اتفاق كباشي - الحلو في جوبا يصعّب تطويره سياسيا

تعاون الحركة الشعبية والجيش السوداني محصور في الشق الإنساني.
الأربعاء 2024/05/08
خلافات الجيش وجناح الحلو أكبر من ملف المساعدات

الخرطوم - حقق اتفاق الجيش مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، جناح عبدالعزيز الحلو، على إيصال المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرتهما بولاية جنوب كردفان مؤخرا هدفا سياسيا للأول وأظهره بأنه لا يمانع في إيصال المساعدات إلى المواطنين، وأن اتهامات مسؤولين دوليين للجيش بحجبها غير دقيقة، وأظهر الحركة بأنها باتت مستعدة للتفاهم مع الجيش علنا، ويمكنها تطوير الاتفاق الإنساني إلى سياسي وعسكري.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن “الجيش أراد أن يوحي بحسن نواياه أمام المجتمع الدولي الذي وضع الملف الإنساني في إقليم دارفور في مقدمة أولوياته بعد التحشيد العسكري الجاري في مدينة الفاشر مؤخرا من قبل قوات الدعم السريع”.

وأضافت المصادر ذاتها أن الجيش يسعى إلى توظيف الاتفاق الإنساني مع جناح الحلو في الزعم بأنه يمتلك مرونة تمكّنه من التفاهم مع جميع المكونات، وأن الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها له يمكن أن تتزايد وتمتد إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق، ويحقق الجيش اختراقا طالما حلم به في هذه المنطقة لضمان الهدوء فيها.

والسبت عقد نائب القائد العام للجيش الفريق أول شمس الدين كباشي اجتماعا مع الحلو في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان، تطرق إلى الأزمة التي تعصف بالسودان، وتبادل الطرفان الرؤى حول الحل السياسي والملف الإنساني وإيصال المساعدات. واتفق كباشي والحلو على عقد اجتماع آخر بينهما بعد أيام قليلة للتوقيع على وثيقة خاصة بالعمليات الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها كل طرف.

شريف عثمان: الاتفاق مع الجيش يشجع على اتخاذ مواقف مماثلة
شريف عثمان: الاتفاق مع الجيش يشجع على اتخاذ مواقف مماثلة

ولقاء جوبا هو أول لقاء معلن يُعقد بين الجانبين منذ بدء الحرب بين الجيش والدعم السريع في أبريل من العام الماضي، حيث نأت قوات الحلو عن المشاركة في الحرب مباشرة، ونفت معلومات راجت بشأن انحيازها للجيش، على الرغم مما تردد حول حدوث مناوشات في مناطق تماس لقوات تابعة للحركة ضد الدعم السريع.

وتسيطر قوات الدعم السريع على محلية القوز في الحدود مع شمال كردفان، واستغلت قوات الحلو الفراغ الأمني ووسّعت نطاق سيطرتها على عدد من المناطق في محلية الدلنج والعباسية وأبوكرشولا في كردفان. وانتشرت أعداد كبيرة من مقاتلي الحركة الشعبية في مدينة الدلنج في يناير الماضي وقيل إنها شاركت مع الجيش في صد هجمات لقوات الدعم السريع على المنطقة.

وأراد قادة الجيش السوداني عبر الاتفاق الإنساني الحصول على صك اعتراف غير مباشر بأن قيادات الحركة الإسلامية لم تخترق صفوفه، والدليل أن حركة الحلو التي اشترطت من قبل للتفاهم السياسي أن تكون توجهات الدولة علمانية عادت وقبلت التوقيع على اتفاق إنساني، في إشارة لا تخلو من علامات استفهام إلى إمكانية توسيع أطره.

وفشلت الحكومة الانتقالية عام 2021 في التوصل إلى اتفاق سياسي مع الحركة الشعبية التي تقاتل في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بسبب إصرار الحلو على الفصل بين الدين والدولة، ثم وقع الجانبان على إعلان مبادئ نص على حياد الدولة في الشؤون الدينية ودمج مقاتلي الجيش الشعبي في المؤسسة العسكرية النظامية مع نهاية الفترة الانتقالية التي انهارت إثر اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع.

