"السينما الأفريقية.. جمالية تسائل عصرها" في مهرجان خريبكة الدولي

خريبكة (المغرب)- خصصت النسخة الرابعة والعشرين من المهرجان الدولي للسينما الأفريقية بخريبكة للبحث في جماليات السينما الأفريقية ومدى ارتباطها برهانات العصر الحالي. حيث ترفع التظاهرة التي تتواصل إلى غاية 18 مايو الجاري تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس شعار “السينما الأفريقية.. جمالية تسائل عصرها”.
وتتوخى هذه التظاهرة الفنية، التي تحل فيها سينما مالي ضيفة للشرف، تكريس الأبعاد الثقافية في سياسة التعاون جنوب – جنوب التي يعتمدها المغرب، تنفيذا للتوجيهات الملكية، وكذا مكافأة جماهير السينما نظير شغفها بالفن السابع من خلال عرض أفلام تستجيب لأذواقها.
وخلال النسخة الـ24 من المهرجان سيتم عرض 13 شريطا طويلا في إطار المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، و14 شريطا قصيرا ضمن المسابقة الخاصة بهذه الفئة، مع مشاركة أزيد من 300 سينمائي.
وينافس المغرب في مسابقة الأفلام الطويلة بفيلمي “صمت الكمنجات” للمخرج سعد الشرايبي و“كأس المحبة” للمخرج نوفل براوي إلى جانب أفلام من تونس ومصر وتوغو وزامبيا وساحل العاج والكاميرون والسنغال ورواندا وبوركينا فاسو.
وستبت في مسابقة الأفلام الرسمية الطويلة لجنة تحكيم تضم خمسة أعضاء أجانب، بينما تتشكل لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة من ثلاث أعضاء مماثلين.
ومن بين الجوائز المقررة في هذا المهرجان جائزة “دون – كيشوط” المخصصة للأندية السينمائية بالمغرب، وجائزة النقد للسينما الأفريقية.
ويشمل برنامج المهرجان مجموعة من ورش التدريب في الإخراج والتصوير والمونتاج وإدارة الممثل وموسيقى الأفلام والتحليل السينمائي إضافة إلى مسابقة في كتابة السيناريو.
كما ينظم المهرجان ندوة بعنوان “الجمالية في السينما الأفريقية” في مقر الخزانة الوسائطية بخريبكة.
وفي هذا الصدد، قال وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، إن المهرجان الدولي للسينما الأفريقية “يبصم على مساره منذ سنة 1977، من أجل تأكيد الصوت الأفريقي، والمتخيل الأفريقي، والحق في الصورة، والمتخيل البصري للشعوب الأفريقية”، مؤكدا أن المهرجان كرس ريادته منذ بداياته من خلال الرهان على سينما حرة، وقريبة من جمهورها، وبعيدة عن النظم التي تفرضها القواعد الغربية الخاصة بالترفيه.
وأشار الوزير، في كلمة تليت نيابة عنه، إلى أن هذا المهرجان واكب تطور وانبثاق السينما الأفريقية بطابع يزاوج بين الابتكار والشعبية، لكونه كان متقدما عما يلاحظ الآن، ويتمثل في مضاعفة الصناعات السينمائية الأفريقية القوية والتنافسية.
وأوضح أن ريادة المهرجان تتجلى في ثقته بالأندية السينمائية وبالشغوفين بالسينما وبالمستقلين وبالهواة، مبرزا أن التظاهرة تجلي أيضا مصادر الإلهام الكامنة في الشباب، والجرأة والخيال، وليس بالأساس في الوسائل الضخمة.
وأبرز أن السينما الأفريقية وصلت إلى مرحلة من النضج وبمقدورها الانطلاق في البحث عن الأسواق الوطنية والعالمية، مشيرا إلى أن المخرجين السينمائيين الأفارقة، تم تكريمهم في المقام الأول بخريبكة، قبل أن يشتهروا في المهرجانات السينمائية بأوروبا وبشمال أفريقيا.
