الحدود المالية - الموريتانية بؤرة توتر تنذر بالصدام

التوترات الحدودية بين نواكشوط وباماكو طفت على السطح وزادت المخاوف من تكرار أحداث 1989 الدامية التي وقعت بين موريتانيا والسنغال إثر نزاع دولي مماثل ما خلّف الكثير من الضحايا قبل التوصل إلى اتفاق أنهى الأزمة.
نواكشوط - تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة حدة الأزمة بين موريتانيا ومالي على خلفية اختراق للحدود وسط تحولات سياسية عميقة بمنطقة الساحل الأفريقي، ومخاوف من انعكاسات سلبية قد تطال المنطقة في حال فشل البلدين في احتواء تلك الأزمة.
ويرى محللون أنه لا مفر أمام البلدين من الحوار لاحتواء الأزمة خاصة في ظل حاجتهما إلى التعاون للحفاظ على استقرارهما، إذ تشير علاقاتهما التاريخية إلى قدرتهما على احتواء الخلافات، إلا أن انخراط قوى دولية لها أجندات متعارضة في الأزمة قد يعقدها ويخرجها عن السيطرة.
ورغم اختراقات متكررة من الجانب المالي للحدود الموريتانية أثناء ملاحقة مسلحين خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الأزمة بين البلدين ظلت صامتة، قبل أن تخرج إلى العلن في أبريل الماضي.
وتحدثت صحف موريتانية، في 8 أبريل الماضي، عن إصابة مواطنين خلال عملية توغل نفذتها القوات المالية برفقة عناصر من مجموعة فاغنر الروسية داخل قرية “فصالة” أقصى شرق موريتانيا، أثناء ملاحقة مقاتلي حركة أزواد الانفصالية.
ورغم أن هذه الصحف رجحت حينها حدوث التوغل بشكل غير مقصود؛ جراء خطأ في نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية (جي بي سي)، وعدم معرفة قوات فاغنر بطبيعة المنطقة، إلا أن نواكشوط استدعت في الـ20 من الشهر ذاته سفير باماكو لديها محمد ديباسي للاحتجاج.
ووفق بيان لوزارة الخارجية الموريتانية حينها فقد “تم إبلاغ السفير المالي رسالة احتجاج على اعتداءات متكررة داخل الأراضي المالية تعرض لها موريتانيون”.
وبعد ذلك بيومين، أوفد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وزير الدفاع حننه ولد سيدي إلى باماكو حاملا رسالة لم يُكشف عن مضمونها، عقب أحاديث عن إساءة قوات أمنية مالية معاملة موريتانيين بأراضيها.
واستمرار لهذا التصعيد، أقام الجيش الموريتاني يوم 4 مايو الجاري مناورات عسكرية على الحدود مع مالي.
ونشر الجيش الموريتاني، عبر حسابه على فيسبوك، صورا للمناورات العسكرية، مضيفا أن الهدف منها هو “الوقوف على جاهزية الوحدات المقاتلة ومستواها العملياتي، والاطلاع على احتياجاتها اللوجستية، واختبار أسلحة المشاة والمدفعية ومضادات الطيران وراجمات الصواريخ والطائرات المقاتلة”.
وفيما بدا أنه محاولات لاحتواء التصعيد، أدى قائد أركان الجيش المالي الفريق عمر ديارا زيارة إلى نواكشوط يوم 9 مايو الجاري، أجرى خلالها مباحثات مع نظيره الموريتاني الفريق المختار بله شعبان.
وفي ختام الزيارة، قال الجيش الموريتاني، في بيان، إن البلدين “اتفقا على ضرورة اتخاذ تدابير أمنية ملموسة، تضمن عودة الهدوء والسكينة إلى المناطق الحدودية”.
كما أكد البلدان، وفق البيان ذاته، على “ضرورة حماية المصالح الحيوية، التي تستند إلى تاريخ طويل من العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين”.
وقبل ذلك بيومين، قال وزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي في تصريحات صحفية، إن السلطات الرسمية في مالي “شرعت في وضع خطط (لم يكشف عنها) محكمة لتجنب أيّ تجاوز جديد” داخل أراضي بلاده.
