في طقوس تعبق برائحتها… قطاف محصول الوردة الشامية في النيرب بحلب

ملكة الورود تستعمل في صناعة الأدوية والعصائر والمربيات والعطور ومواد التجميل.
الخميس 2024/05/16
أنامل تشقى في جني المنتوج

يؤكد المزارعون في سوريا أن موسم قطاف الورد الشامي كان جيدا نظرا للعناية المتواصلة بشجيرات الورد من سقاية وتسميد وتقليم. ولقطاف الوردة الشامية موسم محدد يمتد بين الخامس عشر من مايو والعاشر من يونيو، ويقع العبء الأكبر لكل ما يتعلق بالوردة الشامية على عاتق النساء اللواتي يهيئن الأرض وقت الزراعة ويقطفن الورد ثم يحضّرن المنتجات بعد القطاف. وموسم القطاف لدى السوريين شبيه بالمهرجان.

حلب (سوريا) ـ مع خيوط الشمس الأولى يتسابق مزارعو الوردة الشامية في قرية النيرب بحلب إلى حقولهم لقطافها وجني محصولها، ترافقهم طقوس وعادات تعبق برائحة الوردة أينما اتجهت في بساتينهم الخضراء.

المزارع عبدالغني سليمان (70 عاماً) والذي يملك حقلاً من الورد بمساحة تصل إلى خمسة دونمات، قال في تصريح لمراسل وكالة الأنباء السورية “سانا” بحلب “إن الوردة الشامية مؤصلة في جذورنا ونهتم بزراعتها والاعتناء بها كما نهتم بأبنائنا”. وبيّن سليمان أن هذا الموسم كان جيداً نظراً إلى العناية المتواصلة بشجيرات الورد من سقاية وتسميد وتقليم، وهو يقبل مع أسرته منذ الصباح الباكر لقطف الورود ومن ثم تسويق المحصول.

وأوضح المزارع خالد سليمان الذي يملك مساحة ثلاثة دونمات مزروعة بالوردة الشامية أنه يقوم بالعناية المتواصلة بحقله من حراثة وتسميد وسقاية ومعالجته من أخطار الأوبئة وأثناء موسم القطاف يحرص على الحضور باكراً وجني المحصول كل يوم، مستعرضاً الفوائد الغذائية الكبيرة للورود ومنتجاتها الكثيرة ومنها صناعة العصائر والمربيات والعطور.

وقال المزارع محمود شرفو الذي يملك مساحة 17 دونماً مزروعة بالوردة الشامية إنه ورثها عن أجداده ويقدم لها كل العناية وهو مستمر بزراعة المزيد منها، داعياً الجهات المعنية إلى تقديم المساعدة من أسمدة ومحروقات.

وتحدث رئيس الجمعية الإنتاجية للوردة الشامية محمود شرفو عن طقوس جني محصول الوردة الشامية، والذي يستمر لفترة قصيرة خلال شهر مايو، حيث يجتمع الأهالي قبل شروق الشمس في الحقول ويبدؤون بعملية القطاف، لافتاً إلى أهمية الوردة الشامية في صناعة الأدوية والعصائر والمربيات ومواد التجميل، مؤكداً سعي الجمعية المتواصل لحث الفلاحين على زراعة المزيد من الأراضي حفاظاً عليها.

وقال مدير زراعة حلب المهندس رضوان حرصوني إن المساحات المزروعة بالوردة الشامية بلغت 30 هكتاراً بحلب، منها 23 هكتاراً في قرية النيرب، لافتاً إلى أن المديرية عملت على تنظيم ندوات إرشادية للمزارعين بكيفية الاهتمام والعناية بالوردة الشامية، إضافة إلى عمل الهيئة العامة للبحوث الزراعية العلمية على إنتاج سلالات جديدة من الورود مقاومة للأمراض والآفات الزراعية، كما يتم في المشتل الزراعي إنتاج شجيرات جديدة وتوزع على المزارعين بأسعار تشجيعية.