وخلص إلى أن المغرب يُدرج، وفقا للرؤية النيرة للملك محمد السادس، انبثاقه الاقتصادي والثقافي في إطاره الطبيعي، “قارتنا الأفريقية”، لافتا إلى أنه نجح أيضا في التقعيد لصناعة سينمائية قوية وذات مصداقية، تضع إفريقيا في خريطة الصناعات الإبداعية، “دون أن نضحي لا بالجودة، ولا بروح استقلالية المبدعين. ولأجل ذلك يظل مهرجان خريبكة بالنسبة لنا نموذجا، نموذجا في المثابرة، والرؤية، والاستقلالية”.
من جانبه، قال رئيس مؤسسة مهرجان خريبكة للسينما الأفريقية، الحبيب المالكي، إن هذه التظاهرة ذات البعد القاري، تروم الاحتفاء سنويا بالتعدد، والابتكار وتجذر السينما الأفريقية، مضيفا أنها تشكل منصة مواتية لتقاسم الأعمال السينمائية ذات الجودة الرفيعة، والجذابة، والملهمة.
وأبرز السيد المالكي، في كلمة بالمناسبة، قدرة هذه الأعمال على تجاوز الحدود التي تفرضها كافة الظروف الاجتماعية والثقافية، مؤكدا في هذا الصدد أهمية السينما في اكتشاف فضاءات جديدة، و“ضمان تشبيكنا مع واقع مختلف، وإذكاء خيالنا، مع حفز عواطفنا الجوانية”.
وأبرز، في هذا الاتجاه، أن القارة الأفريقية تختزن مواهب استثنائية تتوسل بـ“الفن السابع” لتشاطر “رؤانا الفريدة، وتجاربنا وآفاقنا”، مسجلا أن المهرجان الذي ينفتح على باقة استثنائية من الأفلام تبرز الغنى الثقافي، والاجتماعي، والسياسي بالقارة الأفريقية، يتبنى أيضا التعريف بالمواهب وإبرازها”.
وبخصوص السينما المالية، ضيفة شرف هذه الدورة، أوضح السيد المالكي أن باقة الأفلام المنتقاة تقدم “لمحة أصيلة عن المعيش، والعادات والابتكار الصميمة بهذا البلد الجميل”، مشيرا إلى أن السينما الأفريقية عموما، تنكب على عدة تيمات تتعلق أساسا بالقضايا المتعلقة بالهوية الفردية والجماعية، وعلاقة الفرد بتاريخ بلده وقارته، إضافة إلى تسليط الضوء على الحقبة الكولونيالية التي تركت “جروحا لا تندمل وحكتها السينما الأفريقية بأوجه وضروب شتى، كما تعرضت للرهانات السياسية، والاجتماعية والثقافية الخاصة بهذه المرحلة، دونما إغفال للصعوبات المترتبة عن عسر تشكل هوية وطنية لحقبة ما بعد الاستعمار”.
وخلص إلى أن المواضيع تتناول، كذلك، التصدي لإشكالية الهجرة، والنزاع بين التقليد والعصرنة بالمجتمعات الأفريقية، والشباب ومستقبل القارة، مبرزا أن التوجه الهام لتطوير السينما الأفريقية يكمن في تنويع الأصناف السينمائية والانكباب على مواضيع متنوعة تجذب الجمهور الواسع.
وعلى هامش حفل الافتتاح، تم الاحتفاء بمسار الممثل المقتدر محمد الخلفي، مع عرض فيلم توثيقي يبرز المكانة التي يحظى بها المحتفى به الذي أثرى رصيد السينما والفيلم المغربييْن بأعمال قيمة مازالت صامدة إلى اليوم من قبيل “الصمت، اتجاه ممنوع” (1973)، و“الضوء الأخضر” (1974)، و“أيام شهرزاد الجميلة” (1982)، و“الورطة” (1984)، و“أوشتام” (1997)، و“هنا ولهيه” (2004)، و“الوثر الخامس” (2010)، إضافة إلى عدد من الأفلام القصيرة من بينها فيلم لهشام العسري بعنوان “بخط الزمان” (2006) وآخر لرشيد زكي بعنوان “غادي نكمل” (2012).
يشار إلى أن مهرجان خريبكة للسينما الأفريقية الذي تعود نسخته الأولى إلى مارس 1977، يعد أقدم مهرجان سينمائي بالمغرب وثالث أعرق مهرجانات القارة الأفريقية.