لماذا ترفض مصر إدارة قطاع غزة بعد حماس

إدارة قطاع غزة بعد حماس تشكل الشغل الشاغل للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية، التي ترى في مصر لاعبا مهما قادرا على حل معضلة أمن القطاع، إلا أن رفض القاهرة تولي دور أساسي داخل القطاع يزيد من ضيق الخيارات المقبولة عربيا وغربيا.
القاهرة - لا تزال الولايات المتحدة تمارس ضغوطا وتقدم إغراءات لجهة إقناع مصر بتولي إدارة قطاع غزة بعد حركة حماس، رغم أن القاهرة رفضت مرارا وتكرارا هذا المقترح، ما يدفع إلى التساؤل عن أسباب الرفض خاصة وأنه سبق لمصر إدارة قطاع غزة مرتين في السابق.
ويرى محللون أن هواجس الأمن القومي تأتي في طليعة الرفض المصري إضافة إلى مخاوف جيوسياسية نابعة من سيناريوهات إعادة توطين الفلسطنيين وتداعايته على القضية الفلسطينية برمتها.
وكشف مدير الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري اللواء المتقاعد سمير فرج، في لقاء تلفزيوني بقناة صدى البلد في وقت سابق، أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رفض مقترحا أميركيا قدمه رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، خلال زيارته للقاهرة هذا الشهر، ويقضي بإدارة مصر لقطاع غزة لمدة ستة أشهر.
وأوضح الخبير العسكري، والذي كان أحد قادة السيسي سابقا بالجيش المصري، أن رفض الرئيس لهذا المقترح “من أحسن القرارات التي أخذها، القرار كان قرار حكيم، رغم الإغراءات المالية والعسكرية وأشياء أخرى، إلا أن الرئيس رفض، وقال إن غزة يديرها أهلها”.
المقترح الأميركي
رغم أن المقترح في ما يتعلق بإدارة مصر لقطاع غزة بعد حماس ليس جديدا وسبق للقاهرة رفضه إلا أن الجهود الأميركية لا تزال قائمة لجهة ثني القاهرة عن موقفها.
ورفض الرئيس المصري في شهر نوفمبر الماضي مقترحا أميركيا لإدارة الشؤون الأمنية في غزة، يهدف إلى تمكين السلطة الفلسطينية من تولي حكم القطاع.
ولم يكن تقديم هذا المقترح خلال زيارة بيرنز الأخيرة للقاهرة هو الأول من نوعه، فسبق وأن قدمته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بعد شهر واحد فقط على عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، في دلالة واضحة على إصرار واشنطن على أن تنخرط مصر في إدارة القطاع وترتيبات ما بعد الحرب.
ويقوم الاقتراح الجديد، بحسب وسائل إعلام أميركية وعبرية، على الانتقال من الوضع الإنساني الحالي إلى الإدارة المدنية، على أن تكون مصر مهندسة هذا التحول.
وبموجب المقترح سيتعين على مصر أن تتولى مسؤولية الإشراف على إدارة القطاع والتنسيق الأمني والعسكري مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما يعني ضمنا إخراج حركة حماس من حكم غزة.
وبحسب الاقتراح، سيتم دعم مصر أمنيا في إدارة القطاع من قبل مجموعات قبلية محلية، أو بواسطة قوة سلام دولية، أو بواسطة قوة مشتركة.
وتنص الخطة المقترحة على إنهاء دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) واستبداله بدور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالإضافة إلى الجامعة العربية للإشراف على الاحتياجات المعيشية والإنسانية في القطاع.
ويستند هذا الاقتراح إلى سابقة تولي مصر حكم وإدارة قطاع غزة منذ عام 1948 وحتى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 عندما احتلت إسرائيل قطاع غزة لمدة أربعة أشهر. وعاد المصريون إلى حكم غزة مرة أخرى عام 1957 حتى هزيمة 1967، التي احتلت بعدها إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية والجولان وسيناء.
ويؤكد مراقبون أن الاقتراح الأميركي يرافقه إغراءات وامتيازات مالية واقتصادية وسياسية للنظام المصري، إذا قبل بإدارة قطاع غزة كما كان يفعل قبل عام 1967، في وقت يعاني فيه من وضع اقتصادي صعب.