الهيئة العامة للبحوث الزراعية عملت على إنتاج سلالات جديدة من الورود مقاومة للأمراض، وفي المشتل الزراعي يتم إنتاج شجيرات جديدة
◙ الهيئة العامة للبحوث الزراعية عملت على إنتاج سلالات جديدة من الورود مقاومة للأمراض، وفي المشتل الزراعي يتم إنتاج شجيرات جديدة

وبأعين خبيرة ويد لا تُخطئ، تتفحّص النساء شجيرات الورد الصغيرة، ويعرفن تماماً أيّ الورود حان قطافها، وأيّها تحتاج يوماً أو يومين. وتقول امرأة سبعينية مبتسمة “من يوم خلقنا ونحن نعيش بحقول الورد”، وتضيف “هذه رائحة الورد الطبيعي. لن يوجد لها مثيل إلا هنا”. وبجوارها، كانت زوجة ابنها سريا عباس تقطف الورود بطريقة لا تقل مهارة وخفة عن حماتها. وإلى جانبها يلعب ابنها الصغير الذي لم يتجاوز عمره بضعة أعوام.

وبحسب سريا التي يرتفع صوتها ممازحة من حولها “يقع العبء الأكبر لكل ما يتعلق بالوردة الشامية على عاتق النساء اللواتي يهيئن الأرض وقت الزراعة ويقطفن الورد ثم يحضّرن المنتجات بعد القطاف. لولا نساء القرية لما استمرت هذه الوردة”. وتدور بعض النقاشات باللغة التركية التي يستخدمها أهالي القرية في تواصلهم اليومي بين بعضهم البعض، في حين يتحدثون للقادمين من أماكن أخرى بالعامية السورية.

ولقطاف الوردة الشامية موسم محدد يمتد بين 15 مايو و10 يونيو. ويوميا في هذه الفترة من السنة، بين الخامسة والثامنة صباحاً، تتحول مئات الدونمات المحيطة بالقرية الصغيرة إلى ما يشبه المهرجان؛ إذ تتمايل النساء بحركات منتظمة ليقطفن برقّة وعناية الورود ذات اللون الزهري المتداخل مع الأبيض ويضعنها في سلال ودلاء صغيرة أو جيوب قماشية معلقة على الخصر، ويعمل بعض الأطفال والرجال إلى جانبهنّ، وتنتشر في كامل المنطقة رائحة أخّاذة يفخر المزارعون بها كلما كانت فوّاحة أكثر، فهي تدل على جودة المحصول وحسن الاعتناء به.

وتشرح النساء أن الورود الصغيرة التي لم تتفتح بعد، والتي تُعرف باسم “الأزرار”، هي الأفضل للتجفيف والاستخدام كأعشاب تُغلى، فلها خواص مقاومة للبرد والمرض، بينما يمكن استخلاص ماء الورد وزيته من الورود الأكبر، كما أنها قد تحوّل إلى مربى أو شراب الورد، ذلك أن “لكل وردة الوقت الأنسب لقطافها، وأحياناً يكون الفرق ساعات أو أياماً بين واحدة وأخرى”.

◙ أعين خبيرة تتفحّص شجيرات الورد الصغيرة وتعرف تماما أيّ الورود حان قطافها
◙ أعين خبيرة تتفحّص شجيرات الورد الصغيرة وتعرف تماما أيّ الورود حان قطافها

وتعلّق سريا، بالقول “كما كل نساء القرية، نتعلّم القطاف منذ الصغر. وبقدر ما أحب هذا الأمر، بقدر ما هي مؤلمة أشواك الورود التي تمتلئ بها أيدينا كل يوم”. وهنا تضحك امرأة وترد عليها لأن “نساء الجيل الأصغر أقل خشونة وقدرة على تحمل مشاق الحياة الريفية”.

