اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي يتعثر

محكمة المدققين الأوروبية: سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان والعوامل الاقتصادية تقوض فاعلية اتفاق الهجرة.
الجمعة 2024/04/26
المهاجرون ورقة ابتزاز تركية تؤرق الأوروبيين

بروكسل - لا يزال اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي الموقع سنة 2016 بعد أن شهدت أوروبا موجة لجوء غير مسبوقة في سنة 2015 محل جدل لجهة فاعليته والنتائج التي تحققت منذ ذلك الوقت.

وكثيرا ما تتقاذف تركيا والمؤسسات الأوروبية المسؤولية عن تعثر بعض بنود الاتفاق، ففيما تطالب تركيا بالمزيد من الأموال لحسن سير خططها تجاه المهاجرين، تعتبر دوائر أوروبية أن أنقرة توظف ورقة المهاجرين لابتزاز الدوائر الأوروبية وتحصيل مكاسب اقتصادية وسياسية.

وبرزت مؤشرات مؤخرا تشير إلى أن سجل تركيا السيء في مجال حقوق الإنسان إضافة إلى التكاليف تقوض فاعلية اتفاق الهجرة المبرم مع تركيا، ما قد يدفع باتجاه مراجعة الاتفاق إما عبر إجراء تعديلات عليه أو إلغائه كليا رغم أن الفرضية الأخيرة لم يتم تداولها داخل أروقة الاتحاد الأوروبي.

ويرى محللون أن سعي الاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاقيات هجرة مع مصر وتونس من شأنه أن يساهم في الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الفضاء الأوروبي، لكن ذلك لا يعني أن يكون الاتفاقان مع تونس والقاهرة بديلين عن الاتفاق مع أنقرة.

وقالت محكمة المدققين الأوروبية الأربعاء إن سجل تركيا السيء في مجال حقوق الإنسان والعوامل الاقتصادية تقوض فاعلية اتفاق الهجرة الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع أنقرة.

صعوبات في إدارة مساعدات الاتحاد الأوروبي في ظل الانكماش الاقتصادي في تركيا وتراجع سيادة القانون

وأثارت المحكمة المعنية بتدقيق البيانات المالية للاتحاد الأوروبي في تقريرها مخاوف بشأن قدرة المنظمات غير الحكومية على تشغيل المشروعات على النحو المنصوص عليه في الاتفاق الذي تبلغ قيمته ستة مليارات يورو (6.4 مليار دولار)، بالنظر إلى تحول تركيا نحو الاستبداد منذ الانقلاب الفاشل في 2016 وحملتها القمعية على المعارضة.

وأضافت “الوضع التشغيلي للمنظمات غير الحكومية يتدهور بشكل مستمر منذ 2015 في سياق الانقلاب الفاشل في تركيا، حيث استُهدفت المنظمات غير الحكومية لاحقا من خلال تشريعات مختلفة”.

وأشار تقرير محكمة المدققين أيضا إلى صعوبة إدارة مساعدات الاتحاد الأوروبي في ظل الانكماش الاقتصادي في تركيا و”تراجع أنقرة عن سيادة القانون والحقوق الأساسية”.

وقال التقرير إن المفوضية الأوروبية، السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، فشلت في تقديم تحليل مناسب للتكاليف، وأنه من غير الواضح ما الذي سيحدث بمجرد انتهاء المساعدات.

ودائما ما اتهمت جماعات حقوق الإنسان وبعض الساسة الاتحاد الأوروبي بإهمال حقوق الإنسان في مساعيه للحد من الهجرة غير الشرعية.

وقال فلوريان تراونر الأستاذ في كلية بروكسل للحوكمة “هذا يؤدي إلى تركيز الاتحاد الأوروبي بشكل أقل على القضايا التي ينبغي أن تكون ذات أهمية مثل إهمال حقوق الإنسان”.

وينصّ الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة لعام 2016، الذي تم التوصل إليه عقب أزمة الهجرة عام 2015 لمنع المهاجرين من المجيء إلى أوروبا، على أن تعيد تركيا إلى أراضيها طالبي اللجوء المرفوضين في اليونان، لقاء دعم مالي أوروبي لأنقرة. كما يشترط الاتفاق على الاتحاد الأوروبي استقبال لاجئين سوريين من تركيا بطريقة شرعية.

وكان يفترض أيضا أن يسرّع الاتحاد الأوروبي عملية إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرات الدخول بشرط استيفاء عدد من المعايير، تلك المتعلقة بالانضمام الى الاتحاد الأوروبي وكذلك المحادثات حول توسيع الاتحاد الجمركي. وهذه المسائل لا تزال حاليا في طريق مسدود.

تقييم الاتفاق

حراسة مشددة
حراسة مشددة

ترى المحللة لدى معهد العلاقات الدولية والأمنية الألماني إيلكي تويغور أن تركيا تسعى إلى إقامة علاقة تبادلية مع الاتحاد الأوروبي. وأوضحت “ترى تركيا عالما متعدد الأقطاب ومنقسما يتراجع فيه نفوذ الغرب. وهي ترى في ذلك فرصة لتنويع حلفائها” حيث تريد تركيا أن تكون حارسا لحدودها مع اليونان مقابل تقديم الدعم المالي.

