عودة حماس إلى شمال غزة تزيد التشكيك في تحقيق إسرائيل لأهدافها

تجميع حماس لعناصرها في جباليا مجددا يدعم دعوات تغيير إستراتيجيات الحرب.
الجمعة 2024/05/17
سحق حماس بالكامل هدف مبالغ فيه

يعكس صمود حماس مدى استخدامها الفعال لتكتيكات حرب العصابات وترسانة أسلحة موسعة وإعادة تجميع المقاتلين، وهو ما يجعل أهم أهداف إسرائيل المتمثل في سحق الحركة بالكامل محل تشكيك متزايد بعد 8 أشهر من هجومها البري.

غزة - تزيد إعادة تجميع حماس لصفوفها في شمال قطاع غزة التشكيك في تحقيق إسرائيل لأهداف الحرب المعلنة، ففي ديسمبر الماضي أعلن الجيش الإسرائيلي انتصاره على حماس في جباليا، قائلاً إنه كسر قبضة الحركة الفلسطينية في معقلها التقليدي في شمال القطاع. لكن هجوم حماس الأربعاء، والذي خلف 5 قتلى من الجنود وأصاب 16 آخرين، يضع إعلان النصر الإسرائيلي في الشمال موضع مراجعة.

وأقر الجيش الإسرائيلي الخميس بمقتل 5 جنود وإصابة 16 آخرين في تفجير مبنى بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة ، بعد ساعات من إعلان كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أنها قتلت 12 جنديا، ووصفت العملية بالمركبة.

وكان إيتسيك كوهين، قائد الفرقة 162، قد قال في ديسمبر الماضي “جباليا لم تعد جباليا كما كانت من قبل”، وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي تمكن من قتل المئات من مقاتلي حماس واعتقل نحو 500 مشتبه بكونهم أعضاء في الحركة المسلحة.

بعد مرور خمسة أشهر على تصريح كوهين عادت القوات الإسرائيلية إلى جباليا، وهي تتوغل الآن مجددا داخل المخيم المكتظ، مدعومة بالمدفعية والغارات الجوية في واحدة من سلسلة عمليات “إعادة التطهير” الأخيرة ضد مقاتلي حماس، والتي أعاد مقاتلوها تجميع صفوفهم بسرعة في المناطق التي أخلتها القوات الإسرائيلية.

وأفسح الهجوم الإسرائيلي السريع في غزة المجال لمعركة استنزاف طاحنة، وهو ما يسلط الضوء على مدى بعده عن هدفه العسكري الرئيسي والتفكيك الكامل لحركة حماس. وباعتبارها منظمة مسلحة قادرة على التكيف وتتمتع بسهولة الوصول إلى المجندين، ولديها شبكة أنفاق واسعة ومتأصلة بعمق في نسيج غزة، أظهرت حماس، وفق محللين، أنها قادرة على الصمود في وجه حرب مدمرة وطويلة الأمد.

ويرى محللون أن الفصائل، وعلى رأسها كتائب القسام، تخوض مواجهات تعكس مستوى عاليا من التحضير والتنفيذ، رغم فرق الكفاءة التكنولوجية لصالح الجيش الإسرائيلي. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال الأسبوع الماضي إن إسرائيل قتلت 14 ألفا من مقاتلي حماس، بينما قدر الجيش الإسرائيلي أنه قتل نحو 13 ألفا الشهر الماضي.

عوْدٌ على بدْء

◙ معركة استنزاف طاحنة
◙ معركة استنزاف طاحنة

وليس من الممكن التحقق من هذه الأرقام بشكل مستقل، حيث لم يتم تقديم أي دليل يدعمها. ورغم ذلك يقول محللون إنه حتى هذا الرقم الكبير قد يصل فقط إلى أقل من نصف القوة القتالية المقدرة لحماس قبل الحرب.

وأبدى مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان ملاحظة مماثلة الاثنين الماضي، حيث قال للصحافيين إن “الضغط العسكري ضروري لكنه ليس كافيا لهزيمة حماس بشكل كامل”. وأضاف “إذا لم تكن جهود إسرائيل مصحوبة بخطة سياسية لمستقبل غزة والشعب الفلسطيني، فإن المقاتلين سيستمرون في العودة”.

