المخاوف من الأجندات الخارجية وراء التصعيد بين موريتانيا ومالي

نواكشوط- لا تخفي مساعي التهدئة بين موريتانيا ومالي وجود مخاوف موريتانية من أن تمتد إليها الأزمة المالية بتعقيداتها المختلفة، ومن بينها الانقلاب العسكري وتوسع نشاط مجموعة فاغنر الروسية، وهو ما يفسر حدة رد نواكشوط بعد تسلل عناصر من فاغنر على وجه “الخطأ” لمسافة أميال داخل أراضيها.
ويهدف التصعيد من جانب موريتانيا، خاصة مع إجراء مناورات على الحدود تحت عنوان “الوقوف على جاهزية الوحدات المقاتلة ومستواها العملياتي”، إلى تأكيد أنها لن تتسامح مطلقا مع أي محاولة لجرها إلى مربع النفوذ الروسي الجديد الذي بدأ يتشكل في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ولا شك أن موسكو تريد أن توسع دائرة الحلف، وهذا سر تخوف موريتانيا وردة فعلها السريعة حتى لا ينظر إليها كخاصرة رخوة يمكن اختبارها.
وفي 8 أبريل الماضي أفادت وسائل إعلام موريتانية بأن الجيش المالي، مصحوبا بقوات من مجموعة فاغنر، اقتحم قرية فصالة في أقصى شرقي موريتانيا، أثناء ملاحقة مقاتلين من حركة أزواد الانفصالية.
وتزامن تسلل فاغنر وما تلاه من تصعيد على الحدود مع استعداد موريتانيا للانتخابات الرئاسية المقررة في 29 يونيو القادم، في رسالة موريتانية واضحة إلى المحور الجديد على حدودها الجنوبية تؤكد فيها أنها لن تقبل أي تغيير عنيف ومفاجئ.
وقد تدفع المخاوف من الأجندة الروسية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بموريتانيا إلى الانفتاح على التعاون مع الولايات المتحدة، التي تبحث بدورها عن شريك بديل تنقل إليه قواتها المنسحبة من النيجر وتشاد.
ويرى أمين غوليدي، الباحث في الجغرافيا السياسية والأمنية، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست، أن تقوية التعاون الأمني مع نواكشوط يوفر لواشنطن حصنا ضد انتشار عدم الاستقرار صوب الجنوب ويساهم في تعزيز قدرات موريتانيا ويدعم بنيتها التحتية العسكرية.
لكن الأهم بالنسبة إلى موريتانيا من وراء ردة الفعل القوية هو إظهار أنها ليست خاصرة رخوة، وأنها قوة مستقبلية مهمة خاصة مع التقارير التي تتحدث عن أنها ستصبح دولة منتجة للغاز. وتقول الحكومة الموريتانية إن احتياطيات الغاز المكتشف في البلاد تقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب.
ولا تريد نواكشوط أن تضع نفسها في صف هذا الحلف الإقليمي أو ذاك في الوقت الراهن، على أن تحدد موقعها في مرحلة لاحقة وفق ما تحققه لها فورة الغاز مع تحولها إلى وجهة لشركات غربية وخليجية.
◄ المخاوف من الأجندة الروسية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر قد تدفع موريتانيا إلى التعاون مع الولايات المتحدة
ويمكن أن يفسر هذا التوجه عدم تحمس موريتانيا لمطالب الجزائر ومنها الانضمام إلى تحالف مغاربي جديد على حساب اتحاد المغرب العربي، وكذلك المنطقة الحرة الحدودية بين البلدين، التي بدت دون ما تريده نواكشوط وأقل من وضعها الجديد بكثير. كما أن طريق تندوف – الزويرات حاجة جزائرية لتعويض بوابة الأطلسي أكثر منها ضرورة موريتانية.