وفي المقابل تريد أوروبا الاحتفاظ بالحد الأدنى من العلاقات مع تركيا حيث يرى قادة الاتحاد الأوروبي أن تعديل تركيا لسلوكها العدواني تجاه جيرانها الأوروبيين سيقابله تحديث لآلية الاتحاد الجمركي بين الطرفيين المعطلة منذ مدة وتقديم مقترح لإطار مالي لمواصلة تمويل اللاجئين السوريين في تركيا.

وخسرت ورقة الهجرة الكثير من فاعليتها كورقة مساومة لتركيا، بعد أن أغلقت دول أوروبا طرق الهجرة غير الشرعية خاصة طريق البلقان وفرضت دول رقابة مشددة على الحدود مثل المجر والنمسا وألمانيا وغيرها.

ويقول جيرالد كنوز من مبادرة استقرار أوروبا، إن اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي سيفشل، إذا لم يتمّ تحديثه أو التوصل إلى اتفاق آخر بدلا منه، وإن على الاتحاد الأوروبي زيادة المساعدات للمهاجرين الموجودين في تركيا، والبدء في استقبال المزيد منهم.

ويرى أنه إذا لم يحدث ذلك، من الممكن أن تميل أنقرة إلى السماح للمهاجرين بعبور حدودها الأوروبية و التمسك باستخدام ذلك كورقة مساومة.

وأوشك اتفاق اللاجئين بين أنقرة وبروكسل على الانهيار في 2020، عندما احتشد الآلاف من المهاجرين غير النظاميين، معظمهم من أفغانستان وباكستان والعراق، على الحدود بين تركيا واليونان، حيث فتحت أنقرة الحدود أمام الساعين إلى دخول أوروبا، خشية تدفق المزيد من السوريين الفارين من محافظة إدلب السورية إلى البلاد. لكن أزمة الحدود توقفت بسبب تفشي وباء فايروس كورونا .

وترى سينيم آدار، الباحثة في مركز دراسات تركيا التطبيقية بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أن الاتفاق الآن في حاجة إلى المزيد من التمويل، وإلى أن يمتد ليشمل مجموعات أخرى من المهاجرين في تركيا.

تجاوز الانقسامات الأوروبية

طريق مسدود
طريق مسدود

بعد قرابة عقد من المفاوضات، وافق البرلمان الأوروبي في نهاية المطاف على إدخال إصلاحات واسعة لقوانين الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل ضوابط حدودية أكثر صرامة، ومزيدا من مشاركة الأعباء بين الدول الأعضاء. لكن رغم ذلك، لا يزال الاتفاق يواجه معارضة من دول وسط أوروبا وشرقها.

وتبنى البرلمان الأوروبي الشهر الجاري إصلاحات واسعة لقوانين الهجرة واللجوء الخاصة بالتكتل، من أجل تعزيز الإجراءات على الحدود وتعزيز مشاركة الأعباء بين الدول الأعضاء السبع والعشرين في التكتل.

ويضم “اتفاق الهجرة واللجوء” الجديد عشرة قوانين تمت صياغتها بعد مفاوضات استمرت سنوات، وهو يهدف إلى دفع دول الاتحاد الأوروبي التي تختلف أولوياتها الوطنية، إلى التحرك معا في قضايا الهجرة، استنادا إلى قواعد مشتركة.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إن “الإصلاحات سوف تكفل أمن الحدود الأوروبية”، وفي الوقت نفسه “تضمن حماية الحقوق الأساسية” للمهاجرين.

وجرى تمرير عشرة نصوص قانونية من بينها اعتماد آلية أزمات مواجهة أيّ تدفق غير متوقع للمهاجرين وتقاسم الأعباء.

وبمقتضى قواعد الاتحاد الأوروبي الحالية، تتحمل دولة الوصول الأولى مسؤولية استضافة طالبي اللجوء، وفحصهم، مع إعادة الذين لا يسمح لهم بالدخول. وقد وضع هذا النظام الدول الأعضاء بجنوب القارة تحت ضغط.

وبحسب النظام الجديد، ستحتجز المراكز الحدودية المهاجرين غير الشرعيين، بينما تخضع طلبات اللجوء الخاصة بهم للفحص، مع تسريع وتيرة ترحيل غير المؤهلين للجوء.

ويتطلب إصلاح نظام الهجرة واللجوء أن تستقبل الدول الأخرى أعضاء التكتل الآلاف من طالبي اللجوء من دول الوصول الأولى مثل إيطاليا واليونان.

وهناك بديل متاح أمام هذه الدول الأخرى، وهو تقديم أموال أو موارد أخرى للدول التي تقع تحت ضغط. ويتوقع أن يخضع ما لا يقل عن 30 ألف طالب لجوء سنويا لنظام “إعادة التوطين”. وسوف يجرى تحديد تعويض مالي سنوي بقيمة مليون يورو (650 مليون دولار) للدول التي تفضل دفع المال عوضا عن استقبال مهاجرين.

ولا يزال تتعين الموافقة على الاتفاق الجديد من قبل أغلبية كافية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كي يصبح ملزما للجميع. وعلى افتراض أن ذلك أمر وشيك، من المقرر أن تدخل الإجراءات حيز التنفيذ في عام 2026.

7