الاحتجاجات الطلابية في الغرب أبعد من النتائج الحينية

الاحتجاجات الطلابية تعبير عن طور جديد دخلته الفعاليات الجماهيرية المناصرة للشعب الفلسطيني ضد العدوان.
الأحد 2024/04/28
غضب في الجامعات الأميركية

إسطنبول - في دولة يتفاخر مواطنوها وصانعو قرارها بديمقراطيتهم وارتفاع مستوى الحريات، يواجه طلبة الجامعات الاعتقال لممارستهم حقهم في التعبير عن رفض دعم بلادهم لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، وسط توقعات بألا يكون التحرك ظرفيا وأن تأثيراته ستكون واسعة.

مشهد عام يلخص ما تعيشه العديد من الولايات الأميركية، وسط استهجان لما يجري، وإدانات من منظمات دولية، لطريقة تعاطي قوى الأمن والشرطة مع المحتجين والمعتصمين، طلابا كانوا أم أكاديميين، دون أدنى اعتبار أو احترام حقهم في التعبير السلمي.

للوهلة الأولى، يظن الرائي أن تلك المشاهد تأتي من دولة من دول “العالم الثالث” كما يطلقون عليه، طالما تعرضت لانتقادات من مسؤولين أميركيين لانتهاكها حقوق الإنسان، وهو ذات السبب الذي تدخلت لأجله في شؤون الكثيرين وحرّكت أدواتها الإعلامية ضدهم أو حتى فرضت عقوبات عليهم.

كانت البداية في الثامن عشر من شهر أبريل الجاري، حيث بدأ الطلاب المؤيدون للفلسطينيين في جامعة كولومبيا الأميركية اعتصاما في حديقة الحرم الجامعي احتجاجا على الاستثمارات المالية المستمرة للجامعة في الشركات التي تدعم احتلال فلسطين و”الإبادة الجماعية” في غزة، حيث تم اعتقال 108 منهم.

ردّة الفعل الأمنية أحدثت ردة فعل عكسية وأثارت حنق طلاب في جامعات أخرى
◙ ردّة الفعل الأمنية أحدثت ردة فعل عكسية وأثارت حنق طلاب في جامعات أخرى

بعد استمرارها لأيام، وبناء على طلب من رئيسة الجامعة نعمت شفيق، قامت شرطة مكافحة الشغب باعتقال أكثر من مئة طالب نصبوا خياما في الحرم الجامعي، وتعرضوا للضرب والاعتقال. ردّة الفعل الأمنية تلك أحدثت ردة فعل عكسية، وأثارت حنق طلاب في جامعات أخرى، كما ظهر مع إعلان شرطة بوسطن، الخميس، إصابة 4 ضباط أثناء اعتقال 108 طلاب شاركوا في احتجاج مؤيد لفلسطين نظمه طلاب كلية إيمرسون بولاية ماساتشوستس.

هتافات تندد باستمرار “العدوان” على غزة، وتحيّي الفصائل الفلسطينية، وتطالب بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بل وتعدت كل ذلك بقول بعضهم “تسقط الولايات المتحدة”، ما يدلّ على وجود فجوة كبيرة وعدم توافق بين صانع القرار من جهة، وأولئك الطلاب ومعلميهم الذين انضموا إليهم أيضا في احتجاجاتهم، من جهة أخرى.

وواصل طلاب بجامعة جورج واشنطن احتجاجهم على دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل في حديقة الجامعة وهم محاصرون وسط طوق أمني شكلته الشرطة. ورغم محاولات الشرطة إخراج المتظاهرين إلا أنهم واصلوا الجمعة احتجاجهم في حديقة الحرم الجامعي، حيث نصبوا خياما للاعتصام. وبعد مقاومة الطلاب قامت الشرطة بإغلاق الحديقة داخل حرم الجامعة عبر طوق من الحواجز الحديدية.

وقام أصدقاء الطلاب وبعض أعضاء هيئة التدريس بمساندة الطلاب المحاصرين في الحديقة عبر ترديد هتافات من خلف الحواجز. وزادت الطين بلة أيضا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي خرج في فيديو مصور عبر منصة إكس، مساء الأربعاء، يحرّض فيه ضد طلاب الجامعات المتظاهرين، ونعتهم بـ"معادي السامية"، وشبههم بالنازيين، وهو ما عدّه أميركيون “تدخلا في شؤون بلادهم الداخلية".

