قيس سعيد يفتح ملف التمويل الأجنبي للجمعيات ويهاجم التدخل الأجنبي

تونس- أثار ملف التمويلات الأجنبية لجمعيات تونسية الجدل من جديد، إضافة الى العلاقات المشبوهة بين دورها المدني والسياسي وعلاقاتها الحزبية خاصة على إثر الطفرة غير المسبوقة التي عرفها عدد الجمعيات في تونس ما بعد 2011 والاستفادة من بعض النصوص للمرسوم 88 وما ترتب عنه من الغاء نظام الترخيص من وزارة الداخلية والاعتماد على نظام الاعلام فقط لدى رئاسة الحكومة.
ولعل ما يشير الى أهمية فتح ملف التمويلات الأجنبية لعدد من الجمعيات وكشفه هو ما تضمنته تقارير سابقة لدائرة المحاسبات وتصريحات متواترة للرئيس التونسي قيس سعيد الذي أكد مرارا على ضرورة غلق الأبواب أمام محاولات اختراق الدولة التونسية من خلال الجمعيات وبذريعة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان.
وكشف سعيد في لقاء بوزيرة المالية سهام البوغديري نمصية مساء الأربعاء بقصر قرطاج وثيقة تفيد بتلقي جمعيات في تونس تمويلات تفوق ملياري دينار من الخارج من سنة 2011 إلى العام الماضي، لافتا إلى أن لجنة التحاليل المالية أثبتت ذلك دون القيام بدورها كاملا.
وأوضح أن هذا الرقم الذي جاء في الوثيقة لا يتعلّق إلا بالجمعيات التي تحصّلت على مبالغ من الخارج تفوق 500 ألف دينار (160.2 ألف دولار) وهذه الأموال التي توزع في تونس ودخلت خلسة الى الحسابات الجارية لجمعيات مذكورة بالاسم.
وحذر سعيد من التدخل الأجنبي في شؤون تونس باسم المجتمع المدني، متابعا "نحن لا نريد مجتمعا مدنيا يمثل امتدادا لقوى ودول من الخارج ويجب ضبط الأمور في هذا المستوى."
كما كلف كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج (وزير الدولة للشؤون الخارجية) منير بن رجيبة، باستدعاء عدد من السفراء الأجانب المعتمدين بتونس وابلاغهم احتجاجها على التدخل في شؤونها الداخلية، وفق بلاغ للرئاسة التونسية.
وقال بن رجيبة إن سعيد شدد على تبليغ سفراء عدد من الدول وممثلي بعض الجهات أن تونس دولة مستقلة متمسكة بسيادتها فضلا عن أنها لم تتدخل في شؤونهم حينما اعتقلوا المحتجين وسحبوا منهم شهائدهم العلمية لأنهم نددوا بحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وفق تعبيره.
وتعالت المطالب بالكشف عن مصادر أموال الجمعيات من عدة جهات في تونس، خلال النصف الثاني من العشرية الماضية على اعتبار أن بعض الجمعيات بدا واضحا دورها كبوابة كغطاء لتمويل الإرهاب وتنفيذ أجندات أجنبية وأخرى دخيلة منها تغيير النمط المجتمعي.
وأكدت عديد الجهات على ضرورة تشديد الرقابة على التمويل الأجنبي لهذه الجمعيات التي كان لها تأثير في التعاطي القضائي لهذا الملف خاصة في علاقة بحصول بعضها على تمويلات ضخمة تم توظيفها لغايات حزبية وانتخابية أو تلك التي تتم في إطار التعاون الدولي لتنفيذ اجندات أثرت على الوضع الأمني والثقافي والسياسي في تونس.
و كشف تقرير دائرة المحاسبات عدد 32 لسنة 2021 أنه تم اكتشاف 566 جمعية تتلقى تمويلات أجنبية في حدود 31 مليارا ولم تعلم الكتابة العامة للحكومة بذلك وأن 1385 جمعية انتفعت بتمويلات أجنبية منها 45 جمعية استأثرت بـ56 في المئة من التمويلات، في حين تم اكتشاف دخول 68 مليون دينار (25.15 مليون دولار) سنة 2017 من تمويلات أجنبية لجمعيات تونسية و78 مليون دولار (28.85مليون دولار) في سنة 2018، في غياب التنسيق بين الوزارات والمؤسسات والهياكل المعنية لمتابعة برامج التعاون الدولي في تلك المرحلة من قبل وزارة الشؤون الخارجية ووزارة التعاون الدولي والمصالح المعنية بذلك في رئاسة الحكومة والبنك المركزي.
وتعليقا على خطر التمويل الخارجي للجمعيات أفاد شرف الدين اليعقوبي الناشط في المجتمع المدني والمختص في الحوكمة ومكافحة الفساد، في تصريح لإذاعة اكسبريس اف ام المحلية الخاصة، أن القانون التونسي حسب المرسوم 88 يمنع الجمعيات من الحصول على تبرعات أو هبات من أطراف أجنبية، مضيفا أن التمويل يتم مع دول لها علاقات اقتصادية ومالية بتونس في إطار تمكين برامج اجتماعية وتنموية ومشيرا الى أن الدولة التونسية من جانبها تتمتع بتمويلات أجنبية في شكل مساعدات أو هبات.
وأشار اليعقوبي إلى أهمية تطوير آليات الرقابة لهذه الأموال المتأتية من الخارج، مؤكدا أن الاشكال لا يكمن في قانون الجمعيات وإنما في تفعيل آليات الرقابة ودقتها وتمكين الإدارة العامة للجمعيات في تحسين مواردها البشرية التي لا تسمح لها بمراقبة ما يفوق 20 ألف جمعية.
وكان مشروع قانون يتعلق بإنشاء الجمعيات وتمويلها قد أثار حفيظة المنظمات الحقوقية في تونس وخارجها وأثار مخاوفها من التضييق على عمل المجتمع المدني خاصة صنف من الجمعيات التي تستمد تمويلها من الخارج على غرار الجمعيات المهتمة بالصناعات التقليدية.
ويتوقع أن يعوض القانون الجديد الذي ينص على أن تمنح وزارة الشؤون الخارجية التراخيص للمنظمات الأجنبية للقيام بالتمويل والمراقبة، أن يعوض قانون88 الذي أقر في أيلول 2011وسمح بإنشاء حوالي 25 ألف منظمة وجمعية، معتبرين أن الهدف من هذا القانون هو التضييق على المجتمع المدني وعلى تمويله وحصر نشاطه في مواضيع تكون مقترحة من قبل السلطة السياسية.