وذكرت المصادر السودانية لـ”العرب” أن “عملية تطوير الاتفاق الإنساني إلى سياسي يصعب حدوثها، لأن تخوف الحلو من نفوذ الحركة الإسلامية تزايد داخل الجيش بعد اشتعال الحرب، ما يعني أن الاتفاق سيظل محصورا في الشق الإنساني لتخفيف الضغوط الواقعة على الحركة الشعبية نتيجة صعوبة وصول المساعدات إلى المواطنين”.

ووجدت قوى سودانية عديدة فرصة في الاتفاق الإنساني لتأكيد وجود إمكانية لوقف الصراع، وأن إنزاله على الأرض يبعث رسالة إيجابية وسط أجواء سياسية معتمة، واستنفار عسكري واسع في الفاشر ينذر بمعارك طويلة في ولاية شمال دارفور.

وقال القيادي في قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي شريف عثمان إن “تطبيق اتفاق الجيش وحركة الحلو قد يكون مقدمة لوصول المساعدات إلى مناطق تشهد صراعات محتدمة، ويمكن أن يحلحل المواقف المتعنتة من مسألة رفض وصولها”، مؤكدا أن جوبا ستشهد لقاءات بين لجان فنية مشتركة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، ما يشجع على تكرار الأمر في مناطق أخرى حال تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “أهمية اللقاء تكمن في تأكيد كباشي على وجود رغبة في الوصول إلى حل سياسي، بما يشير إلى وجود فرصة للعودة إلى منبر جدة، تزامنًا مع حراك دولي واسع لمد جسور النقاش حول قضايا الحرب والسلام”.

◙ الاتفاق بين الجيش والحركة الشعبية يشجع على اتخاذ مواقف مماثلة لفتح الممرات والمعابر لإيصال المساعدات إلى المحتاجين

وشدد عثمان على ضرورة عزل الملف السياسي عن الإنساني وتسريع إجراءات وصول المساعدات، بقطع النظر عن حدوث تحول في المواقف السياسية من عدمه، لأن القضايا الإنسانية مطلب يتوافق عليه الجميع وقد يشهد تقدما خلال الفترة المقبلة.

ولفت في حديثه لـ”العرب” إلى أن “الاتفاق بين الجيش والحركة الشعبية يشجع على اتخاذ مواقف مماثلة لفتح الممرات والمعابر لإيصال المساعدات إلى المحتاجين وتوفير مناطق آمنة لعبورها في مناطق أخرى، ووقف الانتهاكات الجسيمة التي تطال عمال الإغاثة الذين يعملون في مجال تجهيز المساعدات أو العاملين بالمنظمات الإغاثية الدولية”.

وثمنت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لقاء جوبا بين كباشي والحلو وما تمخض عنه من تفاهم بشأن إيصال المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة الطرفين. وجددت “تقدم” دعوتها للجيش والدعم السريع إلى التوصل لتفاهمات مشتركة تسمح بإزالة معوقات وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين وتجاوز شبح المجاعة في البلاد.

وعبر تحالف قوى الحرية والتغيير عن تطلعه إلى أن يكون الاتفاق ضوءا في نفق الحرب وخطوة في طريق وقفها ومعالجة تداعياتها الإنسانية التي تهدد حياة الملايين من الأشخاص. وتؤكد تقارير سودانية أن قوات الجيش لم توف بالتزاماتها حيال منبر جدة بشأن إيصال المساعدات من دون قيد أو شرط وإنقاذ الملايين من الأطفال والنساء.

ووصفت الحكومة السودانية اتفاق كباشي – الحلو بـ”الجريء ويمثل اختراقا في الملف الإنساني والعملية السياسية وبداية لعمل جاد يمكّن الطرفين من تلافي خطر الأوضاع الإنسانية بسبب إغلاق الطرق والمسارات الإنسانية الذي انعكس سلبا على الأوضاع الصحية والمعيشية للمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة والحركة الشعبية".

كما وصف عضو المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير ياسر عرمان الاتفاق بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح في منطقة تشهد أزمة إنسانية طاحنة بسبب الحرب، ويمكن أن تكون نموذجاً لإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في مختلف مناطق السودان.

 

اقرأ أيضا:

         • من أكثر تهورا… البرهان أم "حميدتي"

2