واتّسعت رقعة الاحتجاجات مع تجمع المئات من الطلاب صباح الخميس، في حرمي جامعتي جورج تاون وجورج واشنطن بالعاصمة واشنطن، مُطالبين بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.

وفي وقت لاحق، امتدت المظاهرات إلى جامعات رائدة أخرى في الولايات المتحدة، مثل جامعات نيويورك وييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونورث كارولينا، وبنسيلفانيا، إلى أن وصل العدد إلى أكثر من 23 جامعة ومؤسسة تعليمية، ومن المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من ذلك.

وانتقلت “عدوى التضامن” إلى فرنسا، وقامت الشرطة، مساء الأربعاء، بإخلاء مدرج لجامعة “ساينس بو باريس”، من عشرات الطلاب المؤيدين لفلسطين الذين طالبوا بإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فيما شارك آخرون بوقفة لذات الهدف أمام جامعة السوربون.

◙ نتنياهو ظهر في فيديو يحرّض فيه ضد طلاب الجامعات المتظاهرين وينعتهم بـ"معادي السامية" ويشبههم بالنازيين وهو ما عدّه أميركيون تدخلا في شؤون بلادهم

والجمعة، انطلقت بالعاصمة الألمانية برلين مظاهرة احتجاجية ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث اعتقلت الشرطة عددا من المتظاهرين أثناء محاولاتها تفريقهم بعد نصبهم خياما على قارعة الطريق، مع توقعات بامتدادها إلى دول وجامعات أخرى مع الزخم الذي تحظى به القضية الفلسطينية حاليا.

ونصب المئات من الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في جامعة سيدني بأستراليا، خياماً في الحرم الجامعي لدعم فلسطين. وضمن الحراك المتزايد، نظم طلاب كلية لندن الجامعية، الجمعة، في بريطانيا وقفة احتجاجية داخل الكلية لمطالبة إدارة الجامعة بقطع علاقاتها مع شركات السلاح الداعمة لإسرائيل.

وأكد حسام شاكر، الخبير في الشؤون الأوروبية والدولية من فينا، في حديثه للأناضول على أن “أحداث الجامعات الأميركية هي في الواقع تعبير عن طور جديد دخلته الفعاليات الجماهيرية المنددة باستمرار الإبادة ودعمها ومناصرتها للشعب الفلسطيني، ضد استمرار العدوان على قطاع غزة”.

وشدد شاكر على أنها “طور جديد وليست أحداثاً معزولة، ولم يأت من فراغ، وإنما حالة تطورية لتراكم الخبرة الجماهيرية والفعل الشعبي وأحداث الاعتراض المتعددة التي شهدتها بيئات حول العالم، وبالأخص الأميركية”.

وأضاف “إن النشاطات الطلابية كانت في صدارة التفاعلات الجماهيرية طوال مئتي يوم من العدوان، وبعد مرور هذه المدة، اختمرت خبرات الفعل الجماهيري، وثمة قناعة متزايدة بأن الاكتفاء بالتظاهر النمطي لا يجدي نفعاً، فحصل التوجه المتزايد إلى إحداث ضغط مركّز ومتصاعد على المسارات التي تغذي الاحتلال الإسرائيلي وتنعش عجلة الإبادة بشكل مباشر أو غير مباشر”.

وتطرق شاكر إلى شعار وصفه بـ”اللافت” رفع باحتجاجات الجامعات الأميركية، عنوانه “فلسطين في كل مكان”، وهو ما يؤكد على “أن القضية الفلسطينية أصبحت شأنا داخلياً في الواقع الأميركي”، على حد قوله. وأدانت منظمة العفو الدولية، الخميس، قمع الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، مؤكدة أن الحق في الاحتجاج “هام جدا للتحدث بحرية” عما يحدث بقطاع غزة.

وقالت المنظمة الدولية على منصة إكس إن “إدارات الجامعات الأميركية واجهت الاحتجاجات الداعمة لحقوق الفلسطينيين بعرقلتها وقمعها، بدلا من السماح لطلابها بممارسة حقهم بالاحتجاج وحمايته”. ونددت منظمة هيومن رايتس ووتش واتحاد الحريات المدنية الأميركي باعتقال المتظاهرين وحثا السلطات على احترام حقوقهم في حرية التعبير.

5