وحَذَرُ موريتانيا من أن تضع نفسها في حلف لا يمنع أنها أقرب إلى المغرب منها إلى الجزائر لاعتبارات مصلحية حيث سيكون بوابة سهلة وآمنة لعلاقتها مع أوروبا، وهو ما ستحتاج إليه خاصة في تصدير الغاز مع تهيؤ الرباط لتكون بوابة للغاز النيجيري.
كما أن المغرب سيكون مطلبا مفضلا من الشركات الغربية والخليجية التي ستعمل في قطاع الطاقة الجديدة، في ظل مخاوف من مزاجية الجزائريين وصعوبة التعامل معهم في حال كانت بلادهم معبرا للغاز من الجارة موريتانيا.
وتشترك موريتانيا في الاعتماد على الوجهة المغربية مع مالي التي تراهن بدورها على مبادرة الرباط الأطلسية. وتشابك المصالح يرجح قبول البلدين بمبادرة للوساطة من المغرب الساعي إلى بناء تحالف اقتصادي وتجاري مع دول غرب أفريقيا ضمن مقاربة الربط بين أفريقيا وأوروبا.
وقد يبدو التصعيد الموريتاني مفهوما أكثر بسبب خروج مالي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وما خلفه من إرباك في الإقليم على التعاملات الاقتصادية والتجارية والأمنية، في وقت كانت فيه المجموعة تهيئ نفسها لتكون قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة.
يضاف إلى ذلك وجود أزمة موقوتة بين البلدين بشأن ترسيم الحدود مثلما أشار إلى ذلك وزير الداخلية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين، بقوله إن “الحدود بين موريتانيا ومالي لم يتم ترسيمها بعد، وإن لجنة فنية مشتركة بين الدولتين مازالت تتابع حيثيات ترسيم الحدود”.
أمين غوليدي: أن تقوية التعاون الأمني مع نواكشوط يوفر لواشنطن حصنا ضد انتشار عدم الاستقرار صوب الجنوب
وترتبط موريتانيا ومالي بحدود برية تعد الأطول في المنطقة، حيث يبلغ طولها ألفين و237 كيلومترا، معظمها في صحراء قاحلة.
وحذر ولد محمد الأمين من “الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي التي تؤجج الأوضاع الأمنية بنشر الإشاعات الكاذبة وتبعث الخوف والهلع في صفوف المواطنين”.
وما يظهر أن التصعيد خطوة احترازية من موريتانيا وليس خيارا هو رغبة نواكشوط وباماكو في المصالحة وتبادل الوفود الدبلوماسية والعسكرية خلال الأسابيع الأخيرة.
واستدعت نواكشوط السفير المالي محمد ديباسي، احتجاجا على ما تعتبره “اعتداءات متكررة داخل الأراضي المالية” تعرض لها موريتانيون.
وبعد ذلك بيومين أوفد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وزير الدفاع حننه ولد سيدي إلى باماكو حاملا رسالة، عقب أحاديث عن استمرار إساءة معاملة الموريتانيين في مالي.
وأعلنت القيادة العامة لأركان الجيش الموريتاني أن قائدي الأركان في مالي وموريتانيا بحثا في جلسة عمل الخميس في نواكشوط التوترات والأوضاع الأمنية في مناطق الحدود.
وأفاد بيان لأركان الجيش الموريتاني، نشر على الموقع الرسمي للجيش، بأن قائد أركان الجيش المختار ولد بله شعبان ونظيره المالي عمار ديارا الذي يزور موريتانيا على رأس وفد عسكري كبير “بحثا وناقشا تشخيص المشاكل والمخاوف الأمنية للطرفين في جو من الشفافية والمكاشفة لإيجاد حلول مستديمة تمكن من وضع آلية لتجنب الحوادث الأخيرة في المستقبل وتأمين الحدود المشتركة”.
وأضاف البيان أن الوفدين عبرا عن “أهمية الاتفاق على تدابير أمنية ملموسة تضمن عودة الهدوء والسكينة إلى المناطق الحدودية وتمكّن من حماية المصالح الحيوية التي تستند إلى تاريخ طويل من العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين”.