إعفاء إيران من العقوبات الأميركية عديم الجدوى

قصف الحرس الثوري الإيراني لإسرائيل يثير الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي شكل من أشكال التمويل الذي يضمن قدرات فيلق الحرس الثوري.
الثلاثاء 2024/05/14
خبرة في التحايل على العقوبات

واشنطن - بعد سنوات من القتال في الظل ضد إسرائيل، تجاوز الحرس الثوري الإيراني العتبة في الثالث عشر من أبريل، بعد شنه هجوما علنيا ومباشرا من أراضيه ضد إسرائيل، حيث أطلق أكثر من 300 قذيفة، بما في ذلك طائرات بدون طيار هجومية أحادية الاتجاه، وصواريخ كروز للهجوم الأرضي، وحتى صواريخ باليستية متوسطة المدى ذات قدرة نووية.

وجاء في تقرير نشرته مجلة ناشونال أنتريست الأميركية أن قصف الحرس الثوري الإيراني يثير الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي شكل من أشكال التمويل الذي يضمن قدرات فيلق الحرس الثوري.

وقبل أيام قليلة فقط على الهجوم، اعترف أحد المعينين من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن علنا باستغلال النظام لأموال المساعدات الإنسانية لأغراض شريرة.

وفي التاسع من أبريل، شهد نائب وزير الخزانة الأميركي والي أدييمو أن طهران تستغل المساعدات الإنسانية البديلة، وأشار إلى أن “أي دولار لديهم سيذهب نحو النشاط العنيف قبل أن يتعاملوا مع شعبهم”.

وتثير شهادة أدييمو مخاوف جدية بشأن سياسة إدارة بايدن المتمثلة في الاحتفاظ بالعديد من الإعفاءات من العقوبات المفروضة على إيران.

وتحتوي جميع تدابير العقوبات القانونية تقريبا على إعفاءات، مما يسمح بإجراء معاملات قد تكون محظورة إذا استوفت متطلبات معينة.

للجمهورية الإسلامية الإيرانية تاريخ طويل في تحويل الموارد المخصصة للأغراض الإنسانية إلى دعم قدراتها العسكرية

وفي السياق الإيراني، فإن أحد أسباب إصدار هذه الإعفاءات هو ضمان وجود شرايين اقتصادية لشراء المساعدات الإنسانية وتوصيلها. ومع ذلك، فإن إصدار الإعفاءات يمكن أن يكون سياسيا بقدر ما هو تقني لأن إصدار الإعفاءات يمكن أن يخفف بشكل غير مباشر العقوبات وضغوط الاقتصاد الكلي على هدف ما ويؤثر على السياسة الخارجية تجاه دولة طرف ثالث.

وعلى سبيل المثال، في الفترة من 2018 إلى 2023، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعفاءات من العقوبات تسمح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران بشرط الاحتفاظ بجميع المدفوعات في حساب ضمان في بغداد، وبالتالي حرمان إيران من الوصول إلى الإيرادات. لكن في الصيف الماضي، غيرت إدارة بايدن هذا التنازل للسماح للعراق بتحويل 10 مليارات دولار إلى إيران وإيداع المدفوعات المستقبلية في حسابات مصرفية إيرانية في عمان. كما سمحت السياسة الجديدة لإيران بتحويل الأموال من الدينار العراقي إلى اليورو. ويمكن لإيران بعد ذلك معالجة المعاملات القائمة على اليورو للواردات ومدفوعات الديون من الحسابات في عمان.

وقبل ذلك، في خريف عام 2023، قامت إدارة بايدن بفك تجميد 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية في كوريا الجنوبية والتي تم تحويلها إلى اليورو قبل إرسالها إلى قطر. وزعمت الإدارة أن هذه الأموال ستكون متاحة فقط للمعاملات الإنسانية.

وكان الادعاء بأن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران تسبب معاناة إنسانية منذ فترة طويلة نقطة نقاش أساسية بين معارضي الضغط على الجمهورية الإسلامية على الرغم من الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك.

