تنوع البذور الزراعية.. ثروة تحتاج إلى الحماية في مواجهة تغير المناخ

مهندس زراعي بريطاني يسعى للحفاظ على أكبر عدد ممكن من البذور الزراعية.
السبت 2024/05/11
قدرة كبيرة على التكيف مع البيئة

باريس - يسعى جيفري هاوتن وكاري فاولر اللذان حصلا الخميس على جائزة الغذاء العالمية، إلى تحقيق الهدف نفسه: حفظ أكبر كمية ممكنة من البذور للاستفادة مستقبلا من خصائصها الجينية كمقاومتها للحرّ أو لبعض الأمراض.

وتكمن مساهمتهم الأبرز في المشاركة بإنشاء محمية عالمية في أرخبيل سفالبارد النرويجي، في القطب الشمالي، وهي أشبه بخزنة بذور عملاقة محفورة في نهر جليدي، حيث تُخزَّن حاليا 1.25 مليون عينة.

ويتمثل الهدف في الحفاظ على أكبر عدد ممكن من البذور الزراعية آمنة هناك، على ما يوضح جيفري هاوتن، وهو مهندس زراعي بريطاني كندي يبلغ 75 عاماً، لوكالة فرانس برس خلال مقابلة أجريت مع الفائزَين عبر الفيديو.

استجابة النبات لتغير المناخ، الذي يمكن أن يكون حرارة أو بردا أو جفافا، تعتمد على عشرات الآلاف من الجينات

ويقول هاوتن “ما تغيّر قليلا منذ افتتاح (المحمية) في عام 2008، هو ما يدخل” إلى المكان، فبعد جمع بذور النباتات “المدجّنة” بشكل أساسي مثل القمح أو الشعير، تستقبل المحمية بكميات متزايدة من الأنواع البرية القريبة بشكل أو بآخر من النباتات المزروعة.

وهذه الأخيرة غالبا ما تكون لديها “جينات مثيرة للاهتمام بشكل خاص في ضوء تغير المناخ”، وفق هاوتن.

ويذكّر كاري فاولر، وهو اختصاصي بذور أميركي يبلغ 74 عاما، بأن تدجين النباتات يأتي “نتيجة آلاف السنين وتجارب لا حصر لها”.

وسيكون من “الغرور” الاعتقاد بأن أدوات الهندسة الوراثية الحالية، حتى الأكثر تطورا، يمكن أن تعيد إنتاج هذه الثروة “قبل مرور وقت طويل”. ويقول “إنها أكثر تكلفة بكثير من الاحتفاظ بتنوع البذور في بنوك مخصصة”.

ويشير جيفري هاوتن إلى أن تحرير الجينات “سيلعب دورا كبيرا، والمشكلة تكمن في معرفة ما يجب تعديله”.

ويوضح “استجابة النبات لتغير المناخ، الذي يمكن أن يكون حرارة أو برداً أو جفافاً أو فيضانات، تعتمد على عشرات الآلاف من الجينات”. وحتى مع الذكاء الاصطناعي، “أشك في أننا سنكون قادرين على فهم جميع تفاعلاتها بشكل كامل”، بحسب هاوتن.

ومع ذلك، يتوقع الباحث ظهور بنوك بذور رقمية، ستتيح تخزين قدر أكبر من المعلومات التي توضح بالتفصيل الخصائص الوراثية للنباتات.

خزنة بذور مثالية
خزنة بذور مثالية

ولم يكن الهدف حينها التكيف مع تغير المناخ، بل إنتاج أكبر قدر ممكن من القمح والذرة والأرز.

ويستذكر كاري فاولر “كنا نشهد على مجاعة في إثيوبيا والهند. وكان همنا المباشر ملء البطون”.

ولتحقيق ذلك، أوصى الخبراء في ذلك الوقت بالتركيز على البذور ذات الإنتاجية الأعلى واستخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية على نطاق واسع.

