الغرب أمام تحدي تقويض نفوذ روسيا في ليبيا

باتت ليبيا منطقة لصراع نفوذ أوسع بين الجهات الدولية التي تحاول تكريس وجودها على الأرض من خلال الميليشيات العسكرية والمرتزقة لتأمين مصالحها طويلة الأمد. ويعد إنشاء جيش ليبي موحد ضربة لمساعي التمدد خاصة الروسي وهو ما يعمل الغرب على تقويضه.
طرابلس - تستعد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا لعقد اجتماع في باريس لبحث مسار الأزمة الليبية وما يمكن إعداده للمرحلة القادمة، لاسيما في ظل اتساع دائرة النفوذ الروسي عبر امتداداته داخل ليبيا وفي دول الجوار الأفريقي.
وأكدت أوساط ليبية مطلعة لـ«العرب» أن اتصالات مكثفة تجرى على أكثر من صعيد بين قوى إقليمية ودولية لحلحلة النزاع الليبي فيما تعمل عواصم غربية مؤثرة على تجيير المواقف الإقليمية لمواجهة النفوذ الروسي المتفاقم في شرق وجنوب ليبيا، وذلك عبر فتح جسور للحوار المباشر بخصوص هذا الملف مع عدد من العواصم كالجزائر والقاهرة وأنقرة.
وكشف موقع “أفريكا أنتليجنس” الفرنسي أن اجتماعا مرتقبا في فرنسا سيناقش خطة لإنشاء وحدات عسكرية مشتركة في ليبيا ، وأضاف الموقع أن الاجتماع الأمني سينعقد في غضون أيام برئاسة بول سولير المستشار والمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا، بحضور مسؤولين كبار في وزارات الخارجية والدفاع من بريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة على أن يتمحور بالخصوص حول ملف تأمين الحدود التي تخضع حاليا لسيطرة الفصائل القبلية في الغرب والجنوب، وقوات القيادة العامة في الشرق.
ولا تزال فرنسا تحاول الدفع بخطة لتشكيل وحدات مشتركة لتأمين الحدود مع رئيسي الأركان العامة في الشرق والغرب بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، إلى جانب ضم ضباط من اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” بهدف الوصول إلى جيش موحد.
اقرأ أيضاً:
وترجح أوساط إقليمية، أن يهدف المشاركون في لقاء باريس المرتقب إلى طرح برنامج لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للجماعات المسلحة الليبية، وذلك بغاية استعادة الاستقرار في البلاد، وهو ما ينسجم مع مساع مشابهة من واشنطن، إذ تشرف شركة “أمنتوم” الأميركية شبه العسكرية على تدريب الجماعات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس. والهدف النهائي هو دمج هذه العناصر في جيش نظامي موحد.
ويشير مراقبون، إلى أن فرنسا تبدو متحمسة بشكل غير مسبوق لمواجهة النفوذ الروسي في ليبيا، في ظل ما يعتبره البعض ردا على تمدد موسكو في دول الساحل التي كانت إلى وقت قريب خاضعة للنفوذ الفرنسي.
وتدافع فرنسا بقوة على ضرورة تفعيل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 التي كانت قد حققت عددا من الأهداف المهمة قبل أن تتعرض لعراقيل من قبل قوى إقليمية ودولية ترى أنه من الأفضل لمصالحها بقاء الوضع في ليبيا على ما هو عليه.
وتتشكل اللجنة من خمسة أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا، ومثلهم من طرف قوات الجيش الوطني في بنغازي، بينما تضم مجموعة العمل الأمنية كلا من فرنسا وبريطانيا وتركيا وإيطاليا والاتحاد الأفريقي تحت رعاية الأمم المتحدة.
وبحسب رئيس اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) عن المنطقة الغربية، أحمد أبو شحمة، فإنه «جرى الاتفاق خلال اجتماعات لجنة 5+5 على تشكيل قوة موحدة، لتأمين الجنوب الليبي، ولكن حتى الآن لم يجر اتخاذ خطوة إيجابية بالخصوص».
وكشف أن «اللجنة والأمم المتحدة لديهما الخطة منذ عامين لخروج المرتزقة، ولكن التعثر السياسي وعدم الاتفاق بين الأطراف السياسية سببا تأخير هذا الملف، بينما لا تزال هناك اختراقات على الحدود، ولم يجر تأمينها بشكل كامل حتى الآن».
ويعود آخر لقاء بين أعضاء اللجنة إلى 7 نوفمبر 2023 في تونس بحضور مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن مسار برلين برئاسة فرنسا، وتحت رعاية الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا المستقيل عبدالله باتيلي، وكان من المنتظر أن تجتمع اللجنة في باريس لوضع عدد من القرارات الملزمة بغطاء المجتمع الدولي، لكن أطرافا عدة حالت دون عقد الاجتماع الذي كان ينظر في الآليات التنفيذية لإنشاء نواة عسكرية مشتركة، لحراسة الحدود أولا، قبل توحيد الجيش ورحيل القوات الأجنبية والمرتزقة والمسلحين الأجانب من ليبيا، ونزع سلاح المجموعات المسلحة التي لا تزال عصية على إنهاء وجودها، وتثير القلاقل، خصوصا في المنطقة الغربية.
وتتهم فرنسا مسلحي «فاغنر» الروس بتهديد الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، وتحافظ على علاقات جيدة مع القيادة العامة للجيش الوطني في بنغازي.
وكانت مندوبة فرنسا لدى مجلس الأمن ناتالي برودهيرست قالت، إن التوترات الأمنية لا تزال كبيرة في ليبيا، وأكدت أن “الفراغ السياسي لا يفيد سوى الميليشيات والتدخل الأجنبي؛ ما يؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد والمنطقة بأكملها، معتبرة أن على فرنسا مواصلة دعم جهود الأطراف الليبية الرامية إلى إعادة توحيد الجيش برعاية لجنة “5+5”.
ورغم التنافس الحاد بين العواصم الغربية على مصالحها في ليبيا، إلا أنها باتت تبحث عن أفضل طريقة ممكن لتوحيد جهودها من أجل التصدي للنفوذ الروسي.
وفي الأسبوع الماضي، أوفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المندوب الوزاري لفرنسا لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط السفير كريم أملال إلى العاصمة طرابلس في مستهل زيارة عمل إلى ليبيا.
وكثف «الإليزيه» من تحركاته مع مختلف المسؤولين بعدما بحث رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، مع سفير فرنسا لدى ليبيا، مصطفى مهراج آخر المستجدات السياسية والاقتصادية والأمنية في ليبيا، حيث جرى بحث خطوات المنفي في الوصول لتسوية سياسية شاملة تفضي لانتخابات برلمانية ورئاسية يشارك فيها كل الليبيين دون إقصاء لأي أحد.