مؤلفون عرب: التاريخ أول مصدر لإلهام الكاتب

التاريخ الوطني والعربي والإنساني يمثل مصدر إلهام لتجارب المؤلفين في الكتابة ويساهم التراث في إثراء أعمالهم وخبراتهم الإبداعية.
الثلاثاء 2024/04/23
الكتابة تحتاج إلى إلهام (عمل للفنان علي رضا درويش)

الدوحة- يحتفل العالم اليوم الثلاثاء، باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، والذي يوافق الثالث والعشرين من أبريل من كل عام، والذي اختارته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” تعبيرا عن تقدير العالم أجمع للكتاب والمؤلفين، والاعتراف بعطائهم المتميز ومساهمتهم في النهضة والتنوير والتقدم الاجتماعي والثقافي للإنسانية.

وتمثل المناسبة فرصة لاستعادة إنجازات الكتاب وتشجيع القراءة والبحث والنقد، واكتشاف أساليب الكتابة ومناهجها ومضامينها وينابيع إلهامها.

وبهذا الصدد، أفاد مؤلفون في تصريحات خاصة بأن التاريخ الوطني والعربي والإنساني، يمثل مصدر إلهام لتجاربهم في الكتابة، وأن التراث يثري أعمالهم وخبراتهم الإبداعية. وألقوا الضوء على نماذج من معالجاتهم للتاريخ والتراث في نصوصهم الإبداعية السردية والدرامية، وعلى أساليبهم في المعالجة والتأليف.

وتؤكد الكاتبة والأكاديمية نورة محمد فرج أن الاحتفاء بالكتاب احتفاء بالمعرفة الإنسانية على مر العصور، لأنه كان وسيلة انتقالها عبر الزمن.

وحول استلهامها للتاريخ في أعمالها الإبداعية، توضح الروائية والقاصة وأستاذة الأدب والنقد بجامعة قطر، أن الكثير من تفاصيل روايتها “ماء الورد”، الصادرة عام 2016، قد تشكلت من استلهام العديد من الكتب التي كتبت في أزمنة سابقة. وأنها استلهمت أحداثا تاريخية حقيقية وجعلتها خلفية تاريخية، فالرواية تقع في شهر رمضان بعد عامين من سرقة القرامطة للحجر الأسود، فالزمن هو زمن اضطراب سياسي وزمن قلاقل.

بوكس

وتشير إلى أنها استفادت من كتاب “معجم البلدان” لياقوت الحموي، فعلى الرغم من أن مدينة لظى وهي المدينة التي تجري فيها أحداث الرواية هي مدينة مستوحاة من الخيال، إلا أن العديد من المدن الأخرى مدن تاريخية حقيقية، ولكنها استلهمت تحديدا ما ذكره ياقوت الحموي عن مدينة نصيبين، وأسقطته على مدينة لظى في الرواية، باعتبارها تقع على الطريق بين مكة وبيت المقدس.

وحول شخصيات الرواية، تؤكد فرج، أن شخصية الصيدلاني مستلهمة من شخصية جابر بن حيان ومعرفته بالكيمياء، وكذلك قسورة، الذي تشكلت شخصيته اعتمادا على كتب التشريح العربية التراثية، ونباتات السم المزروعة في حديقة البيت مشابهة لما كانت تفعله عائلة مديتشي في فلورنسا في عصر النهضة، حينما كانت تزرع السم في حدائق قصورها.

ومن جانبه، يفيد الكاتب الدرامي والمخرج المسرحي والتلفزيوني حمد الرميحي بأن تخصيص يوم عالمي للكتاب وحقوق المؤلف، مهم للتذكير بقيمة القراءة والكتابة في عصر التكنولوجيا والوسائط الرقمية.

ويلفت إلى أن تجربته في الكتابة والتأليف والإخراج في مجال الدراما التي تمتد لأكثر من خمسة وثلاثين عاما، تجسد علاقة ممتدة مع الكتاب الورقي، مشيرا إلى أنه غاص في بحور التاريخ والتراث العربي والخليجي باحثا عن كنوزه الملهمة، حيث استوحى منها كثيرا من مواضيع مسرحياته المنشورة في كتب وتم عرضها على المسرح أو التلفزيون.

ويبيّن الرميحي أن أسلوبه في معالجة موضوعاته، يجمع بين استلهام موضوعاته من التاريخ والتراث لإلقاء الضوء على تناقضات الحاضر وقضاياه، وأنه يمزج في معالجته بين المفردة الشعرية والأبعاد الدرامية للموضوع. فكانت مسرحيته الأولى “بودرياه” مستوحاة من أسطورة وحكاية تراثية بحرية خليجية، أسس من خلالها معالجته الدرامية لموضوع التسلط والأنانية البشرية وظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

ويوضح أن مسرحيته “رأيت الذي سوف يحدث” مستلهمة من قراءاته للشعر العربي، حيث اختار قصائد لعشرة شعراء معاصرين، وبعدها عاد للتاريخ مرة أخرى وإلى سيرة البحار العربي أحمد بن ماجد، ليصوغ منها ملحمة درامية عن صراعه مع الإسبان في تلك الفترة التاريخية. أما مسرحيته “قصة حب طبل وطارة” التي حازت على جائزة أفضل نص عربي في مهرجان الأردن عام 2001، وعدة جوائز في الخليج العربي، فهي مقتبسة من مزيج من حكاية ملك الجان في كتاب ألف ليلة وليلة، وحكاية أخرى من التراث الخليجي.