لدى سريا حكاية أخرى، فهي طالبة جامعية حرمتها الحرب من متابعة تعليمها في دمشق، وزادت صعوبة التنقل من المشاكل التي واجهتها؛ فتلك المنطقة عاشت بعض فصول المعارك خلال السنوات الماضية. وهي أيضاً معلّمة للغة الإنجليزية في إحدى مدارس القرية.

وتعرف الوردة الشامية بالورد الجوري، ويعتبرها المؤرخون إبداعا زراعيا سوريا منذ القدم، وكانت ملهمة للشعراء والأدباء بجمالها. وانتشرت إلى العديد من المناطق في العالم بفعل قوافل الحج والحملات الصليبية على بلاد الشام، واستطاع السوريون بإبداعهم أن يستخرجوا منها العديد من المنتجات، منها الزيوت التي يفوق سعر الغرام الواحد منها سعر الذهب.

◙ الوردة الشامية تعرف بالورد الجوري، ويعتبرها المؤرخون إبداعا زراعيا سوريا منذ القدم، وكانت ملهمة للشعراء والأدباء بجمالها

وقال رئيس جمعية الوردة الشامية أمين البيطار إن “الوردة الشامية ملكة الورود وهي الوردة الوطنية للجمهورية العربية السورية وهي شجيرة شوكية تنمو في المرتفعات في بلاد الشام منذ القديم حيث وجدت بريا في جبال القلمون”. وأضاف البيطار أن “هذه الوردة تزرع كفسائل في يناير من كل عام، وتعيش في كل المناطق ومنها في المناطق المرتفعة بعليا بمعدل 200 مم أو أكثر”.

وتابع “يمكن استخلاص العديد من المنتجات من الوردة الشامية كماء الورد، وزيت الورد ومربّى الورد وكريمات الورد”، لافتا إلى أن المنتج الأهم في الوردة الشامية زيتها الذي يدخل في صناعة أرقى العطور. وعن سعر زيت الوردة الشامية، قال البيطار “إن سعر غرام الزيت يختلف من بلد إلى آخر حسب جودته، وزيت بلدنا من أجود الأنواع بحسب نتائج التحاليل التي أجريت في جامعة دمشق وسعره 60 دولارا”.

وتعد بلدة المراح في جبال القلمون والتي تبعد قرابة 60 كم عن دمشق الموطن الأصلي للوردة الشامية. وقال رئيس جمعية المراح لإحياء وتطوير الوردة الشامية مدين البيطار “إن بلدة المراح تحتوي على السلالة الأصلية للوردة الشامية، وذلك مثبت عبر الدراسات”.

وأشار البيطار إلى أن استخراج ماء الورد وزيت الورد يتم عبر أجهزة تقطير، لافتا إلى أن زيت الورد يتم الحصول عليه بعد تقطير ماء الورد. وعن الكميات اللازمة لإنتاج كيلوغرام واحد من زيت الورد، قال البيطار إن هذا الأمر يتطلب في بلدة المراح من 10 إلى 12 طنا من الورد، مشيرا إلى أن هذا الأمر يختلف في مناطق أخرى بسبب طبيعة مناخها فتصل الكمية إلى ما بين 25 و30 طنا.

وعن الصعاب التي يتعرض لها محصول الوردة الشامية، قال مدين البيطار إن الجفاف ومرض حفار الساق أثّرا بشكل كبير في إنتاج الوردة الشامية. ولفت إلى أنه تم حفر بئرين لسقاية شجيرات الوردة الشامية. وأوضح البيطار أن زراعة الوردة الشامية يتم تطويرها في البلاد حيث نعمل على نشر زراعتها في أنحاء البلاد لأهميتها الاقتصادية والثقافية. وأكد البيطار أنه يُنظم سنويا مهرجان الوردة الشامية في المراح لقطاف المحصول لإبراز أهميتها، وأن موسم القطاف يستمر من الخامس عشر من مايو وحتى الخامس من يونيو.

◙ حصيلة وافرة

16