قانون إصلاح العقوبات التجارية وتعزيز الصادرات (TSRA) لعام 2000 يعفي الأدوية والأجهزة الطبية والمواد الغذائية من العقوبات الأميركية

وعلى سبيل المثال، خلال ذروة فايروس كورونا في إيران، زعمت العديد من وسائل الإعلام الغربية نقلا عن المتشككين في العقوبات أن العقوبات الأميركية أدت إلى تفاقم التحديات الإنسانية في إيران من خلال المساهمة بشكل مباشر في نقص الأدوية في جميع أنحاء البلاد. وحتى الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أعادت التأكيد على هذه الفكرة القائلة بأن العقوبات الأميركية تمنع قدرة إيران على استيراد السلع الطبية.

وعلى النقيض من هذه الادعاءات، فإن القانون الأميركي يستثني المساعدات الإنسانية على وجه التحديد.

وعلى سبيل المثال، فإن العقوبات التي تستهدف البنك المركزي الإيراني، على النحو المنصوص عليه في المادة 1245 من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2012، تعفي “معاملات بيع المواد الغذائية أو الأدوية أو الأجهزة الطبية”. كما أن العقوبات القطاعية التي يفرضها القانون والأوامر التنفيذية تعفي مثل هذه المعاملات.

وبالمثل، فإن قانون إصلاح العقوبات التجارية وتعزيز الصادرات (TSRA) لعام 2000 يعفي الأدوية والأجهزة الطبية والمواد الغذائية من العقوبات الأميركية أيضا.

وعلى الرغم من التأكيدات على أن العقوبات الأميركية أدت إلى تفاقم وباء كوفيد – 19 في إيران، أشارت البيانات التجارية إلى أن العقوبات لم تقيد قدرة إيران على استيراد السلع الصيدلانية.

وعلاوة على ذلك، اتخذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تدابير مختلفة للحفاظ على التجارة الإنسانية، مثل إنشاء قناة مصرفية سويسرية تسهل تدفق السلع الإنسانية إلى إيران.

في السنوات التي سبقت الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، ساعدت البنوك التركية في تحويل مليارات الدولارات في معاملات غير مشروعة

وفي عام 2019، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا تلقي فيه باللوم على حملة الضغط الأقصى في نقص الأدوية في إيران.

ومع ذلك، أظهر بحث مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن واردات إيران من المنتجات الصيدلانية من الاتحاد الأوروبي انخفضت بنسبة 5 في المئة فقط في عام 2019 مقارنة بعام 2018.

وللجمهورية الإسلامية أيضا تاريخ في تحويل الموارد المخصصة للأغراض الإنسانية. ففي يوليو 2019، أفادت إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه تم إنفاق 186 مليون دولار من العملة الصعبة المخصصة لاستيراد الأدوية والسلع الأساسية على السجائر والتبغ.

وفي عام 2018، أظهر تحقيق أجرته وزارة الخزانة الأميركية أن النظام واجه شركة طبية وأدوية إيرانية (تدبير كيش) لتسهيل المدفوعات غير المشروعة التي يقدمها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى حماس وحزب الله وسوريا وروسيا.

وفي السنوات التي سبقت الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، ساعدت البنوك التركية في تحويل مليارات الدولارات في معاملات غير مشروعة باستخدام فواتير احتيالية لسلع إنسانية وهمية وحتى مواد غذائية لتجاوز العقوبات.

وفي وقت سابق من عام 2012، اشتكى وزير الصحة الإيراني من أن أموال الحكومة الإيرانية المدعومة تُنفق على واردات السيارات الفاخرة بدلا من تلبية احتياجات الواردات الطبية.

وفي ضوء هذا السجل، إلى جانب التصريحات الأخيرة الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، فمن الواضح بشكل متزايد أن طهران ستواصل تحويل الأموال المستمدة من الإعفاءات من العقوبات لدعم الحرس الثوري الإيراني بشكل غير مباشر.

ولذلك، يجب على إدارة بايدن أن تغتنم هذه الفرصة للعمل مع الكونغرس، وليس ضده، وتقييد وصول إيران إلى الأموال المجمدة والتأكد من عدم استخدام النظام لأي إعفاءات صادرة لتمويل أجهزته العسكرية.

6