ومنذ ذلك الحين، أدرك هؤلاء أهمية تطوير أنظمة زراعية أكثر استدامة وتوسيع نطاق النباتات المزروعة، كما يقول كاري فاولر، المبعوث الأميركي الخاص حاليا للأمن الغذائي العالمي.

ومن خلال منصبه هذا، يعمل فاولر على الترويج لاستخدام النباتات التقليدية في أفريقيا، والتي غالبا ما تهملها البرامج البحثية لصالح الذرة والقمح والأرز، ولكنها قد تحمل قيمة غذائية أعلى وقدرة أكبر على التكيّف مع البيئة.

بدأ جيفري هاوتن مسيرته المهنية في الشرق الأوسط، حيث كان يلتقي بالمزارعين لجمع بذور الخضروات في أفغانستان وإثيوبيا ولبنان والأردن… من ثمّ تهجينها. وفي ظل عدم رغبته في التخلص منها، بدأ في حفظها.

المخاطر المتعلقة بالمناخ تعتبر أعلى بالنسبة للاحتباس الحراري العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية مقارنة بالمخاطر الحالية، ولكن المخاطر تكون أكثر حدة إذا وصل الاحتباس الحراري إلى 2 درجة مئوية

وبعد ثلاثة عقود، أجبرت الحرب في سوريا بنك البذور في حلب، حيث عمل المهندس الزراعي لفترة، على “إخلاء” عيناته بشكل عاجل؛ وقد جرى إرسال العديد منها إلى محمية سفالبارد.

وقد تمت بالفعل إزالة بعضها، بما في ذلك بذور الخضروات التي جمعها جيفري هاوتن وفريقه، من المحمية لضمها إلى مجموعات في المغرب ولبنان.

ويقول جيفري هاوتن ضاحكاً “قبل أسبوعين، في المغرب، رأيت بعضا من هذه البذور تُزرع في الحقول لاختبار مقاومتها للجفاف”.

ويشعر الباحثان بشيء من المرارة لأن المحمية العالمية للبذور قد استُخدمت بهذه السرعة.

ويوضح كاري فاولر “الأمر أشبه بعقود التأمين على السيارات… إذ يفضّل المرء عدم حصول أمر ما يدفع للاستفادة منها”، لكن “لسوء الحظ، سيكون لدينا بلا شك المزيد من حالات الصراع أو الكوارث الطبيعية التي ستعرض بنوك البذور للخطر”.

تُمنح الجائزة التي حصل عليها الرجلان الخميس، منذ عام 1986 للأفراد الذين حسّنوا جودة الطعام أو كميته أو إمكانية الوصول إليه في العالم.

وتظهر تأثيرات تغير المناخ بالفعل على النظم الطبيعية والبشرية، بما في ذلك التغيرات في كمية المياه ونوعيتها، والتحولات في الأنشطة الموسمية، وأنماط الهجرة، ووفرة الأنواع والتفاعلات للعديد من الأنواع البرية والبحرية والمياه العذبة وتأثيرات سلبية تفوق الإيجابية منها على معظم المحاصيل. وهناك أدلة على أن تغير المناخ يؤثر على النظم البيولوجية في مستويات متعددة، من الجينات إلى النظم البيئية. ووفقًا للخبراء أضعف تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري 82 في المئة من 94 عملية بيئية أساسية اعترف بها علماء الأحياء، من التنوع الجيني إلى وظيفة النظام البيئي.

وتعتبر المخاطر المتعلقة بالمناخ أعلى بالنسبة للاحتباس الحراري العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية مقارنة بالمخاطر الحالية، ولكن المخاطر تكون أكثر حدة إذا وصل الاحتباس الحراري إلى 2 درجة مئوية. وتعتمد مخاطر تغير المناخ على درجة وسرعة الاحترار، والموقع الجغرافي، ومستويات التنمية الإقليمية والمحلية وقابلية التأثر، وأنشطة التكيف والتخفيف المتحققة.

16