمال شرق أوكرانيا حيث بدأت هجومًا بريًا جديدًا الأسبوع الماضي.
وقالت وزارة الدفاع الروسية “حررت وحدات من مجموعة القوات الشمالية قرية ستاريتسيا في منطقة خاركيف وواصلت تقدمها في عمق دفاعات العدو”.
وشدّد الرئيس الأوكراني على أنّ المعركة من أجل هذه المدينة، إذا حصلت، ستكون صعبة على الجيش الروسي. وقال “إنّهم يريدون ذلك، يريدون الهجوم”، لكنّهم “يفهمون أنّها معركة شاقّة. إنّها مدينة كبيرة وهم يفهمون أنّ لدينا قوات وأنّها ستُقاتل لفترة طويلة”.
وحذّر قائلا “إنّهم مثل وحش (…) إذا شعروا بضعف في هذا الاتّجاه، فسوف يندفعون” نحوه، لكنّه قال إنّه إذا تمكّنت القوّات الأوكرانيّة من إيقاف القوّات الروسيّة فإنّها ستستسلم. وتابع “برأيي، هم لن يموتوا بالملايين من أجل الاستيلاء على خاركيف”.
اقرأ أيضا:
وسبق لموسكو أن سيطرت على أجزاء واسعة من هذه المنطقة في المراحل الأولى للغزو، قبل أن تستعيدها كييف. وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة أن هدف الهجوم الجديد هو إقامة “منطقة عازلة” في مواجهة هجمات أوكرانية على الأراضي الروسية.
واعتبر زيلينسكي أنّ الأمر بات بالنسبة إلى أوكرانيا وحلفائها الغربيّين متعلّقا بعدم إظهار ضعف، مطالبا بنظامي باتريوت مضادّين للطائرات من أجل الدفاع عن سماء المنطقة والجنود الذين يدافعون عنها.
وقال زيلينسكي إنّ أوكرانيا ليس لديها سوى ربع أنظمة الدفاع الجوّي التي تحتاجها، مضيفا أنّها تحتاج أيضا إلى ما بين 120 و130 طائرة مقاتلة من طراز إف – 16 لمواجهة القوّة الجوّية الروسيّة.
وبعد التأخير المطوّل في تسليم معدات عسكرية أميركية وأوروبية، رأى الرئيس الأوكراني أن الدول الغربية الحليفة لكييف “تخشى” أن تخسر موسكو هذه الحرب بقدر خشيتها أن تخسرها كييف.
وأوضح أنّ “الغرب يخشى أن تخسر روسيا الحرب، و(في الوقت نفسه) هو لا يريد لأوكرانيا أن تخسرها. لأنّ انتصار أوكرانيا النهائي سيؤدّي إلى هزيمة روسيا، ولأنّ انتصار روسيا النهائي سيؤدّي إلى هزيمة أوكرانيا”.
وتحدّث زيلينسكي عن أنّ الغربيّين يمنعون أوكرانيا من استخدام الأسلحة التي زوّدتها بها أوروبا والولايات المتحدة، من أجل ضرب الأراضي الروسيّة.
وقال “يمكنهم ضربنا انطلاقا من أراضيهم، وهذا أكبر تفوّق تتمتّع به روسيا، ولا يمكن لنا أن نفعل أيّ شيء لأنظمة (أسلحتهم) الموجودة على الأراضي الروسيّة باستخدام الأسلحة الغربيّة. ليس لدينا الحقّ في القيام بذلك”، مؤكدا أنه اشتكى من ذلك مجددا هذا الأسبوع إلى وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن.
وأقرّ زيلينسكي بأنّ ثمّة نقصا في عديد القوات الأوكرانيّة وبأنّ هذا يؤثّر في معنويّات الجنود، في وقت يدخل قانون جديد للتعبئة حيّز التنفيذ السبت لتعزيز صفوف الجيش.
وقال زيلينسكي “علينا ملء الاحتياطات (…) ثمّة عدد كبير من الألوية الفارغة. علينا أن نفعل ذلك حتى يتمكّن الرجال (الموجودون في الخطوط الأماميّة) من التناوب بشكل طبيعي. هذه هي الطريقة التي ستتحسّن بها الروح المعنويّة”.