وبعدها استلهم تاريخ الجزيرة العربية ليكتب مسرحيته “القرن الأسود”، أما مسرحيته “قصة حب منسية” فهي مستوحاة من سيرة الكاتب العربي أبو حيان التوحيدي، قام بإسقاطها على الواقع العربي، حيث تجوب جثته الوطن العربي، باحثة عن قبر كي تدفن فيه.

ومن جهته، يقول الروائي فيصل محمد الأنصاري، الحائز على جائزة كتارا للرواية عام 2021 “طالما احتضن الكتاب أفكار الإنسان وإبداعاته، وطالما ضمت دفتيه ما يتعلق به الجنس البشري من دين وعلوم وفنون، فكان من البداهة أن يرد الإنسان هذا الاحتضان احتفاء وتقديرا. مشددا على أن هذا الاحتفاء بالكتاب اليوم يدل على الوعي بأهمية وقيمة هذا الصديق الوفي”.

ويوضح عن دور التاريخ في إثراء المشهد السردي، أن الأيام تشكل حاجزا زمنيا يستر خلفه عوالم من الأحداث والعبر والشخوص، وحيث يتوق الإنسان دائما إلى اكتشاف ما ستر عنه، فكان التاريخ ذاك الإرث الثمين الذي يتسرب إليه خيال الكاتب بحذر ليقتطف منه ما يوقظ به أحداثه الميتة ويشعل به جذوة حماس القارئ ويبحر في وصف تفاصيله التي واراها غبار الزمن، فطالما وجد الكتاب فيه ضالتهم من جبروت طاغية ما أو تسجيل لحظة انتصار يعالج بها انكسار لحظة آنية أو تسليط الضوء على نموذج للتناحر بين أمم خلت، كما يتلمس الكثير من الكتاب في التاريخ مسرحا للإسقاطات السياسية والاجتماعية يجلدون فيه واقعهم عن طريق معاتبة ذلك التاريخ دون أن تقوم لصاحب الحق قائمة.

بوكس

أما عن علاقته الخاصة ككاتب بالتاريخ، يلفت الأنصاري إلى أنه لا يكاد يقاوم الانجذاب إلى التاريخ في الكثير من أعماله، ويضيف “بمجرد أن أفلح في رسم صورة في مخيلتي لحقبة تاريخية أبدأ مباشرة في التنزه خلال دروبها والانخراط في حوارات مع شخوصها ومراقبة ما يدور من أحداث، والحقيقة أن ذلك كله لا يأتي ضمن الرفاه الأدبي بل هي ضرورة ملحة في ظل تحصن أنظمة اليوم خلف أجهزتها الأمنية وتنزيه أنفسها عن ملامة النقد، وحاجة الكاتب أن يستخدم سحر الأمس وأصالته ليعالج ما استعصى من مشكلات اليوم، كما أن الرواية التاريخية الرصينة تمتلك قدرة الارتحال السلس بقارئها ليعيش تجربة صادقة يصل تأثيرها عميقا في نفسه، ليبذر الكاتب رسالته هنالك فتزهر عندها وتشع قيمها نورا في ضمير القارئ”.

ويلخص الأنصاري تجربته في استلهام التاريخ قائلا “لقد تفاوت ارتحال قلمي عبر التاريخ، فتارة أجده في دمشق خلال القرن الثالث عشر ليشهد على انشغال الأيوبيين بمواجهة المماليك أثناء تجمهر المغول للانقضاض على بغداد، وأحيانا يسرح في شمال أفريقيا خلال القرن السادس عشر ليتنزه في مراكش أثناء حكم أحمد المنصور الذهبي، وأراه مؤخرا يغوص عميقا ليستعير كتابا من بيت الحكمة في بغداد أثناء حكم المعتصم، وها هو حديثنا عن الكتاب يقودنا إلى الكتاب مجددا”.

ويشار إلى أن اليونسكو قد اختارت الثالث والعشرين من أبريل عام 1995 يوما عالميا للكتاب وحقوق المؤلف، وهو يصادف ذكرى رحيل وليم شكسبير وميغل دي سيرفانتس.

ويتم في الاحتفال بهذا اليوم تسليط الضوء على قيمة الكتب ورمزيتها ودورها في بناء الجسور بين الماضي والحاضر وفتح الآفاق نحو المستقبل. وتتكاتف دور النشر والمكتبات والمعاهد الثقافية وروابط المؤلفين في مختلف أنحاء العالم للترويج للقراءة وصناعة النشر وحماية الملكية الفكرية.

12