ويرى المحلل السياسي الموريتاني سيد أحمد ولد باب، أنه “لا توجد فرصة أمام البلدين لحل الأزمة الحالية غير اللجوء إلى الحوار”.
وقال ولد باب، إن “الذهاب إلى التصعيد مضر بالجانبين”؛ إذ تدرك موريتانيا أن “فشل مالي في ضبط حدودها هو خطر يهدد استقرارها الداخلي، ومالي تدرك كذلك أنه من دون موريتانيا لن تتمكن من ضبط حدودها”.
واعتبر أن تلويح موريتانيا باستخدام القوة من خلال المناورات العسكرية على الحدود “أثمر تحركا سريعا من الجانب المالي؛ حيث أرسلت باماكو وفدًا بقيادة قائد أركان الجيش لطرح رؤية مشتركة مع الجانب الموريتاني، وبلورة تصوّر يُمكّن الجانبين من تسيير الحدود”.
وترتبط موريتانيا ومالي بحدود برية تعد الأطول في المنطقة، وتبلغ ألفين و237 كيلومترًا، معظمها في صحراء قاحلة.
وتنشط على طول الحدود تنظيمات كثيرة توصف بـ”المتشددة” أو “الانفصالية”، بينها فرع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة أزواد.
واستنادا إلى تصريحات لمحافظ ولاية الحوض الشرقي (شرق موريتانيا) إسلم ولد سيدي، فإن الحدود بين موريتانيا ومالي لم ترسّم إلى الآن.
وأشار في تصريحات صحفية يوم 29 أبريل إلى أن الحدود بين البلدين لا يمكن معرفتها بشكل دقيق، وإنما عبر أعراف ومعالم متعارف عليها “فالقرية التي توجد فيها مدرسة موريتانية ويحمل سكانها الجنسية الموريتانية تعتبر قرية موريتانية، والقرية التي توجد فيها مدرسة مالية ويحمل سكانها الجنسية المالية تعد قرية مالية”.

وأشار ولد سيدي إلى أن التقنيات الحديثة لا يمكن أن تقدم معلومات دقيقة حول الموضوع، ولا يمكن الاعتماد عليها لأن الحدود لم ترسّم بعد بين البلدين، واللجان المسؤولة عنها تجتمع من حين إلى آخر دون أن تتوج اجتماعاتها بنتائج عملية.
ويقول المحلل السياسي الموريتاني المختص في الشأن الأفريقي أحمد ولد محمد المصطفى إن “علاقات البلدين شهدت العديد من التوترات في الماضي”، لكن “المستجد الذي يدفع إلى التخوف لعدم تمكن البلدين من احتواء هذا الخلاف هو وجود متدخلين دوليين في الملف”.
وأوضح ولد محمد المصطفى أن “هناك أجندات خارج أجندات البلدين، منها الحضور الروسي في مالي، وانخراط موريتانيا بشكل واضح في تعاون ربما مفتوح مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة”.
وأضاف “هذا التباين في حلفاء موريتانيا ومالي الدوليين يدفع إلى التخوف من عدم تمكن البلدين من احتواء الخلاف بينهما أو لخروجه عن سيطرتهما بفعل ضغوط هذه الأطراف الدولية”.
وبينما أشار ولد محمد المصطفى إلى أن هناك مخاوف حقيقية من دخول الأزمة بين نواكشوط وباماكو ضمن الأزمات الإقليمية المفتوحة في أكثر من جبهة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا بشكل عام، إلا أنه لفت في المقابل إلى أن “قراءة مسار علاقات البلدين منذ استقلالهما تدفع للاعتقاد أنهما سيتمكنان من احتواء الخلاف بينهما”.
وتابع “هذا ليس أول خلاف وليست أول أحداث أمنية تقع على حدود البلدين، وليست أول مرة تتباين فيها آراؤهم حول نقاط تتعلق بتسيير هذه الحدود، ويتم احتواؤها”.