وقد تستمر محاولات الإغراء، من خلال تقديم مزايا جديدة تتعلق بزيادة القروض، وزيادة حجم واردات الغاز من إسرائيل، والحصول على صفقات أسلحة متقدمة وحصة قيمة من أموال إعادة إعمار غزة.
وكشفت تقارير إعلامية عن خطة غربية لدعم مصر بقيمة 9 مليارات يورو، مع إجراء محادثات حول الديون، وهو ما فسره مراقبون بأنه قد يكون جزءا من “حزمة إغراءات” ستقدّم إلى مصر، لضمان دعمها لأي تصور غربي لحل الأزمة في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
دوافع رفض مصر
يقول الكاتب محمود حسن في تقرير نشره موقع مونيتور الشرق الأوسط إن النظام المصري قد يتفق مع الجانب الإسرائيلي على ضرورة إنهاء حكم حماس لغزة لأسباب عديدة والسبب الأهم هو عقيدة الحركة التي تتماشى مع عقيدة جماعة الإخوان المسلمين، لكن رفض القاهرة الواضح للاقتراح الإسرائيلي له تفسيره الخاص.
ويرى حسن أن موقف القاهرة ينطلق من مبدأ عدم إثارة التوتر ومحاولة تعزيز الاستقرار على الحدود المصرية – الفلسطينية لاعتبارات أمنية في المقام الأول. ولذلك ترى مصر أن قطاع غزة يجب أن يدار من قبل الفلسطينيين، بعيدا عن أي تدخل خارجي إلا كشركاء وليس سلطة مطلقة.
ويشير إلى أن الموقف المصري ينطلق من عدة أسباب منطقية تثير مخاوف القاهرة بشأن اليوم التالي للحرب، أولها هو الترقب والحذر من تداعيات تحمل أعباء إدارة منطقة مكتظة بالسكان يبلغ عدد سكانها 2.3 مليون نسمة، ولها احتياجاتها المعيشية والإنسانية الخاصة.
وثانيا، خشية القاهرة من إمكانية التورط في أزمة غزة والدخول وجها لوجه في صدام مع فصائل المقاومة الفلسطينية التي تصر على أن إدارة قطاع غزة شأن فلسطيني داخلي.
وأما ثالثا، فترى الدبلوماسية المصرية أن استبعاد أي دور للسلطة الفلسطينية، وغياب إطار الحل السياسي الشامل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يعني فخ المستقبل.
ويرى الخبير السياسي محمد جمعة أن مشاركة مصر في إدارة قطاع غزة ستعزز الانقسام الفلسطيني، وتعمق حالة الخلاف بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهو ما لا توافق عليه القاهرة لما يمثله من تهديد حقيقي للقضية الفلسطينية برمتها.
وفي المقابل تقترح مصر القيام بمهام وترتيبات أخرى تتعلق بمراقبة الحدود، وتدريب كوادر فلسطينية على إدارة الأمن في قطاع غزة، مع استعادة أدوار حركة فتح والسلطة الفلسطينية داخل القطاع أو تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية لإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما سبق أن رفضته إسرائيل.
شرطي غزة
لا شك أن تولي دور شرطي غزة سيشكل إحراجا للجيش المصري الذي يتجنب التورط في أي صراعات إقليمية، مثل تجربة مصر المريرة في التورط في الحرب الأهلية اليمنية بين عامي 1962 و1970.
ويرصد الباحث المهتم بالشأن الفلسطيني عماد المصري مخاطر جيوسياسية أهمها أن مشاركة مصر في إدارة قطاع غزة ستحولها من حليف عربي، أو وسيط على الأقل، إلى خصم وطرف في المواجهة مع سكان غزة والمقاومة الفلسطينية. وهذا قد يؤدي إلى صدام مع الفصائل الفلسطينية المسلحة، وهو ما يصب بالتأكيد في مصلحة إسرائيل.
وتكمن خطورة هذا السيناريو، في حال تنفيذ الاقتراح، في أن إدارة قطاع غزة قد تحول مصر إلى خصم لإسرائيل، خاصة إذا كانت هناك انتهاكات إسرائيلية ضد قطاع غزة من جهة، أو إذا تنفذ المقاومة عمليات هجومية ضد إسرائيل تحت الإدارة المصرية. وفي الحالتين قد تجد مصر نفسها في مواجهة وجها لوجه مع فصائل المقاومة أو مع إسرائيل.
وتدرك أجهزة الأمن والمخابرات المصرية أن مصر إذا تورطت في أزمة قطاع غزة أو تولت دور إدارتها بدلا من فصائل المقاومة، فإن ذلك قد يؤجج جماهير مصرية ضد النظام الحاكم المصري، خاصة إذا أصبحت القاهرة بمثابة حجر عثرة في وجه الأنشطة المقاومة، وهو أمر لا يريده النظام.
ويرى الخبير في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية بمعهد “نيو لاينز” في واشنطن قمران بخاري في تحليل نشره موقع “جيوبوليتيكال فيوتشرز” أن موقف مصر من غزة محدد بفترتين مختلفتين، بدأت الأولى بالحرب في عام 1948، عندما سعت مصر وسوريا والأردن إلى السيطرة على فلسطين الخاضعة آنذاك للحكم البريطاني، والتي أصبحت أجزاء كبيرة منها دولة إسرائيل الحالية في نفس العام، ورغم أن العرب خسروا الحرب، إلا أن مصر سيطرت على قطاع غزة.
رغم أن المقترح في ما يتعلق بإدارة مصر لقطاع غزة بعد حماس ليس جديدا وسبق للقاهرة رفضه إلا أن الجهود الأميركية لا تزال قائمة لجهة ثني القاهرة عن موقفها
وبعد انقلاب عام 1952، الذي أدى إلى إنشاء النظام الذي يهيمن عليه الجيش المصري والذي يحكم مصر حتى اليوم، واصلت القاهرة الدفع بأجندة هزيمة إسرائيل وتحرير فلسطين، وهو ما وقف وراء حرب مصر وسوريا والأردن عام 1967 وخسارتهم لها، وفقدان القاهرة السيطرة على غزة وكذلك شبه جزيرة سيناء.
وأما الحرب الأخيرة بين مصر وإسرائيل في عام 1973 فلم تعد تدور حول فلسطين بقدر ما كانت تدور حول سيناء، التي استعادها المصريون في نهاية المطاف بموجب معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1978، بمعنى أن الوضع الجديد لم تعد فيه القاهرة تعتبر فلسطين قضية إستراتيجية.
وعندما قررت منظمة التحرير الفلسطينية، بعد عقد من هذه الحقبة الثانية، التخلي عن الكفاح المسلح من أجل متابعة قضيتها دبلوماسيا، أصبحت القضية الفلسطينية، من وجهة نظر القاهرة، مصدر قلق لإسرائيل وليس لمصر.
ورغم ذلك فإن صعود حماس كان يمثل مشكلة كبرى بالنسبة للقاهرة، لأن حماس فرع مسلح من الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، أكبر حركة معارضة في مصر.
ومع ذلك، فقد شعرت مصر بالارتياح إزاء حقيقة مفادها أن حماس سيتم احتواؤها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. لكن الأمر لم يكن كذلك، وأجبر استيلاء الحركة على غزة القاهرة على القيام بدور أكثر نشاطا في القطاع.
وكانت الإستراتيجية المصرية الجديدة ذات شقين: التنسيق مع إسرائيل بشأن الحصار المفروض على غزة وإقامة علاقة عمل مع حماس حتى تتمكن القاهرة من العمل كوسيط مع إسرائيل، وهو ما فعلته خلال الحروب في الأعوام 2008، و2012، و2014، و2021.
ويلفت بخاري إلى أن هذا الترتيب جرى اختباره في أعقاب انتفاضة الربيع العربي، عندما وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة لفترة وجيزة في عام 2012، ورغم أن الجماعة اتبعت نهجا عمليا في التعامل مع غزة، إلا أن المؤسسة المصرية لم تجازف، وكانت قلقة للغاية بشأن احتمال تشكيل حكومة للإخوان المسلمين في القاهرة، ونظام تقوده حماس في غزة.