وعندما انسحبت القوات الإسرائيلية من جباليا العام الماضي بدأت حماس حملة تجنيد لوظائف تأمين المساعدات وإنشاء مقر جديد هناك، بحسب السكان. وقال أحد سكان جباليا البالغ من العمر 42 عاما، تحدث لوسائل إعلام أميركية بشرط عدم الكشف عن هويته، “هناك تواجد لرجال شرطة، ولكن من دون زي الشرطة، وجميعهم يرتدون ملابس مدنية”.

ويسلط هذا الوضع الضوء على التساؤلات المتزايدة حول هدف الحكومة الإسرائيلية المعلن المتمثل في القضاء على حماس. وبينما بدأت الدبابات في التوغل داخل مدينة رفح الجنوبية، حيث يقول الجيش إن آخر أربع كتائب سليمة تابعة لحماس متحصنة هناك، كان هناك قتال عنيف في منطقة الزيتون في مدينة غزة وحول جباليا إلى الشمال، حيث سيطر الجيش الإسرائيلي العام الماضي قبل أن يتقدم جنوبا.

◙ حماس أظهرت أنها قادرة على الصمود في وجه حرب مدمرة وطويلة الأمد
◙ حماس أظهرت أنها قادرة على الصمود في وجه حرب مدمرة وطويلة الأمد

ويؤشر تجدد القتال هناك -وسط ضغوط دولية من أجل وقف إطلاق النار- على القلق في إسرائيل من أن عدم وجود خطة إستراتيجية واضحة لغزة سيترك حماس في السيطرة الفعلية على الجيب الذي تحكمه منذ عام 2007. وهذه الوضعية ذاتها تؤكد أن “النهاية الواضحة للحرب تبدو بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى”.

ويبدو أن حماس، المختبئة في شبكة الأنفاق الواسعة الممتدة تحت أنقاض غزة، تحتفظ بدعم واسع النطاق بين السكان الذين تأثروا بالحملة التي أسفرت عن مقتل الآلاف وأجبرت معظم سكان غزة على ترك منازلهم. وقال مايكل ميلشتاين، ضابط المخابرات العسكرية السابق وأحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في شؤون الحركات الإسلامية، “إذا اعتمدنا على إستراتيجية الاستنزاف المستمر ضد حماس، فلن تحقق هدف الانهيار الحكومي أو العسكري”.

يرجع قاصد أحمد، فريق متقاعد ونائب أسبق لقائد الجيش الأردني، “صمود” حركة حماس إلى تأمين إمكانيات متنوعة ووسائل قتالية متعددة وتوافر مزايا النظام العسكري الهجين. ويقول الخبير العسكري “في رفح (جنوب) لدينا إستراتيجيتان متواجهتان، فإسرائيل تريد أن تفكك كتائب المقاومة، وتخنق غزة جغرافيّا وحدوديا، وأن تضغط على المدنيين ليقرروا أو يحاولوا أن يجدوا بديلا عن الحياة المنعدمة والذهاب باتجاه سيناء (مصر)”.

وتابع “حماس لها إستراتيجية مختلطة في هذه المرحلة، وهي الدفاع بحرب العصابات بعد أن نفذت عمليات تعطيل وتخريب لهذا الهجوم (الإسرائيلي منذ 6 مايو الجاري)، بحيث إنها تسمح بتوغل محدود يصل فيه العدو الإسرائيلي إلى مناطق منتخبة (مختارة)، ومن ثم الهجوم عليه بوسائل القتال المختلفة”.

وأردف “حماس تمارس حالة من الخلطة الإستراتيجية التي تؤدي بشكل أو بآخر إلى هدفها الكبير، وهو أن توقع خسائر كبيرة وترفع ثمن الحرب على إسرائيل، إلى أن توصلها إلى حالة الفشل والإعاقة العسكرية الكاملة من الوصول إلى نتائج، وبالتالي تفتح المجال أمام إنهاء الحرب”.

وعن صمود الحركة لفترة طويلة رغم الظروف الصعبة أرجع قاصد الأمر إلى أن “حماس محاصرة (للعام الـ18)، وخبرت الجيش الإسرائيلي واستطاعت خلال هذه الفترة الطويلة أن تبني وتنظم نفسها عسكريا، وتستوعب وتؤمن إمكانيات قتال ووسائل متنوعة ومتعددة، الكثير منها صنع محلي، وبعضها تكنولوجيا خارجية بالتعاون مع داعمين لها، ومنها ذات بعد إستراتيجي وعملياتي وتعبوي”.

كما لفت إلى “تحضير وتخطيط كاملين للمقاومة”، واصفا إياها بأنها “ذات نظام عسكري هجين، يمكن أن تنفذ عمليات عسكرية نظامية كجيش نظامي، ويمكن أن تلجأ إلى حرب عصابات في الوقت المناسب، ويمكن أيضا أن تخلط بينهما”.

من يتحكم في الحرب؟

◙ حرب يصعب التكهن بمآلاتها
◙ حرب يصعب التكهن بمآلاتها 

وتطرق إلى “البنى التحتية القتالية، خصوصا ما يرتبط بالأنفاق وأعمالها وعالمها الذي لا يستطيع أحد أن يتحدث عنه؛ لأنه عالم من الأسرار المجهولة، ومن خلالها تشكّل أحد مرتكزات الصمود والقدرة على الحركة والمناورة دون رؤية العدو لها، والظهور في المواقع الملائمة للتأثير دون التأثر”.

وتحدث عن أسباب ومزايا أخرى ساهمت في تعزيز صمود حماس، من بينها “عيون (فتحات) الأنفاق والإمكانيات التكنولوجية التي طورتها. ونجحت استخباراتيا وفي البنية التحتية وأنظمة الأسلحة والقتال، واستفادت من كل نظريات القتال السابقة سواء للمفكرين أو من آليات الحرب الحديثة”.

أما عن المتحكم في توسيع الحرب بشمال غزة ووسطها وجنوبها والمستفيد منه، فيقول قاصد “نحن أمام شكلين من الحرب، فما يحدث في رفح امتداد للمرحلتين الأولى والثانية، والذهاب جغرافيّا إلى غزة ومواجهة كتائب المقاومة وخنق غزة، والضغط على السكان المهجرين هناك ومحاولة تهجيرهم وإعطائهم الفرصة للهروب إلى مصر”.

◙ حماس تمارس حالة من الخلطة الإستراتيجية التي تؤدي إلى هدفها الكبير، وهو أن توقع خسائر كبيرة وترفع ثمن الحرب على إسرائيل

وتابع “أما ما يحدث في الشمال فمرتبط بما بعد الحرب، فإسرائيل تريد أن تسيطر على غزة ما بعد الحرب أمنيا ودفاعيا، وبالتالي عملت قاطع نتساريم الذي يفصل الشمال عن الجنوب، وهذا ما يحصل في حي الزيتون وجباليا وقبله في الزهراء وجنوب هذا القاطع، وهي محاولة لتثبيت أقدام إسرائيل والقضاء على أي مقاومات تظهر هنا أو هناك شمالا وجنوبا”.

وزاد بأن إسرائيل “تنفذ عمليات في الشمال والجنوب للقضاء على عناصر حماس الذين يظهرون في تلك المناطق، ولكن الهدف الآخر الذي لا يقل أهمية هو القضاء على البنى الإدارية المحلية التي تدير منها حماس غزة، فعندما تظهر هذه الإدارات من جديد شمال غزة تستفز إسرائيل للقضاء على هذه الإمكانات “.

وبشأن توقعاته لسير العمليات والسيناريوهات العسكرية في ظل عدم وجود رؤية إسرائيلية لليوم التالي للحرب، قال قاصد “أعتقد أن المشهد يتحدث عن استمرار الحرب إلى أن ينضج أي عامل قوي يمكن أن يؤثر عليه”.

ومنذ 7 أكتوبر الماضي قتل أكثر من 35 ألف فلسطيني جراء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وتم تدمير الخدمات الصحية، ونزحت الكثير من الأسر عدة مرات، كما ظهرت بوادر “مجاعة شاملة